المواطنة ليست الأولوية

الخميس 17 أيار 2012

التغيير القادر على وضع السلطة بيد الشعب الأردني كفيل بحل المعضلات التي تواجهه

بقلم موسى الشقيري

 
مقطع مترجم

 من كتاب “سياسة التقسيم: الملك عبدالله، الصهاينة، وفلسطين” للمؤرخ آفي شلايم

 “عندما بدأت الاشاعات تتسرب بأن الحكومة في شرق الاردن قررت أن تنضم للدول العربية الأخرى في اجتياح فلسطين الهادف السيطرة على البلد بأكملها، بعثت جولدا مائير رسالة إلى عبدالله متسائلة إذا كان وعده الأصلي لها ما زال سارياً. بحسب رواية جولدا مائير نفسها فإن الرد من عمان جاء سريعاً وإيجابياً. شعر الملك عبدالله بالصدمة والألم من سؤالها. طلب منها أن تتذكر ثلاثة أشياء: بأنه بدوي يفي بوعده، وأنه ملك، سبب ثاني لجعل كلمته محل إحترام، وأخيراً، أنه لا يمكن أن يكسر وعداً قطعه على نفسه أمام سيدة. وبالتالي ليس هناك أي سبب محتمل يبرر شعورها بالقلق.”

حقيقة تاريخية

 لا يكاد يخلو كتاب عن تاريخ المنطقة أو تاريخ الصراع العربي الصهيوني من قصة أو معلومة أو موقف تكشف لك حجم التنسيق، لا بل حتى الاتساق الكامل بين النظام الاردني الهاشمي والمشروع الصهيوني، منذ نشأة الإمارة وحتى هذه اللحظة، وما بعدها. يتلقى المواطن الاردني هذه المعلومات بصدمة كأنه يسمعها للمرة الأولى مهما تكررت، كنتاج لسنوات من التعبئة على شكل كتب اجتماعيات وتربية وطنية واخبار وبرامج تلفزيونية مجترة وذاكرة جمعية خجلت/خافت من نقل الحقيقة.

 لقد ثبت وبما لا يدع مجالاً للشك وكمسلمة تاريخية أن هذا النظام المذكور أعلاه متناغم (باستخدام أقل التعبيرات قسوةً) مع المشروع الصهيوني إلى درجة جعلت البعض يصوّر حقيقة وجوده  بالشكل الحالي ضرورة استراتيجية أو حتى نتيجة إضافية (باي برودكت) للمشروع الصهيوني، (على الأقل بحسب آفي شليم في كتابه الحائز على جائزة أفضل كتاب في الدراسات السياسية “تواطؤ عبر النهر” والمقتبس من طبعته المختصرة النص أعلاه). فحتى مؤرخي النظام وكتبته لا يملكون دحض هذا التعاون الوثيق، فتراهم يلجأون إلى التبرير وخلق الإعذار (بعد أن أصبح الإنكار غير مجد)، فيقدمون “التعاون” على أنه “سياسة” و “تكتيك” و”توازنات” و”لعب أوراق” وهو أبسط من هذا بكثير: “شراكة” في أحسن حالاته، وفي أسوأها، وبحسب “المتطرفين”، “خيانة”.

 أما الرافض لهذه الحقائق التاريخية المثبتة فهو إما اكتفى بما سمعه من كتب الاجتماعيات (على مستوى الصف الخامس) ولم يكلف نفسه البحث عن مصادر بديلة لتاريخ وطنه، أو اختار أن يريح رأسه وضميره، فيكذب كل ما يسمعه ويراه بأم عينه، مفضلاً اعتماد الروايات الرسمية الموثوقة كمصدر مطلق للحقيقة، نفس الروايات الرسمية للتاريخ التي ما زالت تؤكد مثلاً أن النقيب علي بن زيد “استشهد” في أفغانستان في مهمة “إنسانية”، أو أن خالد مشعل أصيب في هوشة بين سياح كنديين في خلاف على موقف سيارة بالجاردنز.

 استنتاج وخيار في موضوع المواطنة

 يتحمل الشعب الأردني تبعات هذه العلاقة التاريخية. فالشعب الاردني لم ينسق مع الصهاينة منذ الأربعينات، والشعب الأردني رفض للمشروع الصهيوني في فلسطين وفي الأردن بكلتا ضفتيه، والشعب الاردني لم يوافق على معاهدة وادي عربة، ولم يوقعها ولم يرضَ ببنودها… بعكس نظامه الحاكم.

 وبالتالي فإن الشعب الأردني أمام خيارين:

 -قبول هذا النظام بالرغم من علّته الكبرى، والعمل على إصلاحه، بالحد من صلاحيات صانع القرار الأوحد، والوصول إلى سلطة تمثل الشعب، وتمثل مصالحه ورغباته وتطلعاته وخاصةً فيما يتعلق برفضه للمشروع الصهيوني. هذا الخيار مبني حصرياً على قبول فكرة أن هذا الشعب الأردني شعب واحد، شعب المملكة الأردنية الهاشمية، بشكلها الحالي. شعب لا فرق بين أحد من مواطنيه وكل من يحمل جنسيته.

 -أما الخيار الآخر فهو رفض هذا النظام ومشروعه وقوانينه ومعاهداته، والدعوة لقيام نظام جديد يحافظ على الهوية الأردنية الخالصة (الهوية التاريخية من أيام المماليك التي تمخض عنها مؤتمر أم قيس) في دولة اردنية خالصة على شاكلة جمهورية أحمد عويدي العبادي، يحدد فيها فريق يرأسة العبادي (وضابط التنسيق تبعه) وبعضوية نخبة من جماعته المماثلين من رجال الدوائر الأمنية من هو الأردني الذي يحق له التمتع بجنسية جمهوريته.

 أما هذه الرقصة السخيفة التي تطبّل للنظام المتواطئ (وتطالب بخفض سقف نقده)، ثم تعود وفي نفس الوقت تطالب جزء من الشعب الأردني بمواجهة الصهاينة، كأفراد، بالتنازل عن حقوقهم كمواطنين اردنيين (!) فقد أصبحت بنفس مستوى سخف الحكومة التي تحرمك جنسيتك ثم تطالبك بمباطحة الصهاينة للمطالبة بهوية، قام النظام نفسه بمقايضتها بوجوده لا بل حتى وطمسها. إن منظري هذه المصطلحات (من طرفي الاستقطاب الوهمي) ليسوا سوى أداة رخيصة من أدوات النظام (إما بإرادتهم (وحسب اعترافهم) أو بجهلهم) تعمل على شرخ الشعب الأردني (المتفق تماماً على اولوياته في هذه المرحلة) كلما أحس النظام أنه يواجه خطر اندماج الشعب نحو هدف واحد، فتقوم الطفيليات الانتهازية باللعب على مشاعر الأردنيين ومخاوفهم، لاهثين وراء كسرة من السلطة الوهمية كمكافأة على تبنيهم لعبة النظام المفضوحة والتي باتت موضع سخرية.

 ليس هناك مواطنين أردنيين بدرجات، ولا حقوق مكتسبة ولا حقوق منقوصة. هناك دولة يسري فيها القانون على الجميع، بلا تمييز ولا محاصصات ولا كوتات. الشعب الأردني كاملاً يرفض المشروع الصهيوني في الاردن بضفتيه، وعليه فإن مسؤولية محاربة هذا المشروع تقع على النظام والحكومات التي يفترض أنها تمثل وتنفذ ارادة الشعب. إن الطريق الوحيد لتحقيق ارادة الشعب الأردني هو من خلال حكومة صاحبة قرار حقيقي، تمثل الشعب تمثيلاً فعلياً وترعى مصالحه، خاصةً في هذا الموضوع المفصلي. وطالما أن الشعب ما زال يطالب بالإصلاح لا الإسقاط، فإن إثارة مواضيع المواطنة والهوية والوطن البديل والحقوق المنقوصة وغيرها من مصطلحات مملة تنتمي لحقبة مختلفة والتذكير بها في هذه المرحلة، ليس سوى خدمة للنظام توفر له مساحة ينفذ منها  في رفضه للتغيير. فالإصرار على جعل موضوع المواطنة أولوية هو ليس سوى إعاقة متعمدة للانتقال من مرحلة الحاكم الأتوقراطي الأوحد (واولوياته في الحفاظ على عرشه) إلى مرحلة الحكومة ذات القاعدة شعبية، التي تحقق تطلعات الشعب الذي تمثله في بناء مشروع معادي للصهيونية. حكومة تمثل دولة ذات سيادة تقف أمام المشروع الصهيوني، فترفض ممارسات الصهاينة، وتضغط عليهم، وتلغي بطرق قانونية دستورية إتفاقية العار والتنازل، لا بل حتى تعمل بإتجاه تحرير ضفة الأردن الغربية (سلماً أو حرباً).

لا يوجد مواطن أردني حضري أمام مواطن أردني بدوي، ولا مواطن أردني شركسي مقابل مواطن أردني عربي (على سبيل الأمثلة)، هناك في الأردن نموذج تقليدي مثل نماذج الكتب والمسرحيات والافلام والقصائد والدول الفاشلة التي حفظناها عن ظهر قلب: شعب منهوب ومقموع أمام حاكم أوحد مستفيد من تناقضات الشعب الطبيعية، فينشغل الشعب بالإجابة على اسئلة عبثية، بينما يقوم الحاكم بمراكمة الثروة براحة وسرور.

يتبع: من يمثل من؟

من الألعاب السخيفة لأدوات النظام الإقليمية، تصوير اللغو  بأنه حوار حول “التمثيل” في البرلمان و”المحاصصة” في الوظائف العليا، مستغلين النزعات الفطرية لدى الانسان برغبته بالانتماء لمجموعة، ومن ثم اللعب على العواطف بتصوير مجموعته بأنها مظلومة أو منقوصة الحقوق. لا يمكن أن يكون هناك مواطن أردني بنصف عقل يجد بانخفاض تمثيل “قبيلة” أو مجموعة سكانية في قانون الانتخاب الجديد مصدر قلق (لأن البرلمان سلطة سياسية يمارسها المؤهلون لذلك) بل يخشى الاردني العاقل من قوانين ونظم إنتخابية تستبدل مقاول بمقاول وإنتهازي باخر وأمي باخر، جميعهم غير مؤهلين للتشريع والمراقبة وكأن الهدف فقط تحقيق “عدالة” التوزيع الديمغرافي. كيف يمكن أن يكون هناك أدنى اهتمام بنسب تمثيل البرلمان سكانياً  في ذات الوقت الذي يجمع فيه الأردنيين أن البرلمان الناتج عن قانون إنتخابي هامل لا يمثلهم تماماً مثلما لم تمثلهم البرلمانات السابقة (بغض النظر عن توزيعها الديمغرافي!) . إذا كان الوزير فاسد ومؤقت وبصيم ومنتفع، فهل يكون اسم عائلته ذو أهمية؟ لماذا الإفتراض أن أبن المحافظة هو الأقدر على تمثيلها، بينما بات من الواضح أن هؤلاء “الممثلين” الذين إحتكروا (المشيخة) في محافظاتهم لأجيال هم أكثر المستفيدين من إعاقة التنمية في المحافظات، لأن ذلك يعني نهاية دورهم الطفيلي كوسيط يتولى توزيع فتات النظام على أبناء المحافظات مقابل نسبة. ما هي أهمية إسم الحزب الذي يشكل  الحكومة البرلمانية إذا كان التوقيع على الاتفاقيات يتم في الديوان؟ هل يعقل أن ننشغل بمناقشة التوزيع الديمغرافي لمناصب الدولة، بدون أن يكون هناك دولة؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية