لماذا نتجاهل الصومال؟

الإثنين 08 آب 2011

بقلم جابر جابر

حسني مبارك قتل خلال ثورة الخامس والعشرين من يناير قرابة الف من خيرة شباب مصر، بينما قتل بشار الأسد ما يزيد على الألفي إنسان حتى الآن خلال الانتفاضة السورية الباسلة، وقتل القذافي حتى الان ايضاً عدة ألاف من أحفاد عمر المختار.

لكن أتعلمون ايها السيدات والسادة ان هنالك حاكما في بلد عربي قتل أكثر من تسعة وعشرين ألف طفل خلال التسعين يوما الفائتة؟ وهل تعلمون أن الرقم صحيح وموثق لدى الأمم المتحدة، ولدى كبرى المنظمات الحقوقية حول العالم؟ وهل تعلمون أنه لم يخرج أي عربي في مظاهرة او مسيرة من اجل الاعتراض على ما يحدث او في محاولة لإنقاذ اولئك الاطفال من خطر الموت المحقق؟

أوتعلمون ايها السادة ايضاً أن أكثر من ثلاثة ملايين إنسان عربي يعانون موتاً محققاً خلال الشهور المقبلة ان لم يتم انجادهم؟

لاشك أنكم علمتم عمن أتحدث؟ إنني أتحدث عن الصومال، ذلك البلد العربي المسلم، والذي اختار اغلبنا وبمحض الإرادة الحرة أن ينساه، وأن يحذفه من حاضرنا وجغرافيتنا.

أعتذر لكم جميعا عن هذا العنوان، وأعلم تماما أن قلوبكم تعتصر ألماً لما يحدث هناك، لكنني لم أجد طريقة أخرى سوى أن استفزكم حتى تقرؤوا ما يجول في فكري اليوم.

خرجنا كأردنيين نصرة لغزة، ونصرة للبنان، ولسوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن، لكنني لم أر احدا في الأردن أو في غير الأردن يخرج نصرة للصومال وأهله، وهم يعانون من ظلم الديكتاتور الاسوأ على مر التاريخ: الجوع. وياله من حاكم ظالم، وسيد جائر.

عندما  يموت  الانسان وهو يحارب لأجل حريته ولأجل وطنه فانه لا شك ينال أجمل الألقاب وأغلاها وهو لقب الشهيد، والأهم من هذا انه يحقق شيئا ما لبلاده، ويخطو به الوطن ولو خطوة صغيرة نحو غد أفضل، ولذا رأينا أمهات الشهداء لا يبكين بقدر ما يطلقن زغاريد الفرح باستشهاد أبنائهن.

لكن من يموت جوعا وعطشا، من يموت لأن أباه أو أمه أو حكومته لم يستطع أن يوفر له ما يسند جسده، من يموت لأن الجوع قد فتك به، ماذا نسميه؟ ولماذا يموت؟ وما الذي على أمه أن تفعله؟ هل تلطم الخد وتشق الثوب؟ أم أن عليها ان تصاب بنوع ما من الارتياح لأن ابنها انتقل الى عالم اكثر عدلا، عالم اكثر نورا، عالم ليس عليه فيه أن يكون غنياً أو أبيض البشرة أو ابن وزير أو أمير  لينال شرف الحصول على  وجبة طعام، أو سقف تحته ينام؟

أكثر من تسعة وعشرين ألف طفل صومالي لقوا حتفهم خلال الأشهر الثلاثة الماضية، لن أملّ من ترديد هذا الرقم على مسامعكم، ثلاثون ألفا أي ثلاثون ألف روح، وثلاثون ألف قلب، ثلاثون ألف طفل، أي ثلاثون ألف عائلة كان من الممكن لها ان تنشأ، ثلاثون ألف أم وأب بكت عيونهم دماً على ابناء ماتوا هكذا، دونما جدوى، ودونما سبب سوى تقاعسنا عن نجدتهم.

نعم تقاعسي أنا وربما أنتَ وربما أنتِ عن نجدة إخوتنا في العروبة، أو الدين وإن لم يكن في هذا أو ذاك ففي الإنسانية.

ماذا لو أن الصومال كانت بلداً نفطياً، أو بلداً أوروبياً، هل كان العالم سيصمت كل هذا الوقت على ما يجري؟ هل كان الاطفال سيموتون هذه الميتة؟

الأنهم فقراء نتركهم يموتون؟

ثم ما هو موقفنا كعرب مما يحدث ؟

أليس من العار أن نرى الامم المتحدة تنفذ حملات اغاثية لأطفال الصومال بينما تلتزم الجامعة العربية بموقفها المعتاد الابدي المتمثل بصمت كصمت القبور؟

اين هو نبيل العربي، وزير خارجية الثورة السابق، عما يحدث قرب مصر؟

الصليب الأحمر البريطاني يقوم بتنظيم حملة وتلقي المساعدات من أجل إنقاذ الصومال بينما هلالنا الأحمر ليس له صوت أو حس أو تعليق. أعلم أن لدينا في الأردن فقراً متقعاً، وأعلم كذلك أن عندنا جوعاً كافراً، لكن المعادلة هي أنه إن لم نرسل المساعدات اليوم الى الصومال فإن الكثير الكثير من أهلنا هناك سيموتون.

هل تعلمون أن غزّة، نعم غزّة المنكوبة المحاصرة، بدأت قبل أيام بحملة جمع تبرعات؟ فهل نحن أكثر فقراً من غزة؟

أيها الأردنيون، أيها العالم، هنالك إخوة لنا يذبحون بسادية لا توصف، فماذا نحن فاعلون؟

لست أطلب أن يكون الأردن هو منقذ الصومال ولا ان يتبرع الأردنيون بال300 مليون دولار التي يحتاجها الصومال ليتخطى المجاعة، لكن ما أطلبه هو أن يكون لنا دور في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ذلك البلد العربي.

أرجوكم لا تجعلوا موت التسعة والعشرين الفا موتا عبثيا، لا تجعلوا من موتهم موتا بلا جدوى او طائل. يمكن أن نجعل من موتهم ذا جدوى إن قمنا بإنقاذ اشقائهم من ملاقاة ذات المصير. لن يكون موتهم سدى إن كان موتهم هو ما أيقظ ضمائرنا وأجبرنا على انقاذ ملايين البشر في الصومال
وما حولها.

فلنجعل من الضحايا شهداء.

تبرع الآن للصومال وأنقذ حياة طفل ما، أنقذ روحا ومستقبلاً، أنقذ عائلة، أنقذ مجتمعا من التفكك والدمار، أنقذ نفساً.

الصورة أعلاه من موقع Shutterstock.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية