إنقاذ خط الباصات السريعة في عمان

الأحد 11 أيلول 2011

بقلم محمد شجاع الأسد* (ترجمة: طريق)

كثر الحديث مؤخراً عن مشروع خط الباصات السريعة في عمان. ولكن أغلب ما يقال عن الموضوع وللأسف سلبي. ولذلك تحتوي الصحف المحلية على الكثير من المقالات المنتقدة للمشروع. وبالإضافة إلى ذلك، تم مؤخرا تشكيل لجنة حكومية لإعادة تقييم المشروع، مع أنه كان ينبغي أن يتم مثل هذا التقييم في مرحلة مبكرة، قبل البدء بتنفيذه. ويبدو حسب العديد من المقالات الصحفية التي نشرت في الفترة الأخيرة أن هناك تفكيراً بإلغاء المشروع برمته.

إن فكرة خط الباصات السريعة تعتمد على تخصيص مسارب لحركة باصات النقل العام، ويحظر على المركبات الأخرى استخدام هذه المسارب. وبذلك يمكن نقل أعداد كبيرة من الناس من خلال هذه المسارب بسرعة وسهولة. ويمكن أن تصل سعة النقل لكل مسرب حوالي 40,000 راكب في الساعة في كل اتجاه، بينما لا تتجاوز سعة النقل في المسارب التقليدية التي تستخدمها السيارات والحافلات والمركبات الأخرى الـ 3,250 راكباً. ويضاف إلى ذلك أن حادث مرور أو سيارة واحدة مصطفة بشكل غير قانوني يمكن أن توقف حركة المرور في الشارع توقفاً كاملاً. وللأسف، فإن مثل هذه الأمور كثيرة الشيوع في عمَان. أما في المسارب المخصصة للباصات السريعة، فتكاد تكون مثل هذه العوائق معدومة. وبالإضافة الى ذلك، فان تكلفة بناء خطوط الباصات السريعة مقبولة جداً، وقد لا تتجاوز 5% من تكلفة بناء نظام نقل يعتمد على السكك الحديدية مثلاً. أضف إلى ذلك أن استهلاك الطاقة وكمية الانبعاثات الكلية الناجمة عن النقل بالباصات أقل من تلك الناتجة عن النقل بالسيارات العادية.

لذلك تُوفر أنظمة خطوط الباصات السريعة وسيلة عالية الكفاءة والفعالية من حيث التكلفة وسرعة النقل. وهنا، أود أن أذكر حلقة من برنامج تلفزيوني يتم اعداده في الخليج كانت زميلة لي قد جلبت انتباهي إليها مؤخراً. من المثير للاهتمام أن الحلقة كانت عن مزايا خطوط الباصات السريعة. في هذه الحلقة، سافر مقدم البرنامج الى اسطنبول واستخدم الباص السريع للتنقل من مكان إلى الآخر، بينما استخدم زميل له سيارة خاصة للقيام بالرحلة نفسها .وانطلق الاثنان في الوقت ذاته ولكن مقدم البرنامج وصل إلى وجهته بعد نحو ساعة بينما وصل زميله بعد أكثر من ثلاث ساعات! وقد كنت قد مررت بتجربة مماثلة عندما زرت اسطنبول سنة 2009، إذ ما زلت أتذكر بوضوح أزمة السير الخانقة التي علقت فيها بينما كانت باصات الخط السريع تمر في المسرب المجاور لي بسرعة فائقة وبدون أي عوائق.

وبالرغم من المزايا الواضحة لخط الباصات السريعة إلا أن الشكاوي ضد تنفيذه في عمَان كثيرة ومنتشرة. والشكوى الأكثر شيوعاً التي أسمعها هي أن خط الباصات السريعة “يأخذ مني مسارب مخصصة لسير سيارتي.” نعم، إن خط الباص السريع يأخذ مسارب تستعملها السيارات الخاصة، ولكنه يخصصها لباصات النقل العام. وما يفشل الكثيرون في فهمه هو أنه للشوارع قدرة استيعابية قصوى للمركبات. ومع أنه يمكن الوصول إلى هذه القدرة الاستعابية القصوى من خلال تحسين مستوى سلوكيات السائقين ومنع الاصطفاف غير القانوني للسيارات، ولكن ليس هناك الكثير الذي يمكن القيام به عند الوصول إلى تلك القدرة الاستيعابية القصوى. وبما أن سعة خط الباصات السريعة قد تتجاوز عشرة أضعاف سعة المسرب التقليدي، فالخيار بين الاثنين واضح.

إنني لا أعرف الكثير عن تفاصيل مشروع خط الباصات السريعة في عمان، ولا أدري إذا كانت هناك عيوب في تصميمه أو إذا كانت تكاليفه أكثر مما ينبغي. ولكن ما أعرفه هو أن تخصيص مسارب للنقل العام في عمان يعتبر في حد ذاته منجزاً مهماً للغاية ويجب عدم التقليل من شأنه. وتخصيص هذه المسارب خطوة أولى أساسية نحو تطوير نظام نقل عام بجودة عالية في المدينة. وينبغي التوسع في تخصيص هذه المسارب بحيث تخدم عمان بأكملها. وستكون إزالة هذه المسارب خطأ فادحاً بحق هذه المدينة.

إن نوعية الحياة في أي مدينة تعتمد اعتماداً كبيراً على القدرة على التحرك بسهولة فيها. وهذا بدوره يعتمد على جودة نظام النقل العام فيها. وللأسف، فإن نظام النقل العام في عمان سيّء جداً. والحياة في عمان بدون سيارة خاصة أمر صعب للغاية. ويبدو أن البعض ينسى أن الكثير من سكان المدينة ليست لديهم القدرة المالية على تملك سيارة أو استخدام تكسي، الذي هو في الأساس سيارة خاصة تُستأجر مع سائقها. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من السكان لا يستطيعون القيادة بسبب صغر سنهم أو كبره. وهذا يعني أن إمكانية وصولهم إلى أماكن مختلفة من المدينة محدودة للغاية، وهذا ينطبق على أماكن العمل وأماكن الدراسة والمرافق الطبية والمحلات التجارية وأماكن الترفيه. إن توفر وسائل نقل جيدة بأسعار معقولة هو حق أساسي للمواطن لا يقل أهمية عن حقه في الغذاء والكساء والمأوى والتعليم والصحة. وحرمان المواطن من هذا الحق في جوهره هو شكل من أشكال التمييز التي تعزز من الفروقات الاجتماعية والاقتصادية بين السكان.

إننا نسمع الكثير هذه الأيام ومن جميع الأطراف عن الحاجة الملحة للإصلاح السياسي والاقتصادي في الأردن. هناك العديد من الأمور التي تحتاج إلى الإصلاح، منها الوضع العام للتنقل والسير. فبالإضافة إلى معاناة الكثيرين من الوصول إلى الأماكن التي يقصدونها، يجب أن لا ننسى أيضاً الوقت الثمين والطاقة التي تضيع بسبب الازدحامات المرورية والتأثير السلبي لهذا الهدر من الوقت والطاقة على الاقتصاد والبيئة، أضف إلى ذلك الحصيلة البشرية المأساوية والتكاليف الاقتصادية الهائلة الناجمة عن حوادث المرور. إن مشروعاً إصلاحياً يعالج التنقل والسيريحتاج إلى ضمان التطبيق الحازم لتعليمات مرور السيارات واصطفافها على الجميع، ويحتاج أيضاً إلى منع السائقين من استخدام الشوارع وكأنها مجرى خاص بهم لسباق السيارات، وإلى الشد على الجميع لاحترام الغير والتمهل عند القيادة، وإلى تسهيل حركة المشاة، وأيضأً إلى توفير وسائل نقل عامة لائقة. إن مثل هذا المشروع يشكل تحدياً كبيراً، ولكن يمكن تحقيقه، وستكون آثاره الاقتصادية والانسانية الإيجابية على حياة الجميع هائلة. ولكن إذا لم نتمكن من تحقيق هذا المشروع، فسيصعب تحقيق أجندات الإصلاح الأكثر طموحاً.

*الدكتور محمد الأسد مهندس معماري ومؤرخ، وهو مؤسس مركز دراسات البيئة المبنية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية