شغف الأردنيين للتعلم

الأحد 02 أيلول 2012

بقلم تيسير الكلوب

خمسون عاماً تمر اليوم على تأسيس الجامعة الأردنية، “شغف الأردنيين للتعلم” كما وصفها رئيس الجامعة السابق الدكتور خالد الكركي. خمسون عاماً تمر على اختيار رئيس الوزراء وصفي التل موقع مستنبت وزارة الزراعة ليستفاد منه في تأسيس كلية للزراعة تساهم في تطوير القطاع الزراعي وليكون اليوم موقعاً للمستنبت العلمي الذي سمي بالجامعة الأردنية.

في مثل هذا اليوم أصدر الملك حسين قرار تأسيس الجامعة الأردنية، وبعد مئة يوم من هذا القرار بدأ التدريس في الجامعة وعيّن لها مجلس أمناء مستقل، وكانت قاعدة وصفي التل رفض التدخل في الجامعة الأردنية فلم يعيّن نفسه في مجلس الأمناء ولم يعين أحداً من جانبه حتى وزير التربية والتعليم معالي ابراهيم القطان والذي كان له دور في تأسيس الجامعة، فكان دولة سمير الرفاعي أول رئيس لمجلس الأمناء، وبقي الحال هكذا لعشر سنوات قبل أن تبدأ الحكومة بالتدخل في تعيينات مجلس أمناء الجامعة الأردنية.

العلامة ناصر الدين الأسد الذي كان أول رئيس للجامعة الأردنية يذكر أن النقطة الرابعة‪،‬ وهي جهاز أمريكي استخباراتي،‪كان ‬ يعمل على وضع العراقيل في وجه تأسيس الجامعة الأردنية وأن مدير تلك النقطة قد طلب شخصياً أن يتوقف العمل على تأسيس الجامعة، الأمر الذي دفع الأسد لمقابلة الملك حسين ووضعه بصورة العراقيل بيد أن الملك حسين رحمه الله قال له “لا تلتفت لأحد وعلاقتك منذ اليوم هي معي شخصياً والجامعة ستبدأ هذا العام ولن يثنيني عن ذلك كائن من كان” ويضيف الأسد بأن الجامعة قامت رغم كل الصعوبات بإرادة الملك ورئيس وزارئه وصفي التل الذي كان يرى الحاجة في أن يصبح للأردنيين جامعة يدرسون بها بعد أن كان أغلبهم يسافر إلى مصر ودمشق ولبنان للدراسة الجامعية، ويذكر هنا الدكتور عبد الله نقرش أن وصفي التل وظف الجيش الأردني في بناء الجامعة الأردنية.‪
‬
بدأت الجامعة الأردنية بكلية واحدة هي كلية الآداب وكان عدد الطلاب 167 طالباً وطالبة. وقال الملك حسين في يوم الافتتاح الذي كان فيه أول شخص تمنحه الجامعة الأردنية درجة علمية: “وانطلقت كلماتي حارة مؤمنة تعلن باسم الاسرة الاردنية الواحدة تاسيس الجامعة الاردنية في‪ ‬الاردن الغـــــالي في اليوم الثاني من أيلول عام 1962م ، وهأنذا وبحمد الله اعيش لأشهــــد هذا الاحتفال الباسم بافتتاح الجامعة الغالية، وأسعد بأن أحمل شهادتها والبس رداءها وشارتها فألف حمدٍ للعلي القادر على كل ما انعم وقدر”، وتضم اليوم في جنباتها عشرات الكليات وأكثر من أربعين ألف طالب ولها فرع في مدينة العقبة.

اليوبيل الذهبي يمر ليحكي قصص الحركة الطلابية الشبابية التي ولدت في رحم حرم الجامعة، الذي كان يدق مع نبض الأمة وينزف مع جروحها سواء في فلسطين أو لبنان أو العراق، فعندما لم يخرج أحد احتجاجاً في بعض المناسبات والأحداث كان طلاب وطالبات الجامعة الأردنية يخرجون لا يأبهون بما ينتظرهم من قرارات فصل أو اعتقال. ويذكر التاريخ عندما خرج طلاب الجامعة الأردنية مع الشعب الأردني في هبة نيسان، وعندما تحول ملعبها الكبير إلى ساحة لتدريب الجيش الشعبي إبان الغزو الأمريكي على العراق في حرب الخليج عام 1990. ويذكر التاريخ عن الطلاب الذين كانوا في يوم الأحد جالسين في قاعة المحاضرة مع زملائهم وفي يوم الإثنين سقطوا شهداء في أرض فلسطين كحال مروان عردنس. كيف لا والقدس ما زالت صورتها حاضرة على شعار الجامعة؟ ومن عاش ودرس في الجامعة الأردنية سيجد أن لحرمها الجامعي روح تنتفض لوطنها وأمتها، فعندما كان الشارع الأردني ساكناً خرج طلاب الجامعة يرفضون غلاء الأسعار ويحاربون القبضة الأمنية على مدرسيها وطلابها وحريتها، هذه القبضة التي ما كانت سوى عثرة أمام نهوض الجامعة واستمرار رسالتها العلمية، واليوم ومع تحرر الجامعة منها بدأ الإبداع يعود لشوارعها، وبدأ الطلاب يعودون شعلة نشاط وخير.

الجامعة الأردنية هي روح الأردن، ونبع شبابه المعطاء والمنتج، ترفده سنويا بآلاف الخريجين في مختلف المجالات، وليس هذا فحسب فهي تهب من منّ الله عليه بالدراسة فيها أن يرى المجتمع الأردني بكل أطيافه، فتنوع الطلاب فيها كالفسيفساء يهبك خبرة لن تنالها في أي مكان آخر، وخبرة النشاط اللامنهجي فيها لا تقل عن الخبرة الأكاديمية، فأنا مثلا تخرجت من الجامعة بشهادة في الهندسة لأعمل مهندساً في الشركات الهندسية وأيضا تخرجت من الجامعة بشهادة ثانية لأعمل إنساناً في الحياة.

بدأت إدارة الجامعة أخيراً بوضع أهداف لها أبرزها أن تصبح الجامعة من أفضل خمسمئة جامعة في العالم وزيادة الاهتمام بالبحث العلمي المظلوم، واستعادة مستوى التدريس والتعليم فيها والذي أضر به زيادة أعداد الطلاب وأسس قبولهم، وأما عن العنف الجامعي فهو الأرق الذي لا يرحل والكابوس الذي لا يتوقف ولكن آمل أن تنجح الاستراتيجية التي وضعت مؤخرا لمواجهة العنف الجامعي في الحد منه.

وبهذه المناسبة الذهبية أدعو طلاب الجامعة الأردنية ممن تخرج أو من لا زال طالباً، أن يشارك في حملة تدوين هذا الأسبوع لنتحدث عن جامعتنا الأم فنحكي الحب والعواطف تجاهها والأحلام والآمال المعقودة فيها، والخوف والحرص عليها، وحكاياتنا وذكرياتنا فيها.

الجامعة الأردنية استمدت اسمها من اسم الأردن، وهذا ما خطه الشاعر حيدر محمود في نشيد الجامعة:

المنى عندنا ثوبها اخضر
باسم أردننا اسمها يكبر
فهي رايته وعباءته
وهي شمس غد وبشارته
وهي عيد العلى ونشيد الاباء
ولمحرابها ينتمي الاوفياء
حول رايتها كلنا نلتقي
لنمر الى غدنا المشرق
قد بنينا لها في العيون وطن
وحلفنا لها ان يعيش الوطن
من ذرى مجدها ينهل العلماء
وعلى زندها يتسامى العطاء
فمنابعها راحة للهدى
ومرابعها قلعة للفداء
ساطع فجرها من ثنايا الحروف
خالد ذكرها في ضمير السيوف
عز منتسب لحماها انتسب
و حماها لنا و لكل العرب
والمنى عندنا ثوبها اخضر
باسم اردننا اسمها يكبر

أنا أفتخر جامعتي أنني من أبنائك الطلبة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية