سوريا كما رأيتها من الداخل خلال الأشهر القليلة الماضية

الأحد 21 آب 2011

بقلم كامل النابلسي

حاولت صراحة خلال الفترة الماضية أن أسمع واتابع ما يجري في سورية من الداخل، محاولا أن افهم ما يجري على الأرض، وأن لا أتسرع، إلا انني أشعر اننا وصلنا أكثر من أي وقت مضى إلى مفترق طرق من المهم أن نعيه، وان يكون لنا رؤية واضحة قبل التحرك والتسرع لأن أي موقف خاطئ سيكون له ثمن باهظ.

سأحاول أن أكون مختصرا قدر الإمكان، في عرض مجموعة من الأفكار الشخصية المتعلقة بالوضع في سوريا، وأدعي أنني قريب وسمعت شخصيا من جميع الأطراف خلال الأشهر الماضية، بالاضافة إلى أنني عملت في سوريا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فتشكلت لدي وجهة نظر، وجدت أن من المفيد ان أشاركها مع أصدقائي، ومنهم فاعلون على الأرض، رغم معرفتي انها قد لا تعجب عدد كبير منهم.

أولا: من المهم التسجيل أن عددا كبيرا من الأصدقاء والذين قابلتهم في سوريا كانوا مع الرئيس بشار الأسد في البدايات، وبنفس الوقت متعاطفين مع مطالب المتظاهرين. مع الرئيس لأنهم يعمل لصالح سورية وأنه خلال السنوات العشر الأخيرة حاول بجد في سبيل سورية، لكن في المقابل كان موقفهم أن النظام (كممارسات، وتشريعات وتوجهات وآليات عمل) يعمل ببطء، بل على العكس يخرب ما يعمله الرئيس.

إذاً كان هنالك حالة تفريق بين الرئيس والنظام، وإن كانت حالة التفريق هذه آخذه بالتقلص.

ثانيا: من الواضح أن النظام السوري كنظام حكم وإن كان الرئيس بشار الأسد يحكم إلا أنه قد ورث تركة كبيرة تحتوي على مجموعة من الأشخاص والجهات – من داخل النظام- التي تستهدف عمليات الأصلاح بل وتحاربها، وهي على ما يبدو عناصر فاعلة داخل منظومة الحزبية الحاكمة في سورية.

إذاً النظام في سورية ليس على قلب رجل واحد بل فيه عناصر ما زالت تشد البلد إلى الخلف حفاظا على مكتسبات تاريخية وجهات أخرى تؤمن بأهمية التغيير والإصلاح.

ثالثا: في مرحلة التغيير عادة ما يكون الوضع يحمل في طياته عناصر تناقض ظاهرة (وجهات نظر متعارضة وتوجهات مختلفة)، أكثر من أي مرحلة أخرى ، لهذا نرى ذلك واضحا من خلال ممارسات قد تبدو متناقضة في داخل النظام، فهو من جانب يحاول ويسعى باتجاه الإصلاح وتحقيق بعض الحريات، وفي الجانب الأخر هنالك -داخل النظام- من ما زال يمارس اساليب التعذيب واهدار كرامة الإنسان، والذي ينظر أن النظام و “الصالح العام” أهم من الأفراد وحقوقهم. والذي يحصل أن يكون هنالك حالات ” توريط” للنظام من أطرافه الداخلية المعارضة للإصلاح والتي اعتادت أن تحكم بأساليب أحادية غير مهتمة بالناس وكرامتها. والنظام لم يسع حتى الآن لاقتالعها بشكل جذري بل يتعامل معها بمنطق الجرعات المخففة لأن اقتلاعها هو كأنك تقتلع جزء من النظام.

إذاً التعامل مع هذه الجهات – وإن كان هنالك إيمان بضرورة اقتلاعها- إلا أنه هنالك بطئ في التعامل معها، بل ويغطي عليها في مراحل معينة، حفاظا على النظام ككل.

رابعا: اعتقد أن كان لدى النظام تقدير خاطئ لحجم ومدى واستمرارية التظاهرات، مما ادى إلى قصور في التعامل معها وعدم إدراك أهميتها وإلى أين يمكن ان تصل، وكان هنالك تصور –برأيي- أنها زوبعة في فنجان ممكن احتوائها داخليا، وذلك من خلال اليد الأمنية من جهة والدعوة للحوار، والارتكاز على محبة الناس للرئيس من جهة أخرى. وما منع وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية من أن تدخل للعمل في سورية إلا للاعتقاد أننا نستطيع أن نقلع وننظف دون آثار، وكأن شيء لم يكن. وهذا من أكبر الافتراضات الخاطئة.

إذاً كان هنالك تقديم معلومات ليست بالضرورة دقيقة، أو قادرة على استقراء ما سيحدث، وكان هنالك استخدام لمحبة الرئيس وخلق حالة تماهي بينه وبين النظام مما أضر بسمعته ونواياه.

خامسا: الوضع في سورية يختلف عن أي بلد عربي جرت فيه حالات إصلاح وتغيير مؤخرا، فنظام الحكم يمتلك مقومات الصمود، فهنالك جهاز عسكري، وحزبي، وحتى شعبي مازال ملتفاً حول النظام، ومقتنع بدوره التاريخي، وأن الذي يجري مؤامرة.

إذا الأمر ليس بالبساطة التي تم بها الانتقال في مصر أو حتى في تونس، بل الوضع في سورية ممكن أن يظل معلقاً لسنوات.

سادسا: من وجهة نظري يجب التفريق بين منطلقات المطالبات الإصلاحية وبين كيفية إدارتها والاستفادة منها، باعتقادي أن منطلقات المطالبات هي محقة وشرعية، مستمدة شرعيتها من الواقع الحقوقي وغياب الحريات الذي عانى منه الجزء الأكبر من الشعب، لكن سيكون من السذاجة بمكان أن نعتقد أن امريكا وإسرائيل لا تحاولان الاستفادة من ما يجري كمطالبات وتظاهرات إصلاحية وإدارتها للوجهة التي تعبر عن مصالحها.

اذاً أمريكا وإسرائيل ليستا من فجرت المطالبات، لكن بالتأكيد أنهما تحاولان أن تديرا الموقف لصالحهما. وإن الموقف أمريكي من ما يجري هو موقف سياسي وليس موقف أخلاقي وحقوقي، وإن كان موقفها السياسي يتجمل بالموقف الأخلاقي. وهو كذب.

سابعا :الإعلام جميعه سواء أكان مع أو ضد النظام، هو إعلام يخدم بنهاية الأمر مصالح أو على الأقل تفضيلات وميول محددة، لذا شخصيا لا أصدق الإعلام المرئي والمسموع، بل من المهم التواصل مع الناس والإستمرار بهذا التواصل، والانفتاح والاستماع لكل وجهات النظر المختلفة وأن نسمع بعقل وقلب منفتح، وأن لا نحكم، بل نشكل وجهة نظر ممكن جدا أن تتغير، فوجهة نظرنا مثل ملابسنا عرضة للتغيير والتبديل.

ثامنا: في السياسة كل شيء مباح وكل شيء ممكن- طبعا شخصيا أختلف تماما مع هذا الطرح- لكن أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، يجعلنا ندرك أنه يمكن في لحظة معينة اللعب بأوراق يمكن أن تؤدي إلى إرباك الوضع في كل المنطقة، لكن الناس هم من سيتحمل عواقبه ، كوضع اللاجئين الفلسطينين في سورية، والذي يمكن أن يتحول إلى وضع كارثي للشعب الفلسطيني في كل المنطقة.

إذا الوضع الفلسطيني خط احمر من المهم أن لا ينجر الفلسطينيون اللاجئون في سورية للتدخل في الوضع على الأرض، بوصفهم فلسطينيين، بل يجب الوعي بنتائج وعواقب هذا الأمر على كل المخيمات، وبصراحة الناس مش ناقصة، أي شخص إن كان فلسطيني أو غير فلسطيني حر في أن يتخذ القرار الذي يتخذه، لكن ليكون على قاعدة أخلاقية وحقوقية وليس على قاعدة أن جنسيته فلسطينية أو تركية أو أردنية.

تاسعا: الوضع الآن مقبل على مرحلة مختلفة تحمل في طياتها بذور تدخل خارجي متعدد الأوجه اقتصاديا وعسكريا، وإن كان ممكن ان يكون غير مباشر. من المهم أن ندرك أن الذي يجري في سوريا هو مخاض لما سيأتي، من المهم أن يتم بقاؤه داخليا بحيث تكون الولادة طبيعية، وإن أخذت وقتا أطول، وأن لا يتحول الانتقال الى ولادة قيصرية مشوهة قد تحمل في طياتها مخاطر كبيرة على كل الأطراف، ولن يستفيد منها أحد.

ختاما: أرى من الحكمة أن نأخذ كل هذه العوامل السابقة وعوامل اخرى بعين الإعتبار عند التوصل لوجهة نظر وان لا تكون وجهة نظرنا أحادية، تأخذ بعدا واحدا، أو قطعية لا تحمل التغيير.

*الصورة أعلاه بعدسة ليث مجالي

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية