المواقع الإخبارية والترجمة المبتورة لبرقيات ويكيليكس

الأحد 02 تشرين الأول 2011

بقلم لينا شنك

هل يجهل “صوت الأغلبية الصامتة” الفرق بين تشكيل لجنة مهمتها “البدء بتجنيس أبناء الضفة الغربية” وأخرى مهمتها النظر في الحالات “المهددة بسحب الجنسية الأردنية”؟ هل يجهل الموقع الذي يتباهي بأنه ينفرد بالتسريبات من داخل أروقة الوزارات الفرق بين معنى القول بأن المساواة في الحقوق يجب أن تدخل “حيز التنفيذ” وبين الوقع الذي تحدثه اضافة كلمة “بالقوة” على فرض الحقوق المتساوية؟

الأهم من ذلك، هل تعد هذه الفروق بلا أي أهمية بالنسبة لمواقع اخبارية تعرف حق المعرفة “أزمة الهوية” التي تعاني منها البلاد بدليل كم التعليقات الغاضبة التي يتعاملون معها وألا تعرف أن أي تلاعب بالكلمات من شأنه أن يعمق شرخاً متنامياً؟

في مقدمة التقرير الذي أعده الدكتور عامر السبايلة حول ملخص تسريبات ويكيليكس المتعلقة “بالهوية والمحاصصة وحق العودة“، والتي اصطلح على تسميتها بـالجملة بـ”الصفقة الكبرى” في المواقع التي تناقلت أجزاءا بانتقائية واضحة، عبًر المترجم عن “شكره للسفارة الأميركية” لأنها كشفت له وللأردنيين ما يحاك خلف ظهورهم من مؤامرات، ونقلت عنه أهم المواقع الالكترونية الترجمة الانتقائية ذاتها.

في الوثيقة الأصلية، لم يأت على لسان مدير مركز القدس للدراسات السياسية عريب الرنتاوي أنه طلب استخدام القوة في فرض الحقوق المتساوية، ولكن الترجمة الني تناقلتها المواقع الالكترونية والتي بنى عليها العديد من الكتاب مواقفهم وهم يتسابقون للرد على الرنتاوي أضافت كلمة بـ”القوة”، مما جعل العديد من الكتاب يكتب مستفسرا من الرنتاوي عن “طبيعة القوة التي يريد فرضها على الأردن”.

كما أن الوثيقة الأصلية لم تكتف فقط بمقابلة الشخصيات الأردنية من أصل فلسطيني وسؤالها عن “معنى حق العودة”، فقد التقى كاتب البرقية بالعديد من الشخصيات من طرفي “المعادلة الديمغرافية” وأورد آراءا لا تقل صراحة عن غيرها، فلم يخجل النائب مجحم الخريشا من القول بصراحة أنه “يدعم حق العودة بقوة حتى يخرج الفلسطينيون من الأردن”! كما أضاف السياسي طلال الضامن قائلا بأن عدم ممارسة حق العودة يعني أن “الأردن سيضطر لمواجهة تحديات سياسية تواجهها دولة غير متحدة ديمغرافيا”، ويعول الضامن على “رحيل جماعي” للفلسطينيين من الأردن حتى يفسح المجال أمام “الشرق أردنيين للدخول إلى عالم البزنس”. ووجد كاتب البرقية بأن “هذا الشعور يجد صدى أيضا في أوساط طلبة جامعات يعرفون أنفسهم بأنهم أردنيون أنقياء ويقولون بأن الفرص تقل نظرا لوجود عدد كبير من الفلسطينيين”. بيد أن مترجم البرقية لم يجد في ذلك ما يستحق النقل والترجمة واكتفى بنقل حيثيات “الفضيحة الكبرى”.

في الوثيقة الأصلية، قسم الفلسطينيون إلى معسكرين، حيث يتظاهر الفريق الأول بأنهم يريدون حق العودة ولكنهم يعترفون خلف الأبواب المغلقة بأن الأمر مستحيل من الناحية اللوجستية والسياسية، بينما يتمسك الفريق الآخر بحق العودة وهو اتجاه يظهر بين أوساط الفلسطينيين الذين يعيشون في فقر مدقع في المخيمات. أما في “الفضيحة الكبرى”، فإن ما نقل، وان ذكر الوضع الخاص للمخيمات، يركز على صفقة تقضي بدمج الأردنيين من أصل فلسطيني في النظام السياسي الأردني مقابل تخليهم عن حق العودة. على الرغم من أن هذه الفكرة كانت واحدة من الأفكار التي طرحت في الوثيقة ولكنها لا تنقل الصورة كاملة.

كما أغفل المترجم نفسه، والذي تثق به مواقع الكترونية لها جمهورها الواسع من الأردنيين، ذكر التحول في الموقف الرسمي للدولة الأردنية والذي جاء ذكره في الوثيقة الأصلية، فقد ذكر كاتب البرقية أن الموقف الرسمي للدولة بدأ يتغير في الآونة الأخيرة، حيث أن الأردن ما يزال يتحدث عن تمسكه بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين ولكنه بدأ يركز على “التعويض للفرد الفلسطيني وللدولة الأردنية” بدليل أن نواف التل أكد للمصدر بأن الحكومة الأردنية تعد دراسات دورية عن مقدار التعويض الذي تتوقع أن تحصل عليه ومن المتوقع أن يتم تحديث المبلغ.

وجاء في البرقية التي تناولت قضية سحب الجنسيات وتبعاتها على الأردن وفلسطين شرحا يبين خلفية القضية وقرار فك الارتباط، وجاء فيها أن وزير الداخلية الأسبق ومجموعة من الأردنيين-الفلسطينيين التقوا بالملك وحاولوا أن يوقفوا هذه الممارسات الحكومية. بغض النظر عن السجال الذي يدور حول منح الجنسيات وسحبها، فإن القضية المثارة واضحة وتتحدث عن “خوف من سحب جنسيات” وليس “طلب تجنيس أبناء الضفة الغربية” وهناك فرق بين الحالتين خصوصا في ظل الجدل المحتدم الذي يطل علينا في مواسم خاصة.

المفارقة أن بعض المواقع مثل عمون وخبرني لم تكتف بغض البصر عن الفرق بين الحالتين وحسب، بل أنها تحدثت عن الحالتين معا في التقرير الذي نشر، حيث ذكر في مقدمة التقرير أن هناك لجنة شكلت بهدف “تجنيس أبناء الضفة الغربية”، بينما جاء في نص التقرير تفسير آخر يضع موضوع اللجنة في السياق الذي جاءت فيه في الوثيقة ويشرح بأنها جاءت على اثر حديث الدجاني للملك حول قضية سحب الجنسيات، فمن يقرأ الملخص ويمضي يشكل فكرة معينة ومن يقرأ التقرير كاملا يحتار في مهنية اعلام لا يخجل من نصب نفسه كـ”مصدر موثوق” للأردنيين.

أحد محرري موقع اخباري معروف لم يخجل من الاعتراف بأن الموقع الذي يديره ينتقي جزءا من الخبر ليضع عنوانا لا يليق بالمضمون، فإذا جاءت نتيجة استطلاع تفيد بأن 51.4 % من الأردنيين يعتقدون بأن الاحتجاجات الشعبية تؤدي إلى دمقرطة النظام السياسي ورأى 44.7 % من المستطلعة آراؤهم أنها ستؤدي إلى فتنة، يكون من المقبول لدى الموقع أن يختار النسبة الأدنى وزجها في العنوان، ففي هذه الحالة يكون “الانسان هو الذي عض الكلب” بحسب تبرير الصحافي المسؤول ولا يعتبر ذلك مساهمة في احداث الفتنة ذاتها التي يتحدث عنها الاستطلاع بتاتا بل هي من أساليب الفنون الصحفية!

مع التحفظ على التفسير الذي قدمه الصحفي المذكور لمبدأ “الانسان الذي عض الكلب”، الا أنه وفي بلد يعاني ما نعانيه من جدل دائم حول الهوية الوطنية، لا يعقل أن يغير الاعلام في حقيقة القصة وفي الوقائع ليخلق انسانا مفترضا يعض الكلب ويصنع منها قصة لا تحمد عقباها كما شهدنا في الأيام الماضية!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية