بالنسبة للتلطيش

الخميس 15 آذار 2012

من الفيلم الوثائقي "احذر أمامك تعليق" - إخراج داليا الكوري

بقلم ديما الأشرم

أستعد للخروج من البيت. أفكر في نفسي: أين سأذهب؟ من سألتقي ومتى سأصل؟ ولكنني أفكر بأشياء أخرى، قد لا تفكر أنتَ بها. أفكر في وسع الجينز، أفكر في طول البلوزة، أفكر في لبس حذاء مفتوح أم مغلق. هل ملابسي مناسبة للمكان أم لا؟  هل سأمشي كثيراً بعد أن أركن السيارة؟ أين سأمشي؟ هل سيكون هناك رجال؟ هل سأمشي لوحدي؟

كلنا كنساء نسأل أنفسنا هذه الأسئلة بغض النظر عن ثقتنا بأنفسنا وبقراراتنا وبتحررنا أو محافظتنا. لقد بات الشارع الأردني مكاناً مزعجاً جداً بالنسبة لي كامرأة. بغض النظر عمّا أفعل أو أرتدي، فإنني أتعرض لتعليقات و”تلطيشات” في أي مكان أمشي فيه سواء كنت في عبدون أو جبل النظيف أو الوحدات أو جبل عمان. أصبح الوضع مقرفاً إلى أبعد الحدود.

إنني فعلاً أشعر بالاستياء الشديد وعدم الراحة عندما أمشي في الشارع. أشعر وكأن الرجل أعطى لنفسه حقا أن تكون كل البنات في الشارع جهاز استقبال لتعليقاته التافهة التي دائما ما تشمل أنواع أطعمة (سكر، عسل، قشطة) وحركات حيوانات (إيش هالطعجة يا نعجة) ووسائل مواصلات (صاروخ). أنا لا أشعر أبداً بالإطراء ولا أراها خفة دم. لا أشعر سوى بالقرف والاشمئزاز والحزن على هذا الإنسان الذي يسمح لنفسه بالتعدي على كرامتي وخصوصيتي وأنا أمشي في مكان عام ولا أعترض خصوصيته. فعلا إن المشي في الشارع هي تجربة يومية نكون بها نحن النساء على أعصابنا، مما يؤثر سلباً على نظرتنا لمدينتنا ورغبتنا بالمشاركة في الحياة العامة. كثيرا ما نتذمر أن عمّان ليست مدينة صديقة للمشاة بسبب الحفر والأشجار التي تزرع في منتصف الرصيف – هذا إذا ما كان هناك رصيف أصلاً. ولكن البنية التحتية ليست كل شيء. فالتحرش الجنسي اللفظي هو من أكبر العوائق وأهمها.

لقد جربت عدة طرق للقضاء على هذه الظاهرة. جربت “التطنيش” ولكن التعليقات لم تتوقف. جربت “الجحرة” ولم تنفع أيضاً. في آخر مرة جربت “البهدلة” وأستطيع أن أقول أنها أتت بنتيجة أفضل. فعندما قرر شاب في نصف عمري مقاطعة طريقي ليقول لي بأنني “عسل”، وقفت واقتربت منه وقلت بصوت حازم وغير مرتفع “هلأ رح أجيبلك الشرطة. إنت اليوم رح تنام بالسجن بتهمة تحرش جنسي.” وأخرجت هاتفي وبدأت الاتصال بالشرطة عندما قاطعني معتذراً ومتوسلاً: “الله يخليكِ خلص آسف، إنت بنت ناس محترمين. منك السماح خلص ما بعيدها!” يا سلام! أين هي تلك الثقة والرجولة التي كنت تزهو بها منذ عشر ثوان وأنت تتعدى على خصوصيتي وجسدي بنظراتك المقززة؟!

جربت هذه الطريقة مع شابين آخرين وكلاهما اعتذر لي أيضا. يبدو أن البهدلة بصوت حازم ومن دون “زعبرة” هي سلاح مضاد فعّال سأبدا بتكريسه بشكل ممنهج أكثر. من الواضح أن الحل يجب أن يكون عسكرياً حيث أن المفاوضات ما عادت تنفع.

أخيرا، أريد أن أقول لك أيها الرجل الذي تعطي لنفسك صلاحية التعليق على النساء، نحن لا نشعر برجولتك عندما تعلق علينا في الشارع، بل نشعر بعقدة النقص لديك. لا نشعر بجمالنا وأنت تصفنا “بالغزال”، بل نشعر بالألم لأنك انتهكت حريتنا في مكان عام وأجبرتنا أن نكون في موقف لم نختر أن نكون فيه ولم يستشرنا به أحد. لا نشعر بأنك فتى أحلامنا عندما تلاحقنا، بل بأنك شخص بلا هدف وليس لديك أسلوب طبيعي لكسب إعجاب النساء بالطرق المقبولة ثقافياً أو دينياً أو اجتماعياً.

وأرجوك، لا تفسر ظاهرة التحرّش اللفظي هذه بغلاء المهور وصعوبة الزواج وتحفظ مجتمعنا على العلاقات ما قبل الزواج. فهذه الحجج هي كحجج الحكام العرب، سمعناها وحفظناها ورفضناها. هذا هو الواقع المؤسف فلا تجعله أكثر مرارة بإلقاء عقدك النفسية عليّ. فأنا كمرأة عربية لدي من التحديات ما يكفيني. ومن الآن وصاعداً، سأقوم بمحاسبة كل من يعترض طريقي عن طريق ما أسمّيه “البهدلة الواعية المدروسة” التي لن تعرضني للخطر.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية