الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية: “ساق البامبو” لسعود السنعوسي

الثلاثاء 23 نيسان 2013

(تحديث من المحرر: أعلن في أبو ظبي مساء اليوم الثلاثاء عن فوز رواية ساق البامبو للكاتب سعود السنعوسي بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) وذلك في حفل ضمن افتتاح مهرجان أبو ظبي الدولي للكتاب. وتبلغ قيمة الجائزة خمسين ألف دولار أمريكي)

مراجعة ريما الصيفي

“علاقتك بالأشياء مرهونة بمدى فهمك لها” مقولة اسماعيل فهد اسماعيل والتي استشهد بها سعود السنعوسي – الصحفي الروائي المولود عام 1981 –  ليوطئ بها لروايته الثانية “ساق البامبو” و التي أتت بعد “سجين المرايا”  ومجموعاته القصصية وصارت أول عمل كويتي يتم اختياره ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر” لعام 2013.

ما أن تقلب الصفحة الأولى حتى تجد ما يعيدك لتفحص الغلاف مرة أخرى حيث يواجهك غلاف داخلي  يحمل عنوان  “ساق البامبو ” لهوزيه ميندوزا وترجمة ابراهيم سالم وتدقيق لغوي لخولة راشد يوهمنا الراوي بأنها سيرة ذاتية كتبها ميندوزا حتى أنه يخضعها لتوطئة المترجم ولمدقق  وإهداء لشخصيات هم في نفس الوقت شخوص في الرواية.

لمحة عامة

يبدأ الكاتب الوهمي  بسرد قصته بدءاً باسمه هوزيه، جوزيه وخوسيه وعيسى لنستشف من الاسم أزمة هوية ترافقه في رحلته للبحث عن الذات عن الوطن والانتماء والاعتقاد.  يختار السنعوسي اسم عيسى لبطل روايته بأجزائها الست التي بدأ كل جزء منها باسم عيسى ومراحل رحلته. فيبدأ بجزء “عيسى قبل الميلاد” يروي فيه ظروف عائلة أمه الفلبينية ورحلتها إلى الكويت ولقائها بوالده. ويليه جزء “عيسى… بعد الميلاد” ويروي فيه ميلاد عيسى في الكويت، فالتيه الأول الذي يحكي فيه قصته في الفلبين والتيه الثاني يحكي فيه عودته للكويت حتى يصبح عيسى على هامش وطن في الجزء الخامس ويلتفت عيسى إلى الوراء في الجزء الأخير. هكذا يعطي السنعوسي روايته سمة توراتية واسما لشخصيته الرئيسة يتوحد فيه المسلم والمسيحي. وللتأكيد على حضور الفلبين في نفس الشخصية الرئيسة -الراوي لقصته – يستشهد عيسى بمقولات ملهمة ترفض الاستبداد ل(خوسيه ريزال) بطل الفلبين القومي في مقاومة الاستعمار الاسباني لترافق رحلته في كل جزء.

أحداث وشخوص

نتعرف على ظروف أسرة جد عيسى ميندوزا المدمن على مصارعة الديوك  وأسباب سفر أمه جوزافين للعمل كخادمة وخالته آيدا المومس السابقة وإدمانها للحشيش وكرهها للرجال وكيف ثارت على أبيها وأبت أن يكون مصير أمه مثلها. وتخبره أمه قصة زواجها بأبيه راشد المثقف الرافض لقسوة أسرة الطاروف العريقة، الذي وإن كان قد أذعن لرغبة أهله فهو لم يتخلى عنه وعندما يحين الوقت سيعيده إلى الكويت “الجنة” كما صورتها له. تخبره عن رسائل راشد إليه بعد الميلاد رغم زواجه من أخرى، حتى انقطاعها من المصروف إبان حرب الخليج الثانية.

نرافق هوزيه في تيه عيسى الأول في الفلبين وتقاليدها وأساطيرها وأبطالها من خلال رحلته في تحري هويته الأولى وبحثه عن دين يرتضيه.  يختبرضيق الحال والفقر وقسوة جده وعطف خالته عند زواج أمه بآخر ورحيلها للعمل في البحرين. نتعرف على ميرلا التي حملت بها آيدا سفاحا من سائح أوروبي. ولتكون ميرلا أمل هوزيه مع آنها ترفضه لأنه رجل، وتكون رمزاً يرفض استبداد الرجال بالنساء واستعمار الغرب للشرق. فهي ما يربطه في الفلبين وما يخيفه فيها وحلمه الدائم. يلقى شباباً من الكويت في منتجعات جزيرة بوراكاي ويخبرهم قصته، فيحذره أحدهم من الرحيل للكويت. إلا أنهم صاروا الكويت بنظره.

يبدأ عيسى تيهه الثاني عند وفاة جده وورود أخبار من الكويت عن وفاة والده الذي أسر في العراق خلال حرب الخليج الثانية حيث يبعث بطلبه صديق أبيه غسان. يصل عيسى الكويت يوم وفاة أميرها وتنمو بينه وبين باباغسان صداقة ويتعرف على “البدون” ومأساتهم.  ونلمس قسوة المجتمع عند لقائه بأسرة الطاروف وأخته خولة وجدته المتطيرة ماما غنيمة وعماته اللواتي يخشين الفضيحة مع أن هند أصغرهن ناشطة في مجال حقوق الانسان. نتعرف كيف يصبح المرء أسير جلدته عندما تستضيفه الأسرة على مضض تحت ضغط خولة في ملحق البيت المخصص للخدم. كما نتعرف على حياة الخدم  “يعاملوننا على أننا لا نشعر ولا نفهم” ولا يتقرب عيسى من جدته إلا عندما يبدأ بتدليك قدميها فتصبح علاقته بها كما كانت بميندوزا و الذي كان يناديه “هوزيه هوزيه ” ففي الكويت يأتي صوت من غرفة ماما عزيزة ينادي “عيسى عيسى”.

“شيء معقد ما فهمته في بلاد أبي. كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى منها تمتطيها، وإن اضطرت لخلقها، تعلو فوق أكتافها، تحتقرها وتتخفف بواسطتها من الضغط الذي تسببه الطبقة الأعلى فوق أكتافها هي الأخرى.”

لم يجد عيسى مفراً من ترك بيت جده ويقرر أن بيت الطاروف ليس الكويت. يختبر عيسى حياة الكويتي ببشرة الوافدين ويسكن عمارات العمال ويذهب لمناسبات جيرانه الفلبينيين ويتعرض للاعتقال حين ينسى أوراقه ويواجهه استغلال الوافدين وتسليعهم ويدرك انه على هامش وطن.

“حاولت أن اختزل وطني في أشخاص أحبهم فيه. ولكن الوطن في داخلهم خذلني.”

المكان وأزمة الانتماء والدين

يبقى المكان بتفاصيله وتاريخه حاضراً  في الرواية بقصصه وتقاليد أهله والأساطير التي تلاحق الأحداث فمن الرائحة العفنة التي تصدر من سيل المجاري في أرض ميندوزا والذي يفصل بين دار أمه وخالته من جهة وكوخ جده من الجهة الأخرى، وحتى اشجار المانجا والموز والبامبو والماء والخضرة، وحتى برج الإرسال الذي أقيم في تلك الأرض بالإضافة إلى وسائل نقل وملامح الفلبينيين. حتى نصل إلى الكويت بنفس يوم موت أميرها والجو العام وأشكال الناس ولباسهم بالإضافة إلى مناخ الكويت وبردها و صحرائها وسياراتها الفارهة ومولاتها و حتى برج الارسال الذي لاحق بقعة عيسى المحببة.

“لو كنت مثل شجرة البامبو لا انتماء لها، تقتطع جزءاً من ساقها ..تغرسه بلا جذور في أي أرض لا يلبث الساق طويلاً حتى تنبت له جذور جديدة. ” هكذا لخص عيسى  أمنيته،  لكن للبشر تصنيفاتهم فهو العربي في الفلبين والفلبيني في الكويت. ابن شرعي لخادمة فلبينية ومثقف كويتي، ترفضه أسرة والده العريقة على رأسها ماما غنيمة وعماته ويعتبره جده ميندوزا في الفلبين نقمة.

في الفلبين يتعرف عيسى إلى الديانة المسيحية التي تدفعه نحوها خالته ويدفعه فضوله لمعرفة البوذية، كما تدفعه أمه للتعرف إلى الإسلام دين والده والذي لا يتعرف على تعاليمه إلا ان  يصل إلى الكويت. ونرى عيسى وإن تأزم في الأماكن والثقافات إلا انه اختار ما ارتضاه من كل ديانة فقد خلص إلى أن “الأديان أعظم من معتنقيها”.

كلمة أخيرة

قدمت الرواية مادة جيدة  للقراءة من حيث غنى الأحداث وسلاسة السرد ولغتها البسيطة وإن كانت رتيبة في بعض الأوقات إلا أن السنعوسي عوض عن بعض الرتابة  بتسخير الرمزية لخدمة النص كما أجزل علينا في وصف الأماكن والشخوص ما مكننا من الرؤية واللمس وحتى الشم خاصة في الفلبين حيث أثرى المكان بقصص وأساطير جعلته حاضرا بروحه في مخيلتنا وإن لم يبدُ نفس المقدار الوصفي حاضراً في الكويت  –إلا أنه نجح في جعل المكان شخصا رئيسا في الرواية.

نجحت الرواية في توجيه نقد لاذع للمجتمع الكويتي  من خلال التعريف بحال الوافدين والطبقية والمادية والفساد في المجتمع الكويتي  كما أن السنعوسي تلمس قضية البدون وهي قضية شائكة في الكويت. ونجح السنعوسي بتعرّية حقيقة العوز والفقروالجهل في الفلبين وقدم صوراً عدة لاستغلال وتسليع البشر.

لا أخفي أنني توقعت أن تأخذ الرواية منحى أجرأ أو أكثر حميمية لاختيار السنعوسي “هوزيه “ليكون المؤلف الوهمي، إلا أن هذا الاختيار ربما قيده أكثر أو كان تعليلاً مقصوداً لتقييده – حيث نجد الشخصيات الكويتية في كثير من المواقف أقرب للانهزامية وتفتقد لبعض العمق الدرامي.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية