اللغة والهوية عند أمين معلوف

الأحد 01 أيار 2011

انكتاب، أبريل 2011

هنالك بعض النقاط الأساسية التي لا بد من الإضاءة عليها لفهم موضوع اللغة عند معلوف:
يرى معلوف أن اللغة تعتبر أحد أهم الانتماءات التي نعترف بها، على الأقل بمستوى أهمية الدين التي كانت غريمته الأولى عبر التاريخ بصورة ما، وحليفته في بعض الأحيان. (في الحالة الأولى نتصور أوروبا المسيحية وانفصال الشعوب عن اللاتينية، لغة الكنيسة، إلى تطوير اللغات الخاصة بها، ونتصور في الحالة الثانية، الدولة الإسلامية، حيث كان بريق الإسلام كافياً أثناء انتشاره ليجعل الناس يدخلون في اللغة العربية أفواجاً، كما دخلوا في الدين أفواجاً).

يلاحظ معلوف كذلك أن الدين حصري، بعكس اللغة. فلا يمكن لشخص اعتناق أكثر من دين في آن، غير أنه يمكن أن نجد ثنائيي اللغة، وثلاثيي اللغة، ومتعددي اللغات، وباتت الآن قضية اكتساب اللغة الثانية، حتى بعد الثانية عشرة، من الأمور غير المستحيلة عند بعض علماء اللغة، ولهذا نرى معلوف يهتم بجانب اللغة هذا، لأنه في رأيه عامل للهوية وأداء للتواصل في آن معاً.

في الترجمة الأولى للكتاب، هنالك عبارة تقول: “وتبقى اللغة محور الهوية الثقافية، والتنوع اللغوي هو محور كل تنوع”
أما الترجمة التي بين يدي تقول: “فاللغة يجب أن تبقى عماد الهوية الثقافية، والتنوع الثقافي عماد كل تنوع بالمطلق”.
ولعل الترجمة الأولى أقرب إلى الصواب (لا من ناحية النظر إلى النص الأصلي، ولكن من ناحية النظر إلى سياق الكلام)، لأن التنوع اللغوي (باعتبار اللغة معبراً عن الهوية) هو أساس في التنوع الثقافي، وليس العكس.

يقول معلوف في صفحة رقم 186 من ترجمة نهلة بيضون:
“لا شيء أخطر من محاولة قطع حبل السرة الذي يربط الإنسان بلغته، فعندما ينقطع هذا الحبل أو يتعرض للاهتزاز، ينعكس ذلك بصورة سلبية للغاية على الشخصية.”

لا أستطيع أن أطرد شعوري برومانسية معلوف المبالغ بها عندما يتكلم عن وجود لغة للتواصل العام لا بد من تعلمها، وهي الإنجليزية حالياً، ولغة للتعبير عن الهوية، ولغة ثالثة أخرى يقررها الشخص وفق اهتماماته ومصالحه. ربما يكون الطرح تبسيطياً إلى حد كبير، من وجهة نظري على الأقل، ولكنّ معلوف أيضاً يطرحه ليقرر حقيقة أخرى تقول إن اللغة الإنجليزية، وإن نجحت كوسيلة للتواصل بين الشعوب، إلا أنها لا تستطيع أن تخدم جميع احتياجات الناس، لاسيما الحاجة إلى الانتماء والهوية، بالإضافة إلى أن منزلتها كلغة للتواصل لن تكون أزلية، فرونق اللغة الإنجليزية وأهميتها سيزولان بمجرد تراجع السيطرة أحادية القطب للدول التي تمثلها (وأقصد هنا بالتحديد الولايات المتحدة). كما أنه يؤكد في جزء آخر من الكتاب على أهمية الحفاظ على اللغات والتنبه لقضية موت اللغة، حتى في المجتمعات النائية والمهمشة، حفاظاً على الإرث الثقافي لشعوب العالم، وانطلاقاً من المسؤولية الإنسانية التي تجمع البشر وتوحدهم.

كما أن معلوف في تحليله للغة يقدم وجهة نظر أخرى غير تقليدية، أي من ناحية أنه عربي مسيحي، وقد لا يروقه بالضرورة أن يرى هذا الارتباط التاريخي والعاطفي بين الإسلام واللغة العربية، ومن هنا أشعر أنه بدا راغباً في فك الربط بين الأمرين، وهذا وإن كان ممكنا جداً، بل هو أمر واقعٌ في العديد من السياقات الثقافية المعاصرة في العالم العربي، إلا أنه يبين في الوقت ذاته أن الحديث عن العالم العربي في شتى النواحي قد لا ينفصل عن الحديث عن الدين، أو على الأقل، على أخذ الدين كعامل ذي تأثير، قد يكون مبالغاً فيه أحياناً، في حياة العرب.

تنتشر بيننا الآن كشباب ما يمكن أن نسميه حساسية لغوية، وأقصد في هذا أن قضية اختيار اللغة والكلمات باتت من القضايا التي تحتل أهمية لم نعهدها سابقا. فاستخدام العربية في سياقات ثقافية واجتماعية أمر محمود، وظاهرة لا بد من تعزيزها وتشجيعها. وهذه الاجتماعات “الانكتابية” التي تعزز على استخدام العربية المعاصرة وسيلة للتواصل بين الحاضرين، مؤشر لطيف على الإمكانيات الهائلة التي يمتلكها الإنسان العربي، وبالتالي، اللغة العربية التي ستنطبع حتماً بهذا الإبداع وهذه الإمكانات.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية