المطلوب أردنياً: تقشف حافز للنمو

الأربعاء 25 كانون الثاني 2012

بقلم جواد جلال عباسي*

من اهم مشاكل الاردن البطالة وعجز الميزانية. والمعضلة بالمشكلتين –من الناحية النظرية – ان حل الواحدة يؤثر سلبا على الثانية. فالتقشف وتخفيض النفقات في الميزانية الحكومية لا يعالج البطالة بل قد يزيدها. وتخفيض الضرائب واو زيادة الانفاق الحكومي -لتحفيز الاستثمار والنمو وبالتالي تخفيض البطالة- يفاقم عجز الميزانية الذي اذا وصل الى حدود كبيرة يؤطرلافلاس حكومي. مثلا التحدي الحالي في دول الاتحاد الاوروبي يكمن باعادة الثقة بقدرة الحكومات على ادارة وسداد قروض الدين العام عبر التقشف وتخفيض العجوزات وبنفس الوقت تحفيز الاقتصاد لينمو. ذلك ان النمو الاقتصادي بنسبة اكبر من نمو الدين العام والذي يخلق عوائد حكومية اكبر هو افضل سبيل لقدرة الحكومات على التسديد.

هذا نظريا. ولكن ماذا لو وجدنا حلا سحريا وسهلا؟ مثلا ماذا لو وجدنا تقشفا يساهم في حفز النمو! اي تخفيضا في النفقات يمول مشاريعا راسمالية خالقة للوظائف؟ هل هي احلام يقظة ام ان الاردن قد يتوفر فيه هذا الوضع الغرائبي؟

نظرة فاحصة الى موازنة 2011 تبين لنا اننا حقيقة عندنا امكانية رائعة لتقشف يحفز النمو والتشغيل‪.‬

تقاعد النواب والوزراء المبكر: 
بلغت مصاريف التقاعد للعام 2011 858 مليون دينار. تقديرا يوجد حوالي 600 وزير ونائب سابق على قيد الحياة (جلهم استحصل على راتب تقاعدي بعد مدة خدمة سخيفة لا تتجاوز السنتين بالمعدل وبعضهم عدة اشهر). ونستطيع تقدير الكلفة السنوية لتقاعدات اصحاب المعالي والسعادة المبكرة ب 18 مليون دينار سنويا. اي حوالي 2% من مجموع نفقات التقاعد السنوية.

الاقتراح: ان يقوم اصحاب المعالي الوزراء والسعادة النواب المتقاعدون بالتبرع برواتبهم التقاعدية الى صندوق خاص لانشاء السدود في الاردن. مثلا كلفة انشاء سد كفرنجة الجاري بناؤه حوالي 23 مليون دينار. وبالتالي فان “صندوق اصحاب المعالي الوزراء والسعادة النواب المتقاعدون مبكرا لانشاء السدود” (وهو بالمناسبة الاسم الرسمي الذي اقترحه) يمّكن من بناء سدا كبيرا كل سنة. فنساهم في حل مشكلة المياه ونشغل العاطلين وننمي الزراعة والصناعات الغذائية. وكل هذا من دون زيادة اي عبء على ميزانية الدولة. بالعكس فان تشغيل كثيرا من العاطلين في بناء السدود يزيد من تحصيلات الجمارك و ضريبة المبيعات كون الطبقة المتوسطة تصرف معظم دخلها فيما تتحول تقاعدات الموسورين الى حسابات التوفير! فعندما يحصل العاطل عن العمل على فرصة عمل بدخل متوسط يزيد انفاقه الاستهلاكي (مثل شحن الهاتف الخليوي او الذهاب الى مطعم او شراء الملابس) ويدخل راتبه في الدورة الاقتصادية ويساهم في رفع الحصيلة الجمركية والضريبية.

مثاليا يكون تمويل الصندوق عبر قانون يلغي كل التقاعدات المبكرة (دون سن الستين) باثر رجعي. ولكن يمكن ان يكون اختياريا في حال تعذر ان يكون الزاميا. طبعا من لا يرغب من اصحاب المعالي الوزراء والسعادة النواب المتقاعدون مبكرا بالدفع للصندوق يمكنه ذلك شريطة ان يتعهد كتابة بان لا يظهر علينا لاحقا في اي وسيلة اعلامية ليتحدث عن ضرورة القرارات الصعبة والتضحية من اجل الوطن‪.‬

ضبط وتقشف في مصاريف اجهزة الدولة المختلفة:

تبين ارقام الميزانية ان بعض مصاريف مؤسسات رئيسة في الدولة زادت بنسب سنوية تزيد عن 17% وهو اكثر بكثير من نسب التضخم في تلك السنوات. تقديرا من المكن ضبط النفقات بحوالي 200 مليون دينار سنويا تذهب ايضا لتمويل مشاريع راسمالية من انشاء طرق ومدارس ومستشفيات وسدود ومزارع تساهم في حفز النمو وتشغيل العاطلين.


تحسين ايرادات الخزينة:
في عدة تحاليل سابقة اشرت بالارقام الى ضرورة – وعدالة – ان تكون نسبة الضريبة الفعلية على شركتي البوتاس الفوسفات مقاربة او اكثر قليلا من ضريبة الدخل الفعلية المفروضة على شركات الخليوي الثلاث اي حوالي 40-45% (ما بين رسوم مشاركة عوائد وضريبة دخل). على فرض مبيعات وارباح في 2012 مقاربة للعام 2011 للشركتين فان التحصيل الضريبي من الشركتين يزيد بحوالي 75 مليون دينار للبوتاس و 50 مليون دينار للفوسفات. اي تحصيل ضريبي اكثر بحوالي 125 مليون دينار سنويا يستخدم لتمويل مشاريع راسمالية انتاجية و محفزة للتشغيل.

اذا تلخيصا هي اقتراحات متوازية بحجم حوالي 350 مليون دينار سنويا:
• نقل نفقات جارية لا فائدة منها (مثل نفقات التقاعد المبكر للنواب والوزراء) لتصب في مشاريع محفزة للاقتصاد
• تقشف ضروري في بنود زادت مصاريفها بشكل كبير في السنوات الماضية ونقل الوفر الى مشاريع رأسمالية

هذان البندان اعلاه لن يساهما في تخفيض العجز مباشرة بل يساهمان في تحفيز الاقتصاد والتشغيل والذي يعزز قدرة الحكومة المستقبلية على تخفيض العجز وسداد الديون.

• وعدالة ضريبية على شركتي التعدين اللتان تبيعان ثروات الوطن غير المتجددة. وهذا البند يساهم بتعزيز الايرادات وزيادة مرونة الموازنة العامة في الوفاء بالالتزامات.

ولربما تساهم هذه الاجراءات ايضا في زيادة الثقة بجدية الاصلاحات السياسية والاقتصادية. وربما تؤدي زيادة ثقة المواطنين الى زيادة تحصيل ضرائب الدخل وتقليل التهرب الضريبي عندما يشعر الجميع ان لا هدر ولا ضبابية بل شفافية ومحاسبة ومعالجة جدية للمشاكل. فندخل في دورة حميدة من تحفيز الاقتصاد ونمو اقتصادي يقلل العجز ونسبة الدين.

يتحدى بعض المتذاكون منتقدي الموازنة العامة لتقديم البديل عن النهج الحالي. اي قراءة موضوعية تبين ان البديل موجود ولكنه يحتاج ارادة سياسية واضحة صارمة لا لبس فيها.

*
مؤسس و مدير عام مجموعة المرشدين العرب

الصورة من موقع Shutterstock

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية