رسالة إلى خالد الناطور

الأحد 03 شباط 2013

‫مرحباً خالد،‬
‫أبعث لك هذه الرسالة من دفء بيتي في مساء خميس هادئ. أردت أن أقول لك يا خالد أنك بطل وحر، حتى لو لم تختر أنت ذلك. ‬أما نحن، فنحن الضعفاء والمختطفون، والضعيف والسجين لا يتذكر البطولة والحرية إلا عندما تفاجئه في مقطع حاسم من فيلم أو من خلال شخصية في مسلسل تاريخي، ولو كنا نرى ما تراه لرأينا البطولة الحقيقة وثمن الحرية التي لطالما ادعينا أننا ننادي بها. لقد خاننا وخانك ضعفنا.

‫لن أكذب عليك يا خالد، فنحن لم نفعل شيئاً من أجلك. ‬لم نتجمهر أمام سفارة الدولة التي خطفتك، ولم نشتم عواجيزها، ولم نقم الدنيا ونقعدها، ولم نفكر حتى في خطف مواطن من تلك الدولة لنبادله معك، ربما لأننا، وبكل صراحة، ننتظر دورنا للعمل فيها. لا لم يكن السبب هو الهدوء “التكتيكي” لتحسين فرص الإفراج عنك ولم نكن نعطي دولتنا “المحورية” الفرصة لتتصرف عبر القنوات الدبلوماسية، السبب ببساطة هو أننا ضحايا الاستبداد الاقتصادي في بلدنا نبحث عن لقمة العيش في الخليج. أما أنت فأنت ضحية الموقف: تكسب رزقك دون أن تساوم على حريتك بالتفكير وقول الحق، فكان أن ضرب المستبد الأولى بالأخيرة. سافرت وتعبت وسهرت الليالي من أجل الألف والألفين، ولم يعجبك أن اميراً منهم مات وثروته قدرت بالمليارات، فجاء دورك لتواجه جشع المستبد العربي، الجشع الذي لا يقتصر على نهب الثروات بل وسلب جميع حقوق من يعيش على مزرعته.

‫لقد بلغ الاستبداد العربي يا خالد، لا أن تُسحب منك الاقامة كما حصل مع من سبقك، ولا أن تطرد كمئات الالوف بجرة قلم  بسبب موقف سياسي من مستبد آخر، لقد بلغ الإستبداد العربي عابر الحدود أن يحاول تجريدك من حرية الكلام، حرية التحدث مع أصدقائك لا بل حتى مع نفسك، وبالقوة. اعتقلوك لأنك وأنت في بلدك الأردن شتمتهم! المستبد العربي نصب نفسه إلهاً تبلغ يده حد حلوقنا أين ما كنا. أنت لم تكن ذاهباً إليهم لتبيعهم الأسلحة في الصفقات الفاسدة، ولم تحمل لهم فقيرات العالم ليشبعوا شهواتهم، ولم تهرب المخدرات مع أقاربهم ولم تأخذ قرشاً واحداً منهم بغير حق. ذهبت لتعمل عملاً شريفاً فضاقوا بعزتك وايثارك، وبكلماتك، فجاء يوم حسابك.‬

‫لقد ظلمك وعيك يا صديقي، عندما ضقت ذرعاً بأمراءٍ ثروتهم بالملايين وأنت ترى الفقر في أوطاننا، ‬وعندما تعاطفت مع أخوة لك مظلومين ولم تأبه بأنهم  يحملون جنسيةً أو ديناً أو طائفةً مختلفة في البحرين وغيرها، تماماً مثلما استنشقت مسيل الدموع وأكلت الهراوات من أجل المظلومين في بلدك. ياه لو كنت بقرة في مزرعتهم كما يشتهون؛ تأكل الشوك المر والعلف وتبتسم، لتعصر بعضاً من الحليب تطعم بقليله أطفالها وينهب المستبد معظمه. لِمَ لم تكن فقير المعلومة غنيّ الجهل؟ لمَ لم تحقق “الحلم العربي”؟ لِمَ لم تكتف بالسيارة والزوجة والبيت والخادمة كأسمى أمانيك؟ لماذا أضفت الشرف والحرية لهذا الحلم؟  الحق عليك يا صديقي.

‫يقول البعض أنك كنت تعرف أنهم سيعتقلونك، أو كان عليك أن تعرف أنهم سيعتقلونك حتى قبل أن تكتب أو تنطق حرفاً تعرف أنه لن يعجبهم! ربما  كنت تعرف ولكنك أردت اختبار سخفهم. لو أنهم تركوك تمر، فقمت بعملك وعدت إلى وطنك، لما شكلت خطراً عليهم أو على مزرعتهم.، لما هددت كيانهم ونهبهم، لما منعتهم من أن يكونوا أولياء أمرنا واباءنا وآلهتنا، لم تكن لتؤثر عليهم بشيء. لكنه سخف الملوك يا خالد، الذين ظنوا ظلمهم طبيعة الهية وإفقارهم لنا حقاً وواقعاً، ونهبهم وخيانتهم تطوراً طبيعياً. أزعجتهم و استثرت مشاعرهم الحساسة لأنك تحدثت يوماً عن جثة أكلتها حشرات الأرض لتتحلل، فأرادوا تذكيرنا من خلالك أن سخفهم الذي لا يعرف حدود الجغرافيا ويدهم الالهية التي لا تعرف الحدود الاخلاقية والمنطقية قد تطالنا جميعاً. ماذا بعد النهب والترف والقصور والصقور والأبل والذهب يروي جشعهم إلا استعباد الإنسان؟ يريدون تخييط فم الطفل العربي في بطن أمه. ‬يريدوننا أن نختار عبودية استباقية قبل الحاجة المادية، فلعل موعد العمل عندهم ياتي فنخاف دفع ثمن حرية تشدقنا بها قبل أن ندرك حاجتنا للسيد. مفارقة كونية أو عدالة، في أن البقرة والحشرة والملك والأمير والشيخ والفقير كلهم تأكلهم كائنات الأرض. فهل جرح شعور تلك الجثة ومن اعتقلك بالنيابة عنها، أغلى من حريتك وحق أهلك وأحبائك برؤيتك؟ أنت يا خالد درسٌ لنا جميعاً ولأجيال لم تأت بعد. قضيتك ثمن الرأي والحرية، الثمن الذي تبين أننا لا نريد دفعه.

‫لا أعرف متى ستقرأ هذه الرسالة، ولا أعرف كم سيطول اعتقالك، لكن عملاً ببروتوكول الرسائل للمعتقلين السياسيين أريد أن اوافيك ببعض الأخبار لعلك تضحك. شاهين طلع من السجن، وراحت عليك انتخابات نيابية تحفة، وزادوا أسعار المحروقات في يوم ممطر أكثر من الرفعة السابقة. في أنفاق بعمان غرقت من مياه المطر وفي محاكمة لوليد الكردي، بتابعها من  لندن، على الأغلب وهو بضحك. تقريباً هاي كل الأخبار، الوضع مثل ما هو. ‬آه صحيح. الأسبوع الماضي كان عيد ميلاد جلالة الملك و”تبرع” بخمسة ملايين للأسر العفيفة وكان في السعودية قبل كم يوم ومن ثم في الكويت واجتمع مع جميع زعماء الخليج، فكرك جاب سيرتك؟ بمزح معك.

خالد، أنا آسف…

‫صديقك الضعيف،‬
‫الذي يتمنى فتح شركة في مزرعة من المزارع،‬
‫عبدالله‬

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية