ما حد حكالي

الأربعاء 18 أيار 2011

 

كاريكاتير من عام ١٩٩٩

بقلم هادي*

أيقظني شريكي في السكن الأسبوع الماضي ضاحكا، وأخبرني أنه من الآن فصاعدا سيرتدي ثوبا أبيضا وشماغا. لم أضحك، فتلك نكتة مستهلكة مبنية على إشاعة مغرضة نتداولها بين الحين والاخر، لكنه ما لبث أن أكد لي أن هذه المرة مختلفة وأن الاردن فعلا قرر الانضمام إلى دول مجلس التعاون الخليجي. “ما حد حكالي” كان هذا رد فعلي الأولي. أنا أسمع هكذا إشاعات منذ سنين ولكن يبدو أخيرا أن الحلم تحول إلى حقيقة. في البداية أعتقدت أنه وبحكم غربتي في الشقيقه مصر أن الخبر لم يصلني. هاتفت اخي وسألته عن الموضوع “والله .. متى .. ما حد حكالنا” كان هذا جواب أخي!

أنا لن اخوض في سلبيات وإيجابيات الانضمام لهكذا تكتل متجانس سياسيا وجغرافيا واقتصاديا واجتماعيا. ولن أحلل التبعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لهكذا قرار على الاردن، فالأسباب معروفه للجميع، خصوصا أهلنا في المغرب، كما أن الصحف الاجنبية أشبعت الموضوع تحليلا. ما سأتحدث عنه هو آلية أتخاذ القرار. من الواضح أن القرار اتخذ بعد سلسلة اجتماعات ومشاورات انتهت بتراضي الاطراف المعنيه على ضم الاردن والمغرب للمجلس. لكن ما هي التنازلات التي قدمها الاردن؟ لماذا لم يطرح الموضوع على مجلس النواب؟ لماذا الشعب آخر من يعلم؟ بالمناسبة ليست هذه المره الاولى. فقد انضم الاردن سابقا الى منظمة التجارة العالمية في عام 2000 وانضم الى اتفاقية الكويز واتفاقيات اقتصادية وسياسية واجتماعية أخرى لم تجلب لنا سوى ارتفاعا في المديونيه ووبالا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وتم كل هذا بدون معرفة أحد.

لماذا تستفتى شعوب دول الاتحاد الاوروبي قبل الانضمام للاتحاد الاوروبي؟ هل مجلس التعاون الخليجي أقوى من الاتحاد الأوروبي؟ في دولة مثل المجر ناقش الإعلام قضية الانضمام للاتحاد الأوروبي لعدة سنوات تخللها آلاف الساعات من البث التلفزيوني ومئات المقالات والتحليلات في الصحف واللقاءات والمناظرات المباشرة بين الأطراف السياسة المختلفة قبل أن يستفتى الشعب بطريقة الاقتراع المباشر. هل الشعب المجري أوعى من الشعب الاردني؟ حتى الاخوه في الخليج لم يشاورهم احد. الم يستفتى الشعب في السويد والنمسا لمعرفة رأيه في انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي؟ يعني باستثناء بعض المناوشات الخجوله في البرلمان الكويتي لم نسمع بأي شيء. حالنا الان يذكرني بحال الفتيات اللواتي يتم تزويجهن بدون علمهن أو موافقتهن. يعني بالعربي “زوجوها دون تدري”. وكالعادة، سيتم توزيع عريضة على شيوخ العشائر ووجهاء المخيمات والفعاليات الرسمية والشعبية من شتى الاصول والمنابت للتوقيع على التأييد للانضمام والتأكيد على حكمة القرار ولا مانع من التذكير بنعمة الأمن والأمان التي نباهي بها العالم أجمع من فوق لتحت.

ومن الواضح أيضا أن الأوامر صدرت لكتاب التدخل السريع للدفع باتجاه الانضمام حيث امتلأت المواقع الأكترونية والصحف الورقية بعشرات المقالات التي تشيد بالخطوة الحكيمة وتبني قصورا في الهواء. بعض المقالات تحدثت عن العمق التاريخي والجغرافي والسياسي الذي سيضيفه الاردن للمجلس وانعكاسات ذلك المباشره على الشارع الاردني انطلاقا من القاعده الاقتصاديه “من جاور السعيد يسعد”. وذهب البعض الى أن “الأمن والأمان” الأردني سيسهم في تعزيز الأقتصاد الخليجي على طريقة “الرابط العجيب”! البعض بدأ يتحدث عن تدفق الاستثمارات الخليجيه للاردن. يعني هناك أمل أن يتم تشطيب البرجين على الدوار السادس أو ان نستخرج زيت الزيتون من الصخر الزيتي. وطبعا لم يخلو الأمر من قصيدتين أو ثلاثة تمجد الأخوة في الخليج وتأكد على وحدة الدم والنفط. حتى المقالات التي حاولت تقديم تحليل موضوعي أجمعت على ان “المفاجأة كانت سارة” وتناست ان المشكله تكمن في “المفاجأه” نفسها كمبدأ وليس في كونها كانت ساره أو سيئه.

أما آن لانظمتنا أن تدرك أن زمن استغفال الشعوب قد انتهى فعليا. لمذا تصر أنظمتنا على ان تدفعنا نحو الانفجار؟ متى سيتم إشعار الشعوب بأهميتها ومشاورتها في القرارات المصيريه التي تمس حياتها؟ ما لا تعلمه انظمتنا العزيزه أن عصر “لا اريكم إلا ما أرى” وعصر “أنا ربكم ألاعلى” قد سقط مع سقوط بن علي. انا وبصراحه سأصوت ب “لا” في حال، لاسمح الله، طرح القرار للتصويت. أنا حر وليس عندي رغبه بالانضمام حاليا ولا يحق لاحد أن يصادر رأيي أو أن يجبرني على شيء فأنا، على رأي أحد الكتاب، من هواة “التشكيك والهجوم ووضع العصى في الدولايب”. يعني بالعربي “ما حد إلو عندي” أو كما يقول صديقي الشامي “ما حدا أخو مرائي” أو على رأي اخوتي المصريين “الشعب لا يريد الانضمام”!!

*طالب أردني سنة خامسة كلية صيدلة في جمهورية مصر العربية

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية