عصام شرف، الجيل الجديد من الرؤساء العرب

السبت 06 آب 2011

بقلم حمزة البديري

بهدوء وبكفاءة عالية يقوم الدكتور عصام شرف بإدارة التناقضات في مصر ما بعد الثورة. هذا الرجل الخمسيني الودود أحادي نبرة الصوت والعادي جدا، كان ممن اعتصموا في ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير. وصوله هو بالذات للسلطة والخطاب السياسي الذي تبناه يظهر عمق التحولات في العالم العربي.

كان من الممكن أن يتيح الربيع العربي والروح الثورية الصاعدة فرصة استثنائية لظهور أراجوزات في السياسة، أمثال هيوغو تشافيز، تخطف الثورات لمصلحة نرجسيتها وذاتيتها. ولكن فاجأنا المصريون مرة أخرى بهذا الرئيس ذو الكاريزما الضعيفة والذي يفتقر لفنون الخطابة. رئيس لا يوحي بالقوة ولا بالعظمة ولا أي مصطلح آخر من مصطلحات العالم القديم التي أحاط الرؤساء العرب السابقون أنفسهم بها.

أهم ما تكشفه ظاهرة الدكتور شرف، هو أن العالم العربي الجديد قد بدأ برفع مستوى العقلانية في السياسة على حساب كل النزعات اللاعقلانية التي كانت تحكم علاقتنا برؤسائنا، كالأب الحاني، القائد الملهم، المتسلط العادل وكل هذه النماذج التي حكمت علاقة الشعوب العربية برؤسائها. العلاقة مع الدكتور شرف لا تحمل أي من الآليات النفسية القديمة سواء الاستيهام الذكوري، مرورا بالنكوص والعلاقة الطفلية مع الأب القائد، وحتى متلازمة ستوكهولم (تعاطف المخطوفين مع الخاطف. تبدو العلاقة بين المصريين ورئيسهم على المستوى النفسي باردة وسطحية جدا ودون مشاعر.

علاقة المصريين مع الدكتور شرف هي علاقة جافة تقوم على الحسابات والأرقام. الرئيس يعمل موظفا لدى الشعب ويقدم كشف حساب دوري. الشعب يقيم ويقرر وتظهر النتائج في استفتاء شعبي يوم الجمعة يتسم بالجفاف وتحكمه لغة الأرقام وعدد المحتجين في ميدان التحرير.

في وقت ينحصر نقد الحداثة السياسية في النخب الأكاديمية الغربية، نستحق نحن كعرب أن نفخر بأول تمظهر جدي لدخول السياسة العربية مرحلة الحداثة. ويأتي أحد أهم إرهاصاتها، في صعود النموذج الليبرالي بصفته النموذج الأوحد لعلاقة الفرد مع الدولة واعتباره أحد مسلمات الدولة الحديثة.

إذا استمر العالم العربي باختيار رؤساء من هذا النوع، والإشارات تبدو مبشرة من ليبيا واليمن، فإننا سنكون بصدد إعادة تعريف جديدة للشرق. في العشر سنوات القادمة سنعيد سؤال أنفسنا والعالم، هل للشرق القلب وللغرب العقل؟ هل نحن عرب مستبدون فوضويون وانفعاليون؟ أم أننا بشر عاديون جدا كالدكتور عصام شرف تماما!

الصورة أعلاه من موقع ويكيميديا.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية