عن مؤتمر السلط

الأربعاء 22 آب 2012

بقلم تيسير الكلوب

يوم أمس صادف الذكرى السنوية الثانية والتسعون لمؤتمر السلط. ففي 21/8/1920 زار هربرت صموئيل المندوب السامي البريطاني في فلسطين مدينة السلط وبرفقته بعض الضباط السياسيين وخمسون حارساً، وأتت هذه الخطوة بناء على توجيهات وزارة الخارجية البريطانية التي طالبت بعدم دمج شرقي الأردن تحت الإدارة الفلسطينية خوفاً من إعطاء الوطنيين فرصة وقوة على بريطانيا للتحرك والتوحد ضدها، وبناء عليه تم إقرار توجيه عدد قليل من الضباط السياسيين ذوي الكفاءة إلى أماكن مثل السلط والكرك وعجلون شريطة أن لا يرافقهم أي تواجد عسكري لضمان سلامتهم وعدم استفزاز أهالي المنطقة، وكانت مهمتهم تشجيع الحكم الذاتي المحلي وإعطاء المشورة لأهالي البلاد والمساعدة في تشكيل هيئات البلديات والهيئات الإدارية في المناطق.

كانت السلط في ذلك الوقت إحدى أبرز المدن الأردنية بصفتها من أكثر المدن مدنية وإعماراً وسكّاناً، وكذلك كانت السلط مركز لواء البلقاء الذي كان يضم وقتها عمان والجيزة ومادبا أيضا، لذلك كان التوجه البريطاني بزيارة السلط.

عقد المؤتمر الذي كان مفتوحاً وحاشداً في ساحة كنيسة الروم الكاثوليك في وسط السلط، وحضره عدد كبير من أهالي وشيوخ ووجهاء البلاد باستثناء ممثلين عن منطقة الشمال والذين كانوا قد عقدوا اجتماعاً اختاروا فيه ممثليهم لحضور المؤتمر لكنهم رفضوا الاجتماع بهربرت صموئيل في السلط لأن قضاء عجلون أكبر مساحة وسكاناً من السلط، وطالبوا المندوب السامي بإرسال مندوب عنه لحضور مؤتمر في بلدة أم قيس، فكان بعدها عقد مؤتمر أم قيس الشهير في 2/9/1920.

ألقى هربرت صموئيل في مؤتمر السلط خطاباً باللغة الإنجليزية ترجم فوراً إلى اللغة العربية، وأبرز ما ذكر فيه:

-عدم رغبة بريطانيا في ضم وإلحاق الأردن بإدارة الاحتلال البريطاني لفلسطين وهذا يعني عدم شمولها بوعد بلفور.

-إعلان أن شرق الأردن أصبح ضمن النفوذ البريطاني بعد الاتفاق مع فرنسا.

تعمدت السياسة البريطانية تأسيس حكومات محلية في السلط وعجلون والكرك وعدم تأسيس حكومة مركزية وذلك لاجتناب تأثير حركة التحرر الوطنية السورية والمحلية التي كانت نشطة في تلك الفترة، وقد برر هربرت صموئيل ذلك وقتها بأن الأهالي لم يكونوا على استعداد تام ليتحدوا في شكل حكومة محلية في شرقي الأردن.

عاب على مؤتمر السلط ومؤتمر أم قيس وتشكيل الحكومات المحلية وقتها وجود خلافات بين قيادات الألوية الثلاث حوران والبلقاء والكرك في شرق الأردن عززها سلوك وتوجيهات القيادات البريطانية المحلية التي دفعت باتجاه تعزيز السياسية البريطانية الاستعمارية التاريخية فرق تسد.

مؤتمر السلط يعتبر أول خطوة فعلية وحقيقية لتشكيل إمارة شرق الأردن، وهذه الخطوة سبقت الاعتراف الرسمي البريطاني بإمارة شرق الأردن بسنين وكانت قبل وصول الأمير عبد الله إلى معان بأشهر، وهذا دليل على وجود حراك وطني سياسي على هذه الأرض يملك رؤية سياسية ويعرف ما يريد، بل ويحمل نبض الأمة في داخله ووعياً بضرورة أخذ دور إيجابي في بناء مؤسسات حديثة ديموقراطية وخصوصاً بعد حالة الفوضى التي سادت بلاد الشام إثر انهيار الحكم الفيصلي في سوريا بعد الاحتلال الفرنسي، فكانت المبادرة من أبناء شرق الأردن الذي يمتلكون وعياً سياسياً ووطنياً وقومياً، ولم يكونوا كما ركزت بعض كتب التاريخ مجرد مشاهدين لأحداث تأسيس إمارة شرق الأردن أو المملكة الأردنية الهاشمية وسرقة فلسطين أو غير مؤهلين أو ينقصهم وعي سياسي كما يتردد الآن كذريعة لما يسمى بالتدرج بالإصلاح.

تجاهل التاريخ لم يكن إلا معززاً للخطاب الصهيوني بأن شرق الأردن هو أرض بلا شعب وتعزيز مفهوم الوصاية على الشعب وإفقاده ثقته التاريخية والحاضرة  بأنه قادر ومؤهل لأن يكون مصدرا للسلطات.

ملاحظة: نقلت المعلومات بتصرف عن كتاب الدكتور عصام السعدي تاريخ الحركة الوطنية.

مرفق في الأسفل صور للمؤتمر كما هي موجودة في مكتبة الكونجرس الأمريكي

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية