هل الأردن دولة ريعية أو شبه ريعية؟ – تهافت المفهوم

الأربعاء 14 كانون الأول 2011

الحراك النشط الذي يشهده الاردن منذ سنوات يظهر ان مفهوم “الدولة الريعية” أو “شبه الريعية” مفهوم متهافت غير صالح لتفسير الدولة والمجتمع في الأردن، أو على الأقل مفهوم صار يحتاج للكثير من المراجعة بعد ان اصبح النطق فيه يصل حد البداهة.

ما هو الريع؟

ظهر مفهوم الريع في الفكر الاقتصادي في كتابات الايرلندي جيمس اندرسون نهايات القرن السابع عشر، وقد اطلق كارل ماركس على اندرسون لقب “المزارع المحترم” في جداله للمفكر الاقتصادي دافيد ريكاردو حول “الريع”.

الريع هو ببساطة المبلغ الذي يحصل عليه مالك الأرض من عملية تأجير ارضه. اي هو دخل غير مكتسب، لا يأتي او لا يستند الى شرعية العمل، انما من ملكية الارض فقط.

لكن هذه النظرية التي وضعها مؤسسو علم الاقتصاد لتفسير ظاهرة خاصة وهي دخل مالك الارض أو العقار اتسعت وتطورت لتشمل امورا اخرى.

في عام 1970 صاغ المفكر الايراني حسين مهدواي، استنادا الى ذلك مفهوم “الدولة الريعية”، وكان قصده تحليل بنية الدولة والمجتمع في ايران وتفسير عدم قيام “ثورة” او خضوع الايرانيين لحكم الشاه الديكتاتوري.

لاحقا ستسقط الثورة الايرانية مفهوم “الدولة الريعية”، كما سوف تسقطه الثورات العربية والحراك الممتد على كل الارض العربية.

استنادا الى الدكتور محمد عبيد غباش فقد عرف مهداوي الدول الريعية على أنها دول تتلقى موارد كبيرة من الريع الخارجي بشكل منتظم. الريع الخارجي بدوره يُعرّف كريع يتم دفعه من أفراد أو شركات أو حكومات أجنبية إلى أفراد أو شركات أو حكومات البلد المعني. يرى مهداوي أن دفع رسوم المرور في قناة السويس يمثل ريعاً خارجيا، كذلك الأمر مع دفع رسوم بناء واستخدام أنابيب النفط المارَّة في أراضي البلدان المعنية. والأهم أن مهداوي يعتبر العائدات النفطية المحصلة من طرف الدول المصدرة للنفط ريعاً خارجياً أيضاً.

ويتابع غباش، والظاهرة التي تسترعي انتباه مهداوي في تطبيقه لمفهومه هي أن “الإسهام الأساسي لقطاع النفط يكمن في تمكين حكومات البلدان المصدّرة للنفط من الإقدام على برامج إنفاق عام كبيرة دون الحاجة لفرض الضرائب، ودون الوقوع في عجز في ميزان المدفوعات أو مصاعب تضخمية، وهو ما تعاني منه الدول النامية الأخرى. هذا لا ينتج بالضرورة نظاماً اشتراكياً لكن يمكن له أن يتحول إلى ما يمكن اعتباره دولانية محظوظة: إذ تصبح الحكومة عاملاً مهماً بل وحاسماً في الاقتصاد”.

والحال هذه فإن الدولة الريعية هي التي ستقوم باعادة توزيع هذا الريع غير المكتسب من العمل، والناتج فقط عن تأجيرها لما تملك من أراض وثروات على المواطنيين بشكل انفاق عام مبالغ، او كما يصفه مفكر عربي “رشوة” وصولا الى تحقيق ما يعرف بدولة الرفاه.

وبعبارة اخرى فان المواطنيين الذين يتلقون هذه “الرشوة” على شكل رواتب وخدمات وامتيازات بدون ان يقوموا باي عمل او بعمل غير مكافئ، ولا يدفعون اي ضرائب حقيقية للدولة سوف لا يطالبون بحقوقهم في المشاركة السياسية، وعليه فان السلطة في هذه الدول تكتسب شرعيتها من خلال عملية اعادة توزيع الريع هذه، طالما ان الشرعية هذه بحسب تعريف ماكس فيبر: “علاقة قيادة وطاعة بحيث إن الذين يخضعون للقيادة ينفذون تعاليمها دون الالتفات إلى مضمونها”.

هل الاردن دولة ريعية او شبه ريعية؟

يسود اعتقاد بان الاردن دولة “ريعية” او “شبه ريعية” بسبب استفادتها مثل بعض الدول العربية الاخرى من وجودها في المنطقة التي تدفقت عليها عوائد النفط بشكل او آخر، او بسبب كونها تتلقى مساعدات خارجية لقاء موقعها الجيوسياسي او دورها “الوظيفي”، لكن الى هل يصلح مفهوم الدولة الريعية أو شبه الريعية في تفسير حال الاردن الاقتصادي أو في تفسير “خضوع” الاردنيين او عدم “ثورتهم” على النظام كما يقول اصحاب هذه المدرسة.

صدف ان وزير المالية، امية طوقان، القى قبل يومين خطاب الموازنة العام امام البرلمان. وسوف استفيد من تحليل هذا الخطاب في إلقاء نظرة على مدى “ريعية” الاقتصاد الأردني، او الدولة الأردنية.

جاء في خطاب الموازنة ان الإيرادات المحلية: يقدر أن تصل الإيرادات المحلية في عام 2012 إلى حوالي (4940) مليون دينار مسجلة بذلك نمواً نسبته 12،6 % عن مستواها المعاد تقديره في عام 2011، لتبلغ بذلك نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 22،3%.

الإيرادات العامة: وبناءً على ما تقدم، يقدر أن يبلغ حجم الإيرادات العامة خلال عام 2012 نحو (5810) مليون دينار ليشكل بذلك 26،2% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 27،4% في عام 2011.

المنح الخارجية:  قدرت المنح الخارجية في عام 2012 بمبلغ (870) مليون دينار مقارنة مع (1196) مليون دينار في عام 2011.

تظهر هذه الارقام ان حجم الايرادات المحلية يفوق كثيرا حجم المعونات الخارجية، هذا بافتراض ان المساعدات الخارجية تعتبر “ريعاً” بالمفهوم الاقتصادي للريع.

بالمناسبة، بعض المفكرين الاقتصاديين يعتبرون “المساعدات الخارجية” عوائد او ايرادات على “تصدير السياسة الخارجية” وهو تصدير ناجم عن استخدام قوة عمل الاردنيين سواء كانوا عسكريين او أمنيين او مساعدات بسبب استضافة الاردن للاجئين. وفي كل الاحوال فان الكثير من الاقتصاديين يشككون في “ريعية” المساعدات الخارجية.

وحتى لو كان الامر كذلك، فان المساعدات الخارجية تعتبر عند الاردنيين “حق” لما يتحملوه من مخاطر لذلك فان المساعدات هنا لا تدخل حتى في نطاق ما يعرف “بالعقلية الريعية”، التي سنأتي على ذكرها لاحقاً.

الان من اين تاتي الإيرادات للموازنة؟

الإيرادات العامة

تقول بيانات مشروع الموازنة العامة للعام 2012 ان اجمالي الايرادات العامة للسنة المالية 2012 تبلغ 5810 ملايين دينار، 4940 مليونا منها ايرادات محليةالايرادات الضريبية المقدرة بلغت 3547 مليون دينار، فيما يبلغ حجم الايرادات غير الضريبية حوالي 1392 مليون دينار.

ويتوقع مشروع قانون الموازنة ان تبلغ الايرادات الضريبية على الدخل والارباح خلال العام المقبل حوالي 734.2 مليون دينار، فيما ستكون الضرائب على الملكية حوالي 79.2 مليون دينار، فيما ستبلغ الضرائب على السلع والخدمات 2444 مليون دينار، فيما يتوقع ان تبلغ الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية حوالي 289.1 مليون دينار.

 

الايرادات غير الضريبية

اما في جانب الايرادات غير الضريبية فيتوقع ان تبلغ عائدات التقاعد حوالي 23.9 مليون دينار، فيما ستبلغ ايرادات دخل الملكية حوالي 289.8 مليون دينار.

في حين ستبلغ ايرادات بيع السلع والخدمات حوالي 701.7 مليون دينار، ويتوقع ان تبلغ الغرامات والجزاءات والمصادرات حوالي 44.1 مليون دينار، فيما سيبلغ مجموع الايرادات المختلفة حوالي 333.2 مليون دينار.

وفي التفاصيل، فإن الضرائب على الدخل والارباح فإن مشروع قانون الموازنة يقدر ارتفاع ضرائب الدخل على الافراد من 74.3 مليون دينار في 2011 لتصبح 82.5 مليون دينار في 2012 في حين سترتفع الضرائب على الموظفين والمستخدمين من 65.9 مليون دينار لتصبح 73 مليون دينار.

ويتوقع ان تصل الضرائب على الشركات المساهمة حوالي 578.6 مليون دينار، اما ضريبة بيع العقار فقدر مشروع قانون الموازنة ان تصل الى مستوى 79.2 مليون دينار في 2012 مقابل 71.5 مليون دينار في ٢٠١١.

اما ضريبة المبيعات على السلع المستوردة فيقدر مشروع القانون ان تتجاوز المليار دينار في 2012 مرتفعة من 910.3 مليون دينار في 2011 في حين ستبلغ ضريبة المبيعات على السلع المحلية حوالي 578.1 مليون دينار العام المقبل مقارنة ب492 مليون دينار.

وتقدر ضريبة المبيعات على الخدمات بـ 430.2 مليون دينار مقابل 377.4 مليون دينار خلال العام الحالي، ويتوقع ان ترتفع ضريبة المبيعات على القطاع التجاري من 311.5 مليون دينار في 2011 لتصبح 355.6 مليون دينار، ويتوقع مشروع القانون ارتفاع ايرادات الرسوم الجمركية لتصبح 277 مليون دينار.

من الواضح ان الأردنيين كافة يتحملون عبء تمويل الخزينة، لكن الواضح أكثر ان الضريبة على المبيعات والضرائب غير المباشرة هي الاكثر، فيما يدفع الموظفين ضرائب للدولة مع أنهم يعلمون ويبيعون قوة عملهم للدولة.

اذاً أين الريعية في الاقتصاد الاردني طالما أن المواطن يبيع قوة عمله سواء للقطاع العام أو الخاص ويدفع ضريبة تشكل النسبة الأكبر من اجمالي الإيرادات؟

أمر آخر، هل يمكن حساب تحويلات العاملين في الخارج دخل “ريعي” للدولة او المجتمع، حتى بمفهوم “العقلية الريعية”، بالطبع لا، ذلك أن المغترب يكسب دخله نتيجة العمل، نتيجة بيع قوة عمله في السوق، وعندما يرسل دعما “للاهل” فان هؤلاء لا يتصرفون بهذا الدخل كـ”رشوة” انما بحرص على “ابنهم” الذي يتعب ويشقى للحصول على الدخل.

اضافة الى ذلك فان الاردن يعاني من عجز في الموازنة وعجز في ميزان المدفوعات ومن تضخم سوف يرتفع العام القادم بحسب الموازنة.

وطبعا، لا يمكن الحديث عن دخل ريعي ايضا في مجال الصناعات التعدينية كالفوسفات، ومن المشكوك فيه ان تعتبر السياحة كذلك.

اذا كان مفهوم الدولة الريعية قائم على دخل غير مكتسب بالعمل، فالحال في الاردن غير ذلك كما رأينا.

يرى اصحاب مفهوم الدولة الريعية ان السبب في خضوع الناس للحكم هو عدم تحملهم عبء تمويل الدولة من خلال الضرائب، على قاعدة “لا تمثيل بدون ضرائب”، لكن واقع الحال في الاردن يرينا ان المواطن هو الممول الاوحد تقريبا للدولة من خلال الضرائب.

اما اذا كان اصحاب مفهوم “الدولة الريعية” يرون جانب النفقات العامة، ومدى تحمل الدولة لهذا الانفاق، فقد رأينا اولا ان هذا الانفاق يأتي اغلبه من جيوب الاردنيين الذين يبيعون قوة عملهم للقطاعين العام والخاص او في الخارج. وكذلك للاسباب التي ذكرنا في موضوع المساعدات الخارجية على قلتها.

وضع مهداوي مفهوم “الدولة الريعية” لتفسير خضوع المجتمع الايراني لحكم الشاه، وقد اخذ عرب كثيرون هذا الموضوع واشتغلوا عليه لتفسير عدم قيام “ثورات” او “حراكات اصلاح” او “مجتمع مدني”.

لكن ما يجري الان في كل الدول العربية، وخاصة الكويت التي تشهد حراكا اصلاحيا لا يقل عن الحراك الاصلاحي في الاردن رغم ان دخل النفط فيها يبلغ 95% من اجمالي الايرادات دولة تجعلنا امام اعادة نظر في مفهوم الدولة الريعية وقصوره في تفسير واقع الدولة والمجتمع العربي.

قد يقصد اصحاب هذه المدرسة من فكرة ريعية الدولة هو طريقة ادارة الحاكم لعملية الانفاق، او طريقة توزيع واعادة توزيع الدخل على المواطنين مثل: المكرمات والهبات والاعطيات ومنح الاراضي والامتيازات او الرشى.

وقد يقصد اصحاب هذه المدرسة الجانب الثقافي في موضوع الدولة الرعوية، بمعنى انها أسست لعقلية رعوية.

هذا ما سوف اكتب عنه في تدوينة اخرى، وفي بالي انه هذه ايضا لم تعد تصلح لتفسير الدولة والمجتمع في الاردن.

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية