بقلم محمد شجاع الأسد* (ترجمة: طريق)
كثر الحديث مؤخراً عن مشروع خط الباصات السريعة في عمان. ولكن أغلب ما يقال عن الموضوع وللأسف سلبي. ولذلك تحتوي الصحف المحلية على الكثير من المقالات المنتقدة للمشروع. وبالإضافة إلى ذلك، تم مؤخرا تشكيل لجنة حكومية لإعادة تقييم المشروع، مع أنه كان ينبغي أن يتم مثل هذا التقييم في مرحلة مبكرة، قبل البدء بتنفيذه. ويبدو حسب العديد من المقالات الصحفية التي نشرت في الفترة الأخيرة أن هناك تفكيراً بإلغاء المشروع برمته.
إن فكرة خط الباصات السريعة تعتمد على تخصيص مسارب لحركة باصات النقل العام، ويحظر على المركبات الأخرى استخدام هذه المسارب. وبذلك يمكن نقل أعداد كبيرة من الناس من خلال هذه المسارب بسرعة وسهولة. ويمكن أن تصل سعة النقل لكل مسرب حوالي 40,000 راكب في الساعة في كل اتجاه، بينما لا تتجاوز سعة النقل في المسارب التقليدية التي تستخدمها السيارات والحافلات والمركبات الأخرى الـ 3,250 راكباً. ويضاف إلى ذلك أن حادث مرور أو سيارة واحدة مصطفة بشكل غير قانوني يمكن أن توقف حركة المرور في الشارع توقفاً كاملاً. وللأسف، فإن مثل هذه الأمور كثيرة الشيوع في عمَان. أما في المسارب المخصصة للباصات السريعة، فتكاد تكون مثل هذه العوائق معدومة. وبالإضافة الى ذلك، فان تكلفة بناء خطوط الباصات السريعة مقبولة جداً، وقد لا تتجاوز 5% من تكلفة بناء نظام نقل يعتمد على السكك الحديدية مثلاً. أضف إلى ذلك أن استهلاك الطاقة وكمية الانبعاثات الكلية الناجمة عن النقل بالباصات أقل من تلك الناتجة عن النقل بالسيارات العادية.
لذلك تُوفر أنظمة خطوط الباصات السريعة وسيلة عالية الكفاءة والفعالية من حيث التكلفة وسرعة النقل. وهنا، أود أن أذكر حلقة من برنامج تلفزيوني يتم اعداده في الخليج كانت زميلة لي قد جلبت انتباهي إليها مؤخراً. من المثير للاهتمام أن الحلقة كانت عن مزايا خطوط الباصات السريعة. في هذه الحلقة، سافر مقدم البرنامج الى اسطنبول واستخدم الباص السريع للتنقل من مكان إلى الآخر، بينما استخدم زميل له سيارة خاصة للقيام بالرحلة نفسها .وانطلق الاثنان في الوقت ذاته ولكن مقدم البرنامج وصل إلى وجهته بعد نحو ساعة بينما وصل زميله بعد أكثر من ثلاث ساعات! وقد كنت قد مررت بتجربة مماثلة عندما زرت اسطنبول سنة 2009، إذ ما زلت أتذكر بوضوح أزمة السير الخانقة التي علقت فيها بينما كانت باصات الخط السريع تمر في المسرب المجاور لي بسرعة فائقة وبدون أي عوائق.
وبالرغم من المزايا الواضحة لخط الباصات السريعة إلا أن الشكاوي ضد تنفيذه في عمَان كثيرة ومنتشرة. والشكوى الأكثر شيوعاً التي أسمعها هي أن خط الباصات السريعة “يأخذ مني مسارب مخصصة لسير سيارتي.” نعم، إن خط الباص السريع يأخذ مسارب تستعملها السيارات الخاصة، ولكنه يخصصها لباصات النقل العام. وما يفشل الكثيرون في فهمه هو أنه للشوارع قدرة استيعابية قصوى للمركبات. ومع أنه يمكن الوصول إلى هذه القدرة الاستعابية القصوى من خلال تحسين مستوى سلوكيات السائقين ومنع الاصطفاف غير القانوني للسيارات، ولكن ليس هناك الكثير الذي يمكن القيام به عند الوصول إلى تلك القدرة الاستيعابية القصوى. وبما أن سعة خط الباصات السريعة قد تتجاوز عشرة أضعاف سعة المسرب التقليدي، فالخيار بين الاثنين واضح.
إنني لا أعرف الكثير عن تفاصيل مشروع خط الباصات السريعة في عمان، ولا أدري إذا كانت هناك عيوب في تصميمه أو إذا كانت تكاليفه أكثر مما ينبغي. ولكن ما أعرفه هو أن تخصيص مسارب للنقل العام في عمان يعتبر في حد ذاته منجزاً مهماً للغاية ويجب عدم التقليل من شأنه. وتخصيص هذه المسارب خطوة أولى أساسية نحو تطوير نظام نقل عام بجودة عالية في المدينة. وينبغي التوسع في تخصيص هذه المسارب بحيث تخدم عمان بأكملها. وستكون إزالة هذه المسارب خطأ فادحاً بحق هذه المدينة.
إن نوعية الحياة في أي مدينة تعتمد اعتماداً كبيراً على القدرة على التحرك بسهولة فيها. وهذا بدوره يعتمد على جودة نظام النقل العام فيها. وللأسف، فإن نظام النقل العام في عمان سيّء جداً. والحياة في عمان بدون سيارة خاصة أمر صعب للغاية. ويبدو أن البعض ينسى أن الكثير من سكان المدينة ليست لديهم القدرة المالية على تملك سيارة أو استخدام تكسي، الذي هو في الأساس سيارة خاصة تُستأجر مع سائقها. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من السكان لا يستطيعون القيادة بسبب صغر سنهم أو كبره. وهذا يعني أن إمكانية وصولهم إلى أماكن مختلفة من المدينة محدودة للغاية، وهذا ينطبق على أماكن العمل وأماكن الدراسة والمرافق الطبية والمحلات التجارية وأماكن الترفيه. إن توفر وسائل نقل جيدة بأسعار معقولة هو حق أساسي للمواطن لا يقل أهمية عن حقه في الغذاء والكساء والمأوى والتعليم والصحة. وحرمان المواطن من هذا الحق في جوهره هو شكل من أشكال التمييز التي تعزز من الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بين السكان.
إننا نسمع الكثير هذه الأيام ومن جميع الأطراف عن الحاجة الملحة للإصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن. هناك العديد من الأمور التي تحتاج إلى الإصلاح، منها الوضع العام للتنقل والسير. فبالإضافة إلى معاناة الكثيرين من الوصول إلى الأماكن التي يقصدونها، يجب أن لا ننسى أيضاً الوقت الثمين والطاقة التي تضيع بسبب الازدحامات المرورية والتأثير السلبي لهذا الهدر من الوقت والطاقة على الاقتصاد والبيئة، أضف إلى ذلك الحصيلة البشرية المأساوية والتكاليف الاقتصادية الهائلة الناجمة عن حوادث المرور. إن مشروعاً إصلاحياً يعالج التنقل والسيريحتاج إلى ضمان التطبيق الحازم لتعليمات مرور السيارات واصطفافها على الجميع، ويحتاج أيضاً إلى منع السائقين من استخدام الشوارع وكأنها مجرى خاص بهم لسباق السيارات، وإلى الشد على الجميع لاحترام الغير والتمهل عند القيادة، وإلى تسهيل حركة المشاة، وأيضأً إلى توفير وسائل نقل عامة لائقة. إن مثل هذا المشروع يشكل تحدياً كبيراً، ولكن يمكن تحقيقه، وستكون آثاره الاقتصادية والانسانية الإيجابية على حياة الجميع هائلة. ولكن إذا لم نتمكن من تحقيق هذا المشروع، فسيصعب تحقيق أجندات الإصلاح الأكثر طموحاً.
*الدكتور محمد الأسد مهندس معماري ومؤرخ، وهو مؤسس مركز دراسات البيئة المبنية.
ملاحظة بسيطة لكي لا يحدث سوء فهم لمبدأ المشروع. هو الباص “سريع التردد” بمعنى أن الراكب لا يضطر للانتظار طويلاً عند أي محطة حتى وصول الباص التالي وليس “سريع” بمعنى أنه يسير بسرعة. أعتقد أن سرعة التردد التي تحدث عنها المسؤولون عن المشروع هي أنه يصل باص للمحطة كل دقيقة ونصف أو 3 دقائق لست متأكداً أيهما الصحيح.
إن المصطلحين “سريع” و “سريع
التردد” صحيحان. إن إعاقات السير في المسارب المخصصة لهذه الباصات تكاد تكون
معدومة وبذلك يمكنها المرور بسرعات عالية نسبية. وهذا النظام أيضاً “سريع
التردد” كما تفضلت، ويمكن التحكم بسرعة التردد حسب الحاجة. فمثلاً تصل سرعة
تردد باصات الخط السريع في مدينة بوغوتا إلى 13 ثانية في أوقات الإزدحام، بينما
يزيد الفاصل الزمني بين الباص والذي يليه في الأوقات الأخرى إلى فترات قد تصل إلى 10 دقائق.
محمد الأسد
أرجو ملاحظة ما كتب في المقال من أن للباص مسارب خاصة لا تسير فيها السيارات الأخرى وهذا غير صحيح نهائيا في حالة المشروع الحالي حيث يتشارك الباص السريع والسيارات مناطق عديدة جدا مثل المنطقة من مسجد الجامعة وحتى جسر الجامعة الاردنية ونفق الصحافة ودوار المدينو وغيرها كثير مما ينسف فكرة نجاح المشروع من الاساس ولذا إقتضى التنويه
هذا غير صحيح، فالذي تراه هو فقط جزء من 30 كم من المسارب التي يجب انشاؤها قبل تسيير الباص. ولكن اكيد من غير الممكن ان تكون اعمال البنية التحتية على جميع المسارات خلال فترة واحدة
يبدو أن الدكتور محمد الأسد لم يشاهد المشروع على أرض الواقع ولذلك جاء مقاله نظريا بحتا. ليتك يا دكتور تزور الموقع بنفسك لتكون شاهدا على حجم الدمار الذي أصاب أحد أهم وأجمل شوارع العاصمة
ما طبيعة الدمار أخ محمد؟
طبيعة الدمار يا أخت ساندرا هي أن الشارع أصبح مملوءا بالحفر بحيث يحتاج لسيارة دفع رباعي كي تسير عليه، وأنه أصبح مظلما دون إنارة في الوسط، وأن مداخل المحلات والبنوك والمنازل باتت غير صالحة للاستخدام، ناهيك عن التلوث البصري لبشاعة المشهد الذي نضطر لمشاهدته ليل نهار..طبعا هذه الأمور كلها لا بد أن تحدث في سبيل إنجاز المشروع. لكن المشروع متوقف منذ شهور طويلة ويبدو أنه لن يكتمل ولن يستمر أصلا، ولا عزاء لمن يضطر للقيادة في هذا الشارع
مع اﻷسف. مشروع جديد يوضع على الرف و فشل جديد في رفع سوية التحضر في عمان.
مبدأ باصات التردد السريع هو مبدأ ومشروع ممتاز ولكن كشأن معظم المشاريع في الأردن ، المشكلة في التنفيذ. المقالة تتحدث عن الفكرة والفكرة ليست محل النقاش، الفشل كله يكمن في التنفيذ.
شكرا للدكتور
الاسد على هذه المقالة الرائعة والتي تثبت مرة اخرى ان هذا المشروع اخذ ابعاد سياسية
اكثر منها تخطيطية او تنفيذية.
فالفكرة بسيطة
ولا تحتاج الى كل هذه المهاترات التي شهدتها وسائل الاعلام، ولكن ربما
التوقيت الحالي والاوضاع التي تشهدها المنطقة اسهمت بشكل كبير على خلق مناخ مناسب
لكسب الشعبية على حساب مشاريع ومؤسسات واشخاص وبالمقابل زعزعة الثقة بالقطاع العام
كاملا.
ومن الجدير
بالذكر ان التأخير بالمشروع حدث نتيجة توصية مباشرة من لجنة نيابية ومن ثم من
الحكومة، ومع ذلك يلوم الناس امانة عمان على هذا التأخير بينما كانت طرحت بالفعل
او كانت في المراحل النهائية للطرح لعدة اجزاء، اهمها عطاء الارصفة وتعبيد شارع
الملكة رانيا العبدالله بمحاذاة مسارب الباص السريع المنفذة!
اتمنى ولو لمرة
واحدة ان نستطيع كبلد ومجتمع ومواطنين ان نناقش طرحا او مشكلة ما بصورة موضوعية
بدل ان نخلط الحابل بالنابل. فيا حبذا ان نقول ان مشروع الباص السريع فيه مشكلة
مثلا وان نبين المشكلة وايضا نطرح حلا او بديلا. فهكذا يتقدم المشروع وليس فقط
بنعته بالفاشل كما حصل في هذه الحالة.
وبالنهاية من
الممكن تجنب الخطأ بسهولة….بتجنب اخذ اية قرار او القيام باي عمل!
مشروع الباص السريع ” لو تم إنجازه ” .. راح يكون أكبر إنجاز في تاريخ الأمانة
بس للأسف الأمانة و الحكومة كلها بشكل عام غارقييييين في الفساد و المحسوبية
وطول ما في شفافية و ناس بتخاف الله مش راح يتم لا هاذ المشروع ولا أي مشروع ثاني
مع إنه لازم يتم وبشدة في أسرع وقت … قبل ما يصير سكان عمان 5 ملايين وما نعرف شو نعمل ..
Some comments suggest that people are only criticizing the project for the sake of criticizing, but most people I see discussing the project put forth valid concerns. If the project is truly well planned, and it’s only being delayed because of the people’s complaints, a spokesperson for the project could easily clarify how the bus lane will eventually work. Some concerns include: will passengers have to cross a dangerous, busy street to get to the bus lane (which defeats the purpose of helping teenagers and the elderly use public transportation)? Many drivers almost crash into the bus lane because it starts in the middle of the street with no warning (2 car lanes suddenly merge into one), will the setup still be like that in the final version of the project? How much time is needed to finish the project?
المقال مهم ويعبر عما أفكر به أيضاً…أن مبدأ إنشاء باص سريع الترددد وتأسيس نظام مواصلات فعال في عمّان لا يجب أن يكون محط تساؤل …ولو حصل فساد أو أي شيء آخر لا يعني بأي شكل من الأشكال وقف المشروع…أتمنى أن يستمر المشروع لأنه مصلحة وطنية…ولو فكروا به بعد خمس أو 10 سنوات ستكون التكلفة أعلى وأصعب