رد على حجج واهية

الثلاثاء 12 نيسان 2011

بقلم أحمد يهوى

كنت لحسن حظي من أوائل المشتركين بصفحة 24 آذار على الفيسبوك، وأعني بحسن حظي أنني قد أتيح لي التعرف على أدوات جديدة يتم استخدامها من أذناب الفساد في الأردن، وهي إن صح التعبير تبدو في مجملها بلطجة الكترونية، لكن عدداً منها حمل شيئاً ما قد يكون مقنعاً للبعض من الشعب الأردني، الأمر الذي دفعني للقيام بالرد عليها على النحو الذي يكتم على نفس هذه التعليقات التي أعود واشكك بأنها حقاً كانت نابعة من أشخاص غير فاسدين أو مستفيدين من الفساد بطريقة ما.

بصفتي نشيط على مواقع التواصل الاجتماعي، وأقضي وقتاً لا يستهان به على الفيسبوك، ولأنني أقرأ أهم الأخبار على المواقع الإخبارية الالكترونية، فقد تشكلت لدي عدة هزات نفسية أثناء قراءتي تلك الأخبار، لا بسبب الأخبار بعد اعتصام الداخلية، بل بسبب التعليقات التي كانت لتبدو لي أهم من الأخبار بكثير.

• إن أهم أول وأكثر تعليق يتكرر بحيث أنك صرت تسمعه من الناس العاديين في الشارع، هو التعليق الساذج بأن: الأردن بخير واللي مش عاجبه يدور له على بلد ثاني، هذا إذا لم يتكرم المعلق الكريم ويستبدل عبارة (يدور له على بلد ثاني) بعبارة (يحمل ملوخياته وعالجسر) كناية عن الأردنيين من أصل فلسطيني.

المعيب في هذا التعليق لا أنه ينم عن نوايا عنصرية أو إقليمية، وحسب، إنما المعيب فيه أنه يدعي أن الأردن مزرعة يملكها الفاسدون يتمننون بأن يسمحوا للشعب الأردني بأن يقيم فيها شريطة أن يسكت عن الفساد، وأن أية محاولة نقاش أو اعتراض أو رغبة في الإصلاح هي خارج المحور الأردني الشعبي العام.

هذا عوضاً عن الادعاء أن الأردن بخير، الأردن بخير بحسب أرصدتكم وحوالاتكم البنكية من والى الخارج، الأردن بخير لأن الأردنيين لا يرزحون تحت خط الفقر والقهر منذ عقود، لو كان الأردن بخير لما وقع كل هذا البطش بالمعتصمين على الدوار، ولما تمت ملاحقتهم وتهديدهم بالمستشفيات، ثم تخويفهم بالحبس وحبسهم بتهم واهية كمقاومة رجال الأمن العام. نعم لقد قاوموا رجال الأمن بأن ضربوا هراوات الدرك وحجارة الزعران برؤوسهم وظهورهم وعيونهم.

واستجابةً عند هذا التعليق خرج أول رجل مش عاجبه الأردن، وهو رجل الأعمال خالد شاهين المحكوم بالسجن. عرفتوا مين اللي طلع برا البلد… ولسا ح يطلع غيره الكثير.

• أما عن ثاني أكثر تعليق استخداماً على هذه المواقع هو أن الاعتصامات والمظاهرات في البلد قامت بتحطيم مصالح أصحاب المحال التجارية في مناطق الاعتصام، حتى أن أحدهم ادعى أنه خسر ما قرابته 26 ألف دينار منذ بداية المظاهرات حتى الآن.

هذا التعليق يدغدغ المشاعر قليلاً، وأحياناً اشعر بالقليل من التعاطف مع هؤلاء التجار الذي تتضرر لمصالحهم في حالة المظاهرات لمدة كانت في أقصاها ثلاثين ساعة كما حدث في اعتصام دوار الداخلية.

وعلى الرغم من أن الدولة في جل مكوناتها كانت وما زالت تسحق هؤلاء التجار بضرائب وإجراءات رقابية وتراخيص تسحق ربحهم منذ عقود، وعلى الرغم من أن هؤلاء التجار المساكين وأصحاب البسطات الغلابى يدفعون ضمن ميزانية تراكمية رشواتٍ لمفتشي الصحة والأمانة والكثير من الهيئات الرقابية فقد أضر بهم الاحتجاج لإنقاذهم وإنقاذ البلد من القبضات الصغيرة والكبيرة التي تنهب لقمة عيشهم وعيشنا.

إن أصحاب البسطات في وسط البلد الذين أعرفهم منذ كنت صغيراً قالوا لي في لقاء مع عدد منهم، أن الموعد التي تكون فيه المظاهرة أصلاً موعد فيه ركود بيع، وقال لي أحدهم أن الحفريات التي تقيمها الحكومة في البلد منذ خمسة شهور أضرتهم بأضعاف أضعاف المظاهرة، ووصل الأمر بأحدهم وهو صاحب كافتيريا في وسط البلد أن قال أنا زعلت لما رحتوا على الداخلية، كنا مستفيدين والله.

• ثالث أكتر تعليق تكراراً يقول أن المظاهرات أغلقت الطرق المؤدية، وشلت حركة البلد في كثير من مواقع عمان، وهذا التعليق بالذات يشعرني بخيبة أمل، لأنه يكيل المسائل بمكيالين، فمظاهرات الولاء التي كانت تجوب عمان والكثير من المحافظات وهي تحمل الأسلحة والسيوف تملؤها لم تكن لتشل حركة البلد، بينما الاعتصام الذي وقع على دوار الداخلية شل حركة البلد.

أي بلد هذه التي يشل حركتها اعتصام أو مظاهرة، على كل للتنويه فقط، اعتصام الداخلية لم يشل حركة البلد لأننا كنا نعتصم خارج حدود الشارع، وكما يعلم الآلاف من الأردنيين الذي عبروا بسياراتهم ليلة الخميس 24 آذار من هناك، كانت الطرق مفتوحة قبل أن يغلق الأمن الطرق من والى الدوار ومن كل المخارج والمداخل لسبب أو لآخر أنا لا أتهم فيه أحداً، وهذا الأمر نفسه حدث في اعتصام الجمعة التي تلته في راس العين حيث أغلق الأمن كل المداخل علما بأن المعتصمين كانوا في ساحة منعزلة تبعد عن الشوارع مسافة وتتسع لأضعاف العدد الذي حضر يومها. فلا تدعوا أن اعتصام يشل حركة بلد يشلها حركة وجسداً تغوّل الفاسدين إدارياً واقتصادياً.

• ثمة تعليق مضحك كان لا بد من ذكره هو التعليق الذي يدعو للكف عن التقليد الأعمى لثورة تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا والعراق، وطبعاً هذا التعليق هو المعشش في عقول الشعب الأردني كما لا يعشش فيها شيء.

وحيث أنني واحد من هذا الشعب، فأنا مقتنع فيه أيضاً.. أنا ضد هذا التقليد الأعمى لهؤلاء المندسين في مصر الذين أزاحوا مبارك وشلته التي قتلت مصر داخليا وخارجياً، نعم هل تريدون أن تحاكموا الفاسدين كما فعل التوانسة والعياذ بالله؟ ألا تعلمون أن أحد هؤلاء الفاسدين قد يكون ابن عمي أو أبي أو أخي؟ لا.. وألف لا للتقليد الأعمى لهذه الثورات اللي مش عارف شو مالها.

هذا الاحتجاج أيها الشعب الأردني لا يدعى تقليد أعمى. هذا يدعى أن تكتشف نفسك من خلال مرآة أخرى أنت كنت تجهلها، فحين ترى صديقاً لك قد تمكن من قتل ضبع ما، يتحفز داخلك هذا الإحساس بأنني أستطيع فعل ذلك أيضاً هذا كل ما في الأمر.

ثم من قال أننا وحدنا –المطالبين بالإصلاح ومحاكمة الفساد- من نعاني من التقليد الأعمى، أنتم أيضاً أعزائي تعانون نفس المشكلة، نحن نقلد الأحرار المصريين في الرغبة بالكرامة والحرية من الفساد والفاسدين، وأنتم تقلدون البلطجية الذين هاجموا إخوانهم المصريين لحماية مصالحهم الصغيرة وللاسترزاق من قتل أبناء شعبهم.

تذكير صغير.. ربما أن المنظمين للاعتصام ولست منهم برغم أمنيتي بأن أكون، استفادوا بشدة من الثورة المصرية على وجه الخصوص، سواء على مستوى التنظيم أو الطريقة أو الشعارات، لكن شعار إسقاط النظام لم يكن في الحسبان، حتى أن الجميع كانوا يهتفون بالتعييش للملك، بينما الحجارة تضربهم باسم جلالته.. وهذا منظر رأيته بأم عيني.

• يقول التعليق الخامس وهو التعليق الذي يدور حول منطق امتصاص الحالة وإعادة تدويرها، أن على المعتصمين أن يلجؤوا للحوار بدل من الاحتكام للشارع، هذا التعليق يرد على نفسه بنفسه، فكيف يعتبر الاعتراض السلمي مضاد للحوار السلمي؟ إن هذا الاعتصام الذي يسبه حتى مشاركين فيه، أعاد فرز الجميع، ورمى الحجر في الماء الراكد، وهز المسامير في كراسي الفساد الذي كان يشعر بأن الأردن مستقر آمن له، وأن الشعب الأردني سيبقى صامتاً حتى لو مصصت دمه، فلا تتحدثوا عن حوار يموت في المكاتب التي يموت فيها كل ما هو أقرب للحق، ولا تأتوا على ذكر الإصلاح الذي سيجيء بسلاسة وهدوء، كأننا في جلسة تدليك.

هذا التعليق يقول بطريقة ما، اجلسوا فقط على طاولات الحوار ريثما يتسنى للفاسدين تأمين معاملات رحيلهم لمنتجعات لندن وأوروبا بحجة الحق في الحياة.

أكتفي بهذا القدر من التعليقات علماً بأن تعليقات أخرى كثيرة قرأتها وسمعتها في تلك الفترة، لكنني غير معني بالرد على تعليق يقول لك أن المشاركين رفعوا علم إسرائيل لأن هذا الكلام هردبشت، ولن أجيب على من يهددون الأردنيين ببساطير الدرك لأن هذا فيه إهانة بطريقة ما لجهاز الدرك الذي أنا ضده، والكثير الكثير من التعليقات التي لا تتضمن فهما واضحاً لمنطق المطالب التي رفعها كل من شارك في أي مظاهرة أو اعتصام منذ بدء الاحتجاجات قبل ما ينيف عن أربعة أشهر، وبالمناسبة كل هؤلاء أردنيون سواء قبلتم أم رفضتم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية