حفلة التعارف الأردنية

السبت 11 آب 2012

بعدسة محمد أبو غوش

بقلم تيسير الكلوب

الشعب الأردني اجتماعي، يجلس في صالوناته البسيطة على الكنبات أو الجاعد أو الفرشات أو على كراسي الموريس ليناقش آخر التطورات من حوله سياسية كانت أم اجتماعية، رياضية كانت أم معيشية. يتحاور الأردنيون في جلساتهم الخاصة بكل صراحة وحرية ولا يعرفون أي سقف فيها إلا السماء التي تظلل تراب الأردن.

هذه السواليف والتعاليل الأردنية موجودة منذ سنوات وسنوات، ولم تكن تخلو من الحديث في المحظورات والممنوعات حيث اعتاد الناس الحديث في هذه الجلسات بحرية كل يبدي رأيه وتحليله.

لكن ما الجديد في السنوات الأخيرة؟ الجديد هو أن المجتمع الأردني صار يجلس في جلسات أكبر وأوسع، جلسات لم يكن يجلسها سابقاً، فيها تنوع وآراء أكثر، التباين والاختلاف أصبح فيها سمة، الأفكار التي كانت تقال في الجلسات المغلقة أصبح يصدح بها في الجلسة الأوسع. الحالة اختلفت فالذي كان خجولاً يجلس بجانب والده في الجلسة ولا تنبس شفتاه بكلمة انطلق الآن، والمرأة التي لم تكن تتحدث في هذه الأمور حتى مع زوجها صار صوتها عال أكثر، وحتى الذين كانوا يخافون أن يتحدثوا بأفكارهم التي يرى البعض أنها مسمومة وجدوا لهم في هذه الجلسة الموسعة مقاعد بدل مقعد. الجلسة تكبر يوما بعد يوم وتتسع أكثر وأكثر وتناقش مواضيع بشكل أوسع وأكبر. وقد اختار الأردنيون أن تكون جلساتهم صريحة وشفافة (ولكن ليست كشفافية الحكومة). أطلق مختصون على هذه الجلسة “حفلة التعارف الأردنية”*.

جلسة التعارف بدأت منذ سنين لكن صخبها يزداد عاما بعد عام، وازدادت وتيرتها بعد الربيع العربي وزخم الحراك الشعبي الأردني في الشارع والساحات والجرائد والمواقع الالكترونية، جلسة التعارف اتخذت أشكالاً كثيرة في التعليقات على المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك وتايم لاين التويتر والمدونات وقنوات اليوتيوب والأهم أيضا خروج صحافة غير تقليدية – مقابل جريدة الحياة الوردية جريدة الرأي- وكسر احتكار التلفزيون الأردني كقناة الأردنيين الوحيدة، ومدونتي هذه أحد أشكال جلسات التعارف.

أود أن أناقش في جلسة التعارف قضية الهوية الوطنية والتي باختصار هي سولافة (أردني فلسطيني) أو (شرق أردني وغرب أردني) وفيما يلي مداخلتي:

-عمان عاصمة الأردنيين جميعاً وقد تم اختيارها منذ عهد تأسيس إمارة شرق الأردن أي قبل عام 1948 وأقصد بهذ الكلام أن عمان لم يكن قرار اختيارها كعاصمة بسبب مؤامرة الوطن البديل أو مكان لتجمع اللاجئين الفلسطينيين فيما بعد والأهم أن عمّان هي ليست جزء من المشكلة بحد ذاتها لكن سياسة النظام هي التي جعلتها تبرز في واجهة المشكلة، ويتم تصويرها اليوم على أنها مدينة يسكن فيها كل خلق الله إلا الأصول الشرق أردنية ليتم تعزيز فكرة أن الاهتمام بعمان ومركزيتها يعودان لكونها مدينة لا يوجد فيها أصول شرق أردنية. وهكذا يتناسى مروّجو هذه الفكرة أن عمان البلقاء بداخلها عشائر شرق أردنية كريمة على سبيل المثال لا الحصر ( بني عباد والدعجة والحديد والقطارنة والعدوان والعساف ولا ننسى أحياء العشائر السلطية وغيرها الكثير الكثير) وأيضا عمّان فيها تواجد للشركس والأرمن وغيرهم. هذه الفسيفساء هي الرد الأول على الطرح الذي بات يتكرر مراراً أن عمان مدينة للمكوّن الغرب أردني فقط. ولا ننسى هنا سياسة تقسيم عمان إلى غربية وشرقية عمان – والمصيبة أن هنالك من يرى أن الطبقة التي تعيش في غرب عمان هي طبقة غرب أردنية وهنا أقول الغنى والفقر لا يعرف أصلاً.

-عندما نتحدث عن تنمية المحافظات ننسى أن الغرب أردني تشارك مع الشرق أردني في معاناته لإهمال تنمية المحافظات والحفاظ على خط محدد لها. ننسى مثلا أن ابن مخيم زيزيا يشعر مع أخيه البدوي من عشائر بني صخر في الإهمال وغياب مقومات التعليم والصحة. ننسى أن ابن مخيم غزة يتشارك مع ابن عمه في محافظة جرش نفس الإهمال لتنمية المحافظة. وللعلم نسبة الفقر بين سكان العاصمة عمان هي الأعلى والأكثر ارتفاعاً، تليها محافظة البلقاء التي تضم الأغوار والتي يقطنها الشرق أردني والغرب أردني ويشتركان معا في معاناة الفقر والإهمال.

-قضية تثار دائماً ألا وهي أن بعض قطاعات الدولة وخصوصا الجيش محتكر في معظمه للشرق أردنيين. قد تؤخذ هذه النقطة كتعزيز لما يسمى بالحقوق المنقوصة، لكنني أضعها في خانة الباب الوحيد المتاح، وأقصد بأن ابن المحافظة أو البادية الذي لم تتوفر له بنية التعليم بأبسط مقوماته، ومع غياب شبكة المواصلات الوطنية واضطراره للعمل ليقتات ، لا يملك خيارات كثيرة. وما هي المؤسسة أو الشركة أو المنظومة التي تتواجد في كل بؤرة في الأردن وتتيح الحد الأدنى من احتياجات الحياة؟ الجواب الذي لا أتوقع أن نختلف عليه هو الجيش، فالجيش هو الملاذ الأول لأبناء المحافظات وأنا هنا لست ضد الجيش أو انتقص من العمل به، لكنني لست سعيداً لهذه الحالة التي وضعت أبناء المحافظات أمام خيارات محدودة إما الجيش والذي أصبحوا رافده الوحيد أو أن يصبح سائق خط خاص أو أن يصبح أداة لمبادرات الأنتربرونورشب. وهذا برأيي أصبح نهج الدولة في التعامل مع تنمية المحافظات فهي لا تمتلك برنامج ولا نية لتحسين ظروفها بشكل ملحوظ، والواضح أنها تتعامل مع تنمية المحافظات فقط ضمن إطار المكرمات الملكية فمثلاً في أكثر من زيارة ملكية للمحافظات كان الحل المقدم هو فتح باب التجنيد، كأن إغلاق باب التجنيد هو المشكلة، أو الفزعات الحكومية التي لا تتخطى نظام المصطبة أي سنبقيك فقط على قيد الحياة فلا تقلق.

-نعتقد أن مشكلتنا في شرخ الهوية الوطنية هي في قضية أردني – فلسطيني، وننسى للأسف أنه -والحمد لله على كل مكروه- تجاوزنا هذه الثنائية وانتقلنا إلى مرحلة فيها تعددية أكثر، فلو دخلت الجامعة الأردنية لن تجد مشكلة أردني فلسطيني بل ستجد شمال وجنوب ووسط وشرق وغرب، وبرأيي لا يوجد ولا يجب أن يوجد ويستحيل أن يوجد هوية واحدة ولكن المطلوب والذي نطمح إليه أن نعيش بهويات متعددة وليست قاتلة ولكنها تحمل في ثناياها مواطنة أردنية واحدة.

-عندما سمعت عن رسالة ما يسمى بالنخب الغرب أردنية أو رسالة الحقوق المنقوصة التي أرسلت الأسبوع الماضي للملك لم أفكر في أن اتعمق أكثر في محتواها ولكنني اهتميت بنقطة واحدة هدمتها ألا وهي أنها أرسلت للنظام، وحالنا هنا كموظفين يعملان في شركة تولد الاختلاف بينهم بسبب مجلس هيئة المديرين الذي أقر سياسات ظلمت الطرفين وهنا يشتكي الطرفان للجهة التي ظلمتهما لتسقط عنهما ظلم الفئة الأخرى، وهنا بدل أن يفكر أصحاب هذه الرسالة في مخاطبة أبناء الشعب الأردني كنوع من التعارف خاطبوا النظام وكأنهم يشتكون من الظلم الواقع عليهم وكأن الشرق أردنيين هم من أوقعوه بهم.

وبعد أن قلت كل الكلام أعلاه في جلسة التعارف حان الوقت أن نتوقف عن الحديث عن المشكلة وأن نفكر بأسبابها والحلول. أنا أرى أن غياب العدالة الاجتماعية وتعزيز مفهوم الدولة الريعية فاقم من هذه المشكلة، فالاحتقان سببه الأول شعور أي طرف بغياب العدالة الاجتماعية والظلم الواقع عليه.

ومن أهم أسباب غياب العدالة الاجتماعية ووجود مشكلة الهوية والمواطنة أن القرار ليس بيد الشعب الأردني فمثلا الغرب أردني ليس هو من قرر قرار فك الارتباط بشكله ووقت صدوره، والشرق أردني ليس هو من أوجد سياسية السؤال المفلس في أغلب الدوائر الحكومية (إنت من وين؟)، والغرب أردني ليس هو من صوت للموازنة والتي أبخس فيها بند تنمية المحافظات، والشرق أردني ليس هو من اختار على الإذاعات الصباحية نهج التجييش والاصطفاف، ولو كان القرار بيد الشعب الأردني لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه ولكن أسلوب الوصاية عن هذا الشعب خلقت هذه السلبيات، لذلك فهم الشعب الأردني اليوم في حراكه الشعبي المكاني والزماني والإلكتروني أنه حان الوقت أن تفعل مادة (الأمة مصدر السلطات) الواردة في الدستور الأردني، وأنه حان الوقت ليقرر الشعب ما يشاء ويختار بالتوافق ما يريد.

ولهذا أنا لا أنتظر من النظام أن يحل لي مشكلة الهوية، فسياساته كانت جزءاً من المشكلة. لكن الشعب الأردني الناضج هو الوحيد القادر على تقديم الحل التوافقي الشعبي، وأولى هذه الحلول هو الإكثار من جلسات التعارف، وقد اقترح في أحد جلسات مقهى عمان السياسي والتي كانت بعنوان الهوية والمواطنة أن يتم الدعوة لمؤتمر وطني أردني شعبي يتم فيه بحث القضايا السياسية والاقتصادية ومن أبرزها قضية الهوية والمواطنة، وأن يتم تفويض حضور المؤتمر تفويضاً شعبيا رسمياً من الشعب مباشرة لا بأسلوب التعيين والاختيار الانتقائي والمزاجي.

وختاماً وفي ظل وجود الاحتقان (الديجتالي) أو الاحتقان الذي يصدر في مناسبات سياسية كجلسات مجلس النواب المسرحية أو بعض تصريحات الجاهلية الإقليمية نلجأ في العادة إلى مواساة أنفسنا باستحضار كل ما جمع بيننا من ذكر الشهداء والبطولات والمواقف والتضامن والتعاون والتوافق والعلاقات والمحبة والتقدير والمصير المشترك والمصير غير المشترك والتاريخ المشترك والتاريخ غير المشترك والثقافة المشتركة والطعام والشراب والتقاليد والعادات المشتركة وننسى الشيء الأهم والذي يغنينا عن كل ما ذكر أعلاه ألا وهو أننا الآن وفي هذه اللحظات التي أطبع فيها هذه الكلمات نحن نتعايش مع بعضنا البعض ونحن تعايشنا منذ عقود فالحاضر الذي نعيشه الآن أكبر دليل على أننا نجحنا في هذا ولكن دائما المشاغبون في جلسات التعارف هم الأنجح في لفت انتباه الحضور.

إخواني في المواطنة الأردنية، لقد أكملت حديثي في حفلة التعارف والتي أتمنى أن تبدأ كحفلات لتقديم الحلول لا الشكوى والفضفضة. والآن دوركم فماذا ستقولون؟

*هذه عبارة حقوقها الملكية للمنتجة نادين طوقان. 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية