العفو العام بدلاً من مكافحة الفساد؟

السبت 21 أيار 2011

مكافحة الفساد وكشف الفاسدين ومحاسبتهم واستعادة الأموال والحقوق العامة هي النقاط الوحيدة التي ما يزال يجمع على ضرورة تنفيذها والسير بها حتى النهاية كل المشهدين السياسي والشعبي في الأردن بكافة تعبيراتهما، بخلاف الملفّات الأخرى التي نجحت السلطة السياسية بإثارة الاستقطابات حولها واحتوائها واجهاضها من خلال آليات ليس هذا مكان الحديث عنها.

على السطح، تبدو السلطة السياسية معنيّة جداً بملف مكافحة الفساد، لكن الواقع العملي لحركتها يثبت عكس ذلك، ابتداء من ملف سجن سلحوب ذو النجوم الخمسة المخصص للمحكومين بقضايا الفساد، إلى ملف مغادرة خالد شاهين للبلاد، وحتى تحويل ملف “الكازينو” الى النوّاب المُجازين والذي تكثر التكهّنات الآن عن حلّ مجلسهم، إلى ما يرشح من تذمّرات في دائرة مكافحة الفساد عن ان صلاحيات هذه الدائرة غير كاملة ومجال عملها محدود.

واستكمالاً لكل ذلك، وبدلاً من أن تنشغل السلطة السياسية بملف مكافحة الفساد وتجند له كل إمكانياتها، ها هي تقرر أن تحتوي هذا الملفّ بشكل كامل من خلال إصدار قانون للعفو العام يَجُبّ ما قبله بشكل كامل ونهائي سواء فيما يتعلّق بالقضايا القائمة، أو بالقضايا التي يمكن أن تثار عن الفترة الممتدة من لحظة سريان القانون فما قبل، ويصادر حقوق الناس ممن لم يتنازلوا عن حقوقهم التي يضمنها لهم الحق والقانون. والاحتواء المقصود هنا هو من شعبتين: الأولى امتصاص الاحتقان الشعبي العام حول موضوع الفساد بتنفيسه جزئياً من خلال عفو عام، والثانية شمول العديد من الفاسدين وقضايا الفساد القائمة والتي من الممكن أن تقوم بالعفو، او شمول أجزاء منها بهذا العفو.

وفوق هذا، فإن صدور قانون للعفو العام في هذه المرحلة هو عمل يخالف أبسط قواعد الديمقراطية والشفافية، ويشكل مزيداً من المصادرة للحقوق، بل ويشوبه شيء من الفساد أيضاً، وللأسباب التالية:

اولاً: ان صياغة وإصدار قانون للعفو العام (أو أي قانون آخر) في الغرف المغلقة وبتكتّم شديد بعيداً عن أعين الناس وبعيداً عن النقاش العام هو أمر غير ديمقراطي وغير شفاف ويشوبه شيء من الفساد.

ثانياً: إن إصدار قانون للعفو العام على شكل قانون مؤقت بعيداً عن الأطر الدستورية والقانونية لإصدار القوانين هو أمر غير ديمقراطي وغير شفاف ويشوبه شيء من الفساد.

ثالثاً: إن إصدار السلطة السياسية عفواً عاماً عن محكومين مدانين أو مشتكى عليهم في قضايا ليست هي طرفاً فيها، ولا هي متضررة منها، ولم يحصل فيها صلح أو إسقاط للحق الشخصي، هو أمر غير ديمقراطي ويشوبه شيء من الفساد بل وفيه اعتداء على الناس لأن ذلك هو تلاعب بحقوقهم وتصرف بها دون موافقتهم.

ثم، من يستطيع أن يحكم إن كانت الجريمة “س” هي أقل وقعاً من الجريمة “ص” ليشملها العفو العام؟ كيف يشمل العفو العام جرائم الاجهاض المتعمّد غير القانوني ولا يشمل جرائم القتل وهما متقاربان؟ وكيف يشمل العفو العام جرائم الافتراء ولا يشمل جرائم هتك العرض وهما متقاربان في السياق المعنوي؟ ومن يعطي نفسه حق التصرف بحقوق الناس بدون تفويض وتنازل منهم؟ أليست هذه ارتجالية وعشوائية الهدف منها تمييع الأمور واحتواء الملفّات الأساسية واكتساب الشعبية، وكله على حساب الناس؟

إن كانت السلطة السياسية تريد أن تصدر عفواً عاماً، فعليها أن تراعي النقاط الأساسية التالية:

أن تستثنى بالكامل كل القضايا المتعلّقة بالفساد والفاسدين والأموال العامة واساءة استعمال السلطة واستغلال الوظيفة، وكل القضايا المتعلقة بالحريّات وحقوق الإنسان (التعذيب والاعتقال التعسفي….الخ)، وكل ما يتفرّع عن هذه القضايا، وبشكل تفصيلي.

أن تستثنى بالكامل كل القضايا المفصولة والقائمة التي يكون المشتكي فيها هو أحد المواطنين، أو مجموعة منهم، أو هيئة اعتبارية أهليّة أو خاصّة، ولم يحصل فيها “صلح” أو “إسقاط للحق الشخصي”، ما لم يتم هذا الصلح، أو ما لم يُسقط الحق الشخصي.

أن يشمل العفو الموقوفين الإداريين، والمعتقلين والمحكومين على خلفيات عقائدية أو سياسية أو ذات العلاقة بالمظاهرات والاحتجاجات أو ذات العلاقة بحرّية الرأي والتعبير والتنظيم والتجمّع (مثل معتقلي معان)، والمعتقلين والمحكومين على خلفيات نضالية ضد الكيان الصهيوني او الاحتلال الامريكي في العراق (مثل أحمد الدقامسة)، واولئك الذين تختصمهم الدولة أو أحد أجهزتها فقط في قضايا خارج نطاق القضايا الموضحة في النقطة 1 أعلاه، واولئك الذين حصل “صلح” في قضاياهم مع المشتكين أو تم اسقاط الحق الشخصي عنهم من قبل المشتكين.
أن يطرح القانون للنقاش العام قبل إصداره.

أن يمر القانون من خلال القنوات الدستورية المعروفة لا أن يصدر كقانون مؤقت.

بخلاف ذلك، سينضم قانون العفو العام المزمع إصداره إلى ملفّات الفساد والممارسات غير الديمقراطية وغير الشفافة المتغوّلة على حقوق الناس، مثله مثل بقية الممارسات التي ينبغي مساءلة ومحاسبة القائمين عليها.

* كاتب وقاص من الأردن.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية