في دولة القانون والمؤسسات

الأربعاء 29 شباط 2012

بقلم ثائر عزيز

في صبيحة أحد الأيام خرج شاب أردني من بيته غاضبا منفعلاً، بائساً مرتبكاً، فبالأمس فقط قام مواطن أردني آخر بإشعال النار في نفسه محاولاً إيصال رسالة للقائمين على هذا البلد بأن الفساد جوّعنا، أن الفساد قتلنا، الفساد الذي تتباطؤون بمحاربته، بل ويتغاضى بعضكم عن محاسبة حيتانه هو ما دفعني ايها الناس الى ان اشعل النار في نفسي، تاركاً ورائي عائلة الله وحده اعلم كيف ستتدبر أمورها.

في تلك الظروف خرج هذا الشاب وتوجه إلى مبنى محافظة مادبا ولم يجد وسيلة للتعبير عن غضبه وسخطه الا أن قام بانتزاع صورة الملك من مكانها وإحراقها.

وفي خطوة لتهدئة الأوضاع وللسيطرة على الموقف قام رجال الأمن مباشرة بالقبض على الشاب، ليس فقط لأنه ارتكب جرماً مخالفا للقانون ولكن حماية له من غضب بعض الناس الذين رأوا في حرق الصورة اعتداءاً صارخا على أهم الرموز الوطنية بالنسبة لهم، وبالتالي فإن الأمن بهذه الخطوة قد حمى الشاب من الغاضبين، وحمى الغاضبين أنفسهم من ان يرتكبوا في حق الشاب ما لا تحمد عقباه.

وخلال نقله الى السجن تعامل رجال الأمن مع الشاب  بمنتهى الأدب وببالغ المهنية على الرغم من امتعاضهم وغضبهم الشديد مما فعله، فهذا الشاب وإن أخطأ فإنه لا يجوز للأمن في دولة القانون والمؤسسات ان يعاقبه قبل التحقيق معه، حتى وإن كانت الواقعة جلية واضحة، والذنب مدان لا يختلف عليه اثنان.

ويعرف الشرطي أيضاً انه وبسبب كوننا في بلد القانون والمؤسسات فانها ليست مهنته ولا دوره كشرطي أن يكون القاضي والجلاد بحق هذا الشاب، بغض النظر عمّا قام به.

وصل الشاب الى المخفر وتم الاتصال بأهله وتم استدعاء محاميه على الفور ليحضر معه. وبعد عدة أشهر من التحقيقات والنظر في الملابسات، وتداول القضاة المدنيين طبعاً   لوضع المتهم وطبيعة جرمه، حكمت المحكمة عليه بالسجن لمدة عام واحد، وهي أقل فترة من الممكن الحكم بها على مرتكب جناية كالتي ارتكبها هذا الشاب.

الكلام السابق، وأعني ما قلته منذ لحظة اعتقال الشاب وإلى لحظة صدور الحكم ومدته، هو ما كان يفترض أن يحصل في دولة القانون والمؤسسات، لكن ما حدث مع الشاب عدي ابو عيسى مختلف كلياً.

عدي أبو عيسى ومنذ اللحظة الأولى للقبض عليه تم التعامل معه بصورة مهينة، وتم اعتباره خطراً يهدد أمن البلاد والعباد، وتلقى على صفحته على موقع الفايس بوك عشرات التهديدات وآلاف الشتائم واللعنات. والأنكى من هذا هو ما تم تداوله حول طريقة تعامل الامن معه.

وما زاد الطين بلة هو أن الحكم عليه صدر خلال ثلاثة ايام فقط. ثلاثة أيام كانت كافية للحكم على عدي ابو عيسى ذو التسعة عشر عاماً بالسجن لمدة عامين عقوبة قيامه بحرق صورة جلالة الملك. وبالطبع فإن الحكم قد صدر خلال ثلاثة ايام لأن عدي حوكم أمام محكمة امن الدولة، وهي محكمة خاصة قضاتها عسكريين نص الدستور على انه لا يجوز لها ان تحاكم المدنيين الا في حالات استثنائية.

الفقرة الثانية من المادة رقم 101 من الدستور الأردني تنص أنه: لا يجوز محاكمة اي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين ويستثنى من ذلك جرائم الخيانة العظمى والتجسس والإرهاب.

ما فعله عدي وإن كان جريمة فإنه لا يرقى إلى أن يكون إرهاباً وهو بالتأكيد ليس تجسساً، ولا أظنه يوضع تحت بند الخيانة العظمى.

ولأن عدي رأى انه قد ظُلِمَ فإنه ومنذ أحد عشر يوماً مضرب عن تناول الطعام احتجاجا على ما سبق، وعلى كثير غيره لا نعرفه.

عدي لا يطالب بالافراج عنه، ولا يشكك بنزاهة القضاء، وإنما ينادي بمطلب عادل ألا وهو ان تتم محاكمته امام القضاء المدني، لانه مدني وهذا من حقوقه المنصوص عليها في الدستور.

فهل هذا مطلب مبالغ فيه؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية