التحرش الجنسي: عرض لمرض

الثلاثاء 21 حزيران 2011

بقلم مي أحمد

التحرش الجنسي هو ناتج لمجموعة من العوامل في رأيي، تتداخل فيما بينها ومرتبطة ارتباطا وثيقا بالمناخ الاجتماعي وما يتضمنه من قيم وثقافة مجتمعية، وكذلك مرتبطة بالدور والحالة و”القوة” ان صح التعبير لطرفي المعادلة من المتحرشين والمتحرش بهن / بهم.

طريقة التنشئة الاجتماعية واسلوب التربية للرجال والنساء هي المفصل الحقيقي في رؤية كل منهما لنفسه وتصوراته عن الآخر والتي تقود سلوك كل منهما وتكوين وجهات نظر تساعد على خلق مناخ التحرش الجنسي في المجتمع من عدمه.

أزعم ان مجتمعاً يعاني من عرض “التحرش الجنسي” هو مجتمع بالضرورة له الخصائص التالية بشكل نسبي يقترب منها او يبتعد بقدر افرازه للتحرش الجنسي:

·         المجتمع الذي يعتنق حاليا – او اعتنق حتى وقت قريب- عقيدة  التمييز ضد افراد او مجموعات من الناس بناءً على الجنس، الدين، اللون، العرق، الثقافة، الطبقة الاجتماعية، اسلوب الحياة، المعتنق السياسي أو غيرها، حيث أن هذا الاضطهاد او اساءة استخدام القوة والتفوق ينتج عنه التحرش الجنسي من قبل المجموع المهيمن، وقد يفرز من قبل الأقلية التي تستخدمه كسلاح انتقامي، فيرتبط التحرش الجنسي بالتعصب عموما والتمييز ما بين الجنسين.

·         تربية الذكور بعقلية ” الفحل ” والتي تتبنى اتجاه أن وجود الانثى في الحياة لغاية الجنس اولا، وان ” الرجل” هو من يعتصر ثديا أو يصفع ردفا أو يلقي مفرداته البذيئة على مسامع الإناث، عدا عن فكرة “الصياد” الذي ترتفع مكانته الذكورية بارتفاع حصيلة غزواته و فرض لمساته او “مغازلاته” على محيطه الانثوي .. وكلما زاد العدد من النساء كلما اثبت لنفسه ولمحيطه انه الفحل المتين، حتى انه يقتنع تماما ان ما يفعله من تحرش هو غزل ومجاملة يجب ان تفرح بها المتلقيات.

·         في الجانب المقابل هناك تربية للإناث مفادها أن غاية وجودها بذاته هو “رضا”  الرجل، وأن تقبل الرجل لها وشعبيتها عنده هي ما يحدد نجاحها في الحياة، أو أن “الأنثى” تعريفا هي الجذابة جنسيا – وهو ما يروج له على نطاق واسع الكم المهول من الكليبات التي تؤكد صورة المرأة المثيرة جنسيا وحسيا حد الابتذال- ، من هنا قد تعطي هؤلاء النسوة اشارات، غير مقصودة في اغلب الحالات، تدعو وتستجلب المقاربة الجنسية. تتفاقم الأمور لدى نسبة ضئيلة من هذه المجموعة ليصل بها الاعتقاد ان استعدادها الجنسي هو مكمن قوتها وسيطرتها على الذكور وهو سلاحها السري، رغم قلة عدد ممثلات هذا النموذج من السيدات الا أن وجود واحدة منهن ضمن بيئة ما مثلا قادر على  تشجيع عقلية التحرش بدعوى ان سلوك هذه الانثى هو ما يمثل “الإناث” عموما.

·         المرأة التي ترى نفسها ضعيفة، معتمدة على الرجل، أو اقل قيمة وقدر من الرجل تلقى صعوبة بالغة في التعامل مع التحرش الجنسي أو الإبلاغ عنه أو فضحه في حالة تعرضها له، ايضا قد تواجه المرأة المعيل صعوبة في الافصاح عن اي تحرش أو رفضه خوفا على سمعتها والتي قد تؤثر سلبا على مورد رزقها.

·         عقلية محاكمة الضحية ومصداقيتها عوضا عن محاكمة المتحرش، ومن الأمثلة الصارخة الاشارة الى طريقة لبس الضحية، أو مكان تواجدها أو وقته وعدم تحديد ان كل هذه العوامل لا تبرر من قريب أو بعيد عدوان التحرش باي شكل من الاشكال.

أضف الى كل ما سبق تجاهل المجتمع لموضوع الكبت الجنسي حيث يتقدم السن بالشباب من كلا الجنسين دون وجود منظومة مجتمعية تقنن العلاقات بصورة صحية سليمة ما بين الجنسين، وتستمر بفرض الشكل التقليدي للزواج والذي يتعارض بشكل اساسي مع الواقع الاقتصادي للشباب والشابات الى جانب تعارضه مع طموح كل منهما وتقدمه في حياته العملية، لإن تكاليف وتبعات الزواج قد تكون عقبة حقيقية في مستقبل التطور المهني للشاب او الشابة، وهنا لا نعمم.

وتساهم طبيعة المجتمع المنافق فيما يخص المعلومات الجنسية وطبيعة التعامل مع الجنس كمتعة سرية “سافلة” بحيث يستقي الشباب تصورهم للقاء الحميم وطبيعة العلاقة من ألأفلام الإباحية وتخيل أن كل “أنثى” هي بطلة اباحية مختبئة خلف “يتمنعن وهن الراغبات”، فيكون التحرش مبررا بداعي ان دور الذكر في العلاقة هو كسر إدعاء الأنثى بالتمنع ليتم المراد!

نهاية، اعتقد أن النظر الى موضوع التحرش بسطحية الهتافات والتوبيخ الأخلاقي لن يؤتي ثماره، وان المطلوب دراسة علمية لواقع مجتمعاتنا وقيمها ووضع الأسس والخطط الكفيلة بإحداث ثورة أخلاقية وزعزعة المفاهيم المختلة المترسخة والمتضمنة بالخطاب الأخلاقي والديني والاجتماعي المنحرف والذي انتج التحرش الجنسي بشكله الحالي القائم. عملية قد تبدو معقدة وطويلة الأمد ولكن أن نبدأ بالخطوة الأولي هو خيارنا الوحيد.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية