رولا قواس vs أمجد قورشة

الإثنين 03 كانون الأول 2012

بقلم محمد زيدان

لطالما شعرت بأهمية أن نعيش في مكان يكون الناس فيه قادرين على تقبل الآخرين واحتضان الاختلاف. مكان لا يشعر فيه الناس بخوف من معارضةٍ أو مداخلة في الاتجاه المعاكس، بيئة تراني إنسانًا لا هدفًا جاهزًا لممارسة هواية إطلاق الأحكام وتصنيف الناس، بناء على صورة أو مقولة. عندما شاهدت الفيديو (هذه خصوصيتي) أول ما نشر على اليوتيوب، لم أعره اهتمامًا كبيرًا .أعرف أن مشكلة التحرش الجنسي والمعاكسة في مجتمع الأردنية ظاهرة مؤذية لنا جميعًا، ورأيت أنّ لهؤلاء البنات حقّا في التعبير عن وجهة نظرهن بالطريقة التي يرونها مناسبة. هذا المشروع كان جزءًا من عدة مشاريع قدمت للدكتورة رولا قواس، وهي الأستاذة الجامعية المعروفة بتبنيها للآراء النسوية، التي قد يصفها البعض بالتطرف، ولكنها معروفة في الوقت نفسه بأنها أكاديمية ذات باع طويل واحترام كبير على المستوى العربي والدولي. وهي متحدثة قوية وصاحبة حجة صلبة ولسان لاذع كذلك، ولكنها كذلك تتحلى بالأخلاق الطيبة والسمعة الممتازة على المستوى المهني وعلى مستوى العلاقات الشخصية داخل الجامعة وخارجها.

الفيديو، اشتمل على ألفاظ مخجلة، تسمعها البنت كل يوم في شوارعنا، وفي جامعاتنا، ولا تخجل منها آذان الشباب والرجال الذين يمشون بجانبها، ولكي يتجنب هذا الرجل لوم نفسه على تقصيره في الدفاع عن هذه البنت، فإنه يتهمها بأنها مقصرة في ستر نفسها، ويستغفر الله في نفسه ويدعو للجميع بالهداية، بل ويقول، “الله يعينه هالشاب! شو بده يحكي لما يشوف هيك مناظر”.

لم يرقني الفيديو، إخراجه كان ضعيفًا للغاية، وبعض الألفاظ التي تم اختيارها مستفزّة بشكل مقصود، وهذا واضح من منهجية تعامل هذه المجموعة من الطلاب مع القضية. إذ إنهم يرون أنّه لا بدّ من توجيه ضربة في العمق في وعي المشاهد كي تتشكل عنده حالة من الانزعاج التي قد تدفعه للتفكير في الموضوع، سلبًا أو إيجابًا. الواضح عندنا أن الفيديو أثار موجة سلبية من ردّات الفعل، وهذا شيء متوقع، بل ومطلوب ربما في فلسفة هؤلاء الطلاب.

فعل الاحتجاج فعل طبيعي وصحّي. إلا أنّ الاحتجاج الذي قدمته هذه المجموعة من الطلبة، هو احتجاج  مشروع، يهدف إلى بيان حالة معروفة في مجتمعنا من التحرش بالبنت، لفظيا وجسديا، وإلقاء اللوم عليها لأنها غير محجبة أو لأنها لا تلبس الجلباب أو تلبس بنطالًا ضيقًا. أما ما فعله أمجد قورشة في الجامعة الأردنية، وهو الدكتور المعروف كذلك بلسانه اللاذع وهمجيته في الكلام، وعدم حساسيته اللغوية، فهو دعوة لتكميم أفواه وتقييد حريات، وتأكيد على نهج التعبئة والتجييش الذي لا يتقن، مع كل أسف، الكثير منّا سواه، خاصة من الدعاة أو الإسلاميين الذين يعتمدون في كثير من الأحيان على سلطة الأغلبية والعاطفة الدينية الساذجة، التي لا تأتي بالضرورة بالخير كله.

يقول قورشة نفسه في لقاء على إحدى القنوات، إنه لم يعلم بالأمر إلا قبل يوم واحد من الوقفة الاحتجاجية!  أهذه هي الأكاديمية التي يدعيها قورشة؟ ألم يكن يجدر به وهو أستاذ في الجامعة، أن يتواصل مثلًا مع هذه الأستاذة؟ أن يستفهم الموضوع بشكل أكبر؟ ألم يكن يجدر به أن يفكر في أن الجامعة التي تطرد دكتورة بسبب رأي ما ستطرد أستاذًا آخر بسبب انتماء سياسي أو مقال خارج السرب؟

كان أجدر بأمجد قورشة أن لا يتزلّف لرئاسة الجامعة التي لا تسير بجامعتنا إلا إلى الحضيض، وأن يقف بدلًا من ذلك من أجل المطالبة بعدم التدخل في الحريات الأكاديمية في الجامعة، وأن يتم الاعتذار للأستاذة وإرجاعها لمنصبها في العمادة. أن يدافع قورشة، وهو الذي يقول دائمًا وأبدًا إنه عاش في الغرب ودرس في الغرب، عن حقّ الطلاب في العيش في بيئة آمنة، تسمح لهم بفعل شيء ذي معنى، غير الدخول كرها إلى المحاضرات المملة، والمشاركة في المشاجرات الغبية والجلوس من الصباح حتى المساء في ساحات الجامعة.

إن الذي يسيء إلى الأردن وسمعة الأردن هو أولًا الفساد السياسي الذي يحيق بنا من كل جانب، والذي ينعكس في قرارات الجامعة بعزل أستاذ دكتور بسبب فيديو لمجموعة من الطلاب في محاضرتها. الآخرون لن يفهموا الفيديو ولن يعيروه اهتمامًا كبيرًا، فهو في النهاية مجرد فيديو بسيط جدًا من مجموعة من الطالبات، وإنما سيفهمون التضييق على الحريات الإعلامية والدينية في بلادنا، تمامًا كما حصل قبل سنوات في مصر مع نصر حامد أبو زيد، وغيره من المفكرين والعلماء، بسبب رأي مخالف أو توجه سياسي معارض.

وما الفيديو المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم عنا ببعيد! الناس نسوا الفيديو الهابط، وتذكّروا الفعل الذي ينافسه هبوطًا في قتل من لا ذنب لهم فيه ولا شأن.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية