ليلى مراد ومقاومة التطبيع

الأربعاء 19 أيلول 2012

على العكس من الطرق الأردنية الداخلية التي تزيّنها الحفر والمطبّات، فإن الطريق من تل أبيب إلى عمّان كان ممهّداً وسلساً على الدوام، يعبره مسؤولون صهاينة من على جانبي الحدود جيئة وذهاباً بسهولة، في طريقهم من وإلى اجتماعات تنسيقية.

مؤخراً ازدحم السير على هذا الطريق، عندما استقل أربعون إسرائيلياً الباص إلى عمّان لحضور حفل الفرقة اللبنانية “مشروع ليلى” الأسبوع الماضي، وقضوا عطلتهم في مقاهي جبل عمّان وهم يتحدثون بالعبرية وبصوت عالٍ، صادمين بذلك روادها العمّانيين الذين كان استيائهم واضحاً جداً من خلال النظرات المشمئزة التي كانوا يلقونها عليهم  بأطراف أعينهم.

كنت جالسةً في واحدة من تلك المقاهي مع صديقة من الناصرة. كانت صديقتي منزعجة من المشهد؛ ذلك المشهد التي أكدت أنه لا يمكن أن يحدث في رام الله مثلاً حيث لا يجرؤ الإسرائيليون على التحدث بالعبرية بكل هذه “البجاحة” في الأماكن العامة، وسألتني: “كيف صار هذا الأمر مقبولاً في عمّان؟” التقط أحد العاملين في المقهى أطرافاً من الحديث  فكانت تلك فرصته  ليشتكي إلينا انزعاجه من وجود هؤلاء، فيما ظهرت عليه الحيرة تجاه الطريقة التي عليه أن يتصرف بها في مواجهة تحوّل مكان عمله إلى “أراضٍ محتلة”.

لكن ما أزعجني أكثر كان حقيقة أن رحلة الإسرائيليين “الترفيهية” هذه قد تم تنظيمها من قبل شخص فلسطيني من حيفا، بقي مصرّاً على موقفه على الرغم من النداءات الكثيرة التي وجهها له نشطاء أردنيون مقاومون للتطبيع، وآخرون فلسطينيون من حيفا، طالبوه من خلالها ألا يساهم في تسهيل التطبيع والترويج له. كانت حجة المنظم أن هؤلاء الإسرائيليين هم “يساريون راديكاليون” و”مناهضون للصهيونية”، ولا بديل لديهم عن العيش في “إسرائيل”، حتى أن بعضهم رفض الخدمة في الجيش “الإسرائيلي” (لاحظوا، بعضهم وليس جميعهم!).

أما الـ DJ الاسرائيلي الذي كان سيشارك في حفلة لاحقة تنظمها هذه المجموعة في عمّان لاستكمال السهرة، فقد رد على نداءات هؤلاء النشطاء عبر رسالة على صفحته الشخصية على الفيسبوك عن جذوره العربية وجدته المصرية التي تكون ابنة عم الممثلة الشهيرة ليلى مراد، وكأن هذا النسب يعفيه من أي تواطؤ. (بالمناسبة: ألغيت هذه الحفلة بعد أن مارس نشطاء أردنيون ضغوطاً على المكان  الذي كان من المفترض أن يستضيفهم وعلى الفرقة المحلية التي كانت ستشارك معهم).

ماذا تعني مناهضة الصهيونية لمن وُلد إسرائيلياً أساساً؟

إن تعريف الشخص لنفسه على أنه “إسرائيلي” – أي أن يتبنى هوية الاستعمار الاستيطاني على أنها هويته الذاتية – هو بحد ذاته قبول بالصهيونية، وحتى يكون مثل هؤلاء الأشخاص “اليساريين الراديكاليين” وامثالهم مناهضين حقاً للصهيونية فعليهم أولاً أن يعترفوا بأن وجودهم على ارض فلسطين هو وجود استعماري استيطاني وظيفي متعلق حتماً بالمشروع الصهيوني، وعليهم ثانياً أن ينخرطوا في نضال فعلي لرفض هذا الامتياز/الهوية/الوجود و كل ما نتج عنه.

لو كان هناك حقاً أشخاص مناهضون للصهيونية في “إسرائيل” (والحديث هنا ليس عن فلسطينيي الـ48 بالطبع)، فالمفروض أنهم يفهمون سلفاً مغزى وأهمية مقاومة التطبيع ويتبنّون أبجدياتها. المفروض أنهم يفهمون سلفاً التبعات السياسية لوجود “إسرائيليين” يلعبون دور السياح في الأردن، واستيعاب فكرة أن لا جدوى من مقاومة التطبيع إن كنا سنسير في طريق الاستثناءات المليء بالألغام. وفوق كل ذلك، على “مناهضي الصهيونية” المزعومين هؤلاء أن يكونوا على درجة من الوعي تجعلهم يدركون بديهياً أن بمقاومة التطبيع وكل ما يتعلق به أهم بكثير من القيام برحلة ترفيهية لمشاهدة فرقة لبنانية “كوول” وشرب البيرة على بلكونة مطّلة على آثار قلعة عمّان. إن كان هؤلاء لا يملكون القدرة على فهم هذه الأمور الأساسية، فهم – حقيقةً – ليسوا مناهضين للصهيونية.

نحن نقاوم التطبيع لأن تلك هي الطريقة الوحيدة لرفض معاهدة “السلام” التي فرضها علينا النظام الأردني. نحن نقاوم التطبيع لأن القبول به يعني أننا نقبل بإسرائيل كأمر واقع ودائم، وأننا نقبل تحوّل الفلسطينيين إلى مجرد مجموعة أخرى من مجموعات السكان الاصليين التي مسحها الاستعمار الاستيطاني عن وجه التاريخ، مثل السكان الأصليين لأمريكا وأستراليا، الذين يعانون حتى اليوم من شتى أنواع التمييز العنصري والتهميش الاقتصادي.

هل يميل عدد السياح الإسرائيليين في عمّان فعلاً إلى الازدياد؟ انطباعي الشخصي هو: “نعم”، لكن محاولتي الحصول على إحصائيات رسمية لم تكشف شيئاً باستثناء أن هذه “ليست معلومات عامة”، بحسب قسم العلاقات العامة لمديرية الحدود والإقامة التابعة للأمن العام، وهي الدائرة المعنية بجمع هذه المعلومات.

ما العمل إذاً؟

لقد اعتاد نشطاء مقاومة التطبيع على التعامل مع الفعاليات التطبيعية الكبيرة، والتطبيع الذي يحصل على مستوى المؤسسات، لكن السياحة الفردية هي أمر مختلف تماماً. ربما يساعد التنسيق مع نشطاء من فلسطينيي الـ48 على الضغط على الفلسطينيين في الداخل ممن يسهلون السياحة الإسرائيلية إلى الأردن. لكن هذا لا يكفي. هناك اقتراح يتعلق بضرورة أن تقوم المحال والمطاعم برفض تقديم الخدمة إلى الاسرائيليين (وهو أمر حصل مراراً في السابق). مثل هذا الرفض سيوضح للإسرائيليين أنهم ليسوا محل ترحيب هنا، بغض النظر عن معاهدة “السلام” التي وقعتها الحكومة الأردنية “على راسها”، وما هي إلا مجرد حبر على ورق بالنسبة للأغلبية الكاسحة من الشعب.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية