العنف الجامعي في الإعلام: تحليلات جاهزة لحدث مجهول

الأربعاء 10 نيسان 2013

رصد سوسن زايدة

منذ وقوع أحداث العنف في جامعة مؤتة قبل أسبوعين نشرت الصحف والمواقع الإخبارية أكثر من ثلاثين مقالا وضعفها من تقارير إخبارية، تحلل وتعرض أسباب وحلول لظاهرة العنف في الجامعات الأردنية بشكل عام. اهتمام إعلامي تصاعد بعد مقتل طالب نتيجة أحداث العنف الأخيرة في مؤتة.

قدمت وسائل الإعلام لجمهورها عشرات التحليلات الجاهزة والمكررة كلما وقعت أحداث عنف في الجامعات الأردنية. لكنها، وكما في كل حادثة شبيهة، لم توضح ما حدث ولم تجب على أسئلة القراء: ما هي خلفية المشاجرة والمتورطين فيها‪؟‬ ما الأسلحة التي استخدمت وتضاربت فيها الأنباء، عصي وحجارة أم رصاص حي؟ والأهم ما مصير المتورطين فيها وما الاجراءات التي اتخذتها الجهات المعنية من الجامعة والحكومة؟ وإلى أين وصل التحقيق في مقتل الطالب أسامة الدهيسات ومن المسؤول؟ كما لم نعلم لغاية الآن نتائج التحقيق في مقتل شاب من نفس الجامعة على إثر تلقية طعنات من زميل له خلال مشاجرة وقعت قبل شهرين.

جميعها أسئلة تبقى بلا إجابات كلما وقعت أحداث عنف في الجامعات الأردنية. وجميعها معلومات يبحث عنها القراء في الإعلام، كما يبحثون عن الآراء والتحليلات الجاهزة، لفهم الأحداث والخروج بآراء ومواقف خاصة بكل قارئ.

كل ما أمكن جمعه من معلومات فيما يقارب مئة مادة صحفية يتلخص في أن مشاجرة وقعت بين طلاب في جامعة مؤتة، على خلفية نتائج انتخابات اتحاد طلبة الجامعة، استخدموا فيها العصي والحجارة وأسلحة وألعاب نارية، وأسفر عنها مقتل الطالب أسامة الدهيسات نتيجة تضخم عضلة القلب بسبب سيرة مرضية سابقة، بالإضافة إلى أضرار في ممتلكات الجامعة وإحراق سيارات وتكسير محلات مجاورة، وتدخلت قوات الدرك لفض المشاجرة بالعصي والغاز المسيل للدموع. تلا الحادثة اعتقال بعض الطلاب، تغيير رئيس الجامعة، وقف الدوام فيها ليومين، اجتماعات إدارية في الجامعة وعشائرية في الكرك والطفيلة، تصريحات حكومية ونيابية، وقفات احتجاجية وبيانات شجب واستنكار من عشائر وحراكات طلابية وأحزاب سياسية.

طلاب جامعة مؤتة، أصحاب العلاقة المباشرة في القضية وشهود العيان في الأحداث، لا صوت لهم في التقارير الصحفية التي تناولت أحداث العنف، لم يتم سؤال أي منهم عما جرى وعن آرائهم وتفسيراتهم للأحداث ومقترحاتهم لحل القضية.

عشرات التحليلات، الأسباب، النتائج والحلول قدمها الكتاب في أعمدة الرأي والمختصون والناشطون في التقارير الإخبارية. أبرزها وأكثرها تكرارا كان الضياع والفراغ والحاجة لاثبات الذات، الضيق الاقتصادي والاجتماعي وفراغ الجامعات من النشاطات، سياسة التعليم، المتورطون في المشاجرات لم تتم محاسبتهم، طرف خفي في أحداث عنف الجامعات يريد عمداً خلط العشائر بالعشائرية، ﻋﻤﻞ ﻣﻤﻨهج ﺣﻜﻮﻣﻲ ﻹﻓﺮاغ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﻘﻼً ﻟﻠﻌﻤﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ، واﺳﺘﺒﺪاﻟها ﺑﺘﻌﺰﻳﺰ اﻟﺼﺮاﻋﺎت اﻟﻌﺸﺎﺋﺮﻳﺔ، إدارات اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺪﻳﺮ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ﻋﻠﻰ ﻧﻈﺎم “اﻟﺠﺎھﺎت”، تدخل اﻟﻨﻮاب وﺿﻐﻮطﺎﺗهم لمنع إﻧﻔﺎذ اﻟﻘﺎﻧﻮن، ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت إﻟﻰ ﻣﻠﻒ أﻣﻨﻲ، رؤﺳﺎء اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت ﻳﻌﯿﻨﻮن ﺑﻤﻮاﻓﻘﺔ أﻣﻨﯿﺔ، واﻷﺳﺎﺗﺬة ﻳﺨﻀﻌﻮن ﻟﻌﯿﻦ اﻟﺮﻗﯿﺐ اﻷﻣﻨﻲ، ﺗﻨﻤﯿﺔ اﻟﻌﺸﺎﺋﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮫﺔ اﻟﺤﺰﺑﯿﺔ، اﻟﺘﻮﺳﻊ ﻓﻲ اﻟﻘﺒﻮﻻت اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺔ واﻟﻤﻜﺮﻣﺎت، اﻟﻨﺰف اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻠﻌﻘﻮل اﻷﻛﺎدﻳﻤﯿﺔ إﻟﻰ دول اﻟﺨﻠﯿﺞ، اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ اﻓﺘﻘﺪت الجامعات اﺳﺘﻘﻼﻟﯿﺘها، اﻟﻀﺦ اﻟﺠﺎﺋﺮ ﻟﻌﺸﺮات اﻵﻻف ﻣﻦ اﻟﻄﻠﺒﺔ ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﻘﺒﻮل اﻟﻤﻮّﺣﺪ، وأﻋﺪاد ﻛﺒﯿﺮة ﻣﻦ اﻟﺘﻌﯿﯿﻨﺎت ﻟﻤﻮظﻔﯿﻦ إدارﻳﯿﻦ ﺧﺎرج إطﺎر اﻟﻜﻔﺎءة.

7ajaj cartoon

وتعددت الحلول في أعمدة الرأي بين طويلة المدى بتغيير الثقافة والذهنية وطرق التفكير، أو “بسن قانون شديد وقاس ورادع للمتسببين والمشاركين بالفوضى، مع سرعة تنفيذ الحكم القضائي، لإعادة ثقة المواطن بهيبة الوطن، والمساواة بين الناس لإلغاء فكرة سيادة الأنا أو العشيرة أو المنطقة”، وحلول سريعة بوقف التدخل في الجامعات وفسح مجال الحوار للطلبة، من دون استقطاب، تجييش أو تجنيد، أو باشغال وقت فراغهم وإخراجهم من قلق الفصل الدراسي او الانذار الاكاديمي، ورفع معنوياتهم وتقدير ذاتهم، وعقد دورات لهم تتعلق بمهارات التركيز والحفظ وإشراكهم في نشاطات لامنهجية داخل الجامعه، ومنحهم شهادات تقدير على إنجازاتهم داخل الجامعه بدلاً من وصمهم بالعنف والسلبية والفشل الدراسي.

الإعلام الذي حمل المجتمع كاملاً مسؤولية العنف في الجامعات الأردنية وقفز إلى اقتراح تغيير ذهنية وثقافة المتسببين بها، من دون أن نعرف حتى عدد أو نسبة الطلاب المتورطين في العنف، عجز عن تقديم معلومات أولية عن كل حادثة عنف على حدا.

لكن إخفاق الإعلام هذه المرة لم يكن بسبب غياب المعلومات وصعوبة الوصول إليها. ففي أحداث العنف الأخيرة في جامعة مؤتة يتداول بعض الصحفيون فيما بينهم، وبخاصة المقيمين في الكرك، تفاصيل توضح المعلومة الوحيدة المنشورة عن أن المشاجرة وقعت “على خلفية نتائج انتخابات اتحاد طلبة جامعة مؤتة”، من مثل أن المشاجرة جاءت نتيجة تحالف انتخابي بين عشيرة بني حميدة المنتشرة بين الكرك، الطفيلة ومادبا، مع طلاب الحركة الإسلامية في الجامعة، مقابل تحالف عدد من عشائر الكرك.

وبالرغم من امتلاك الصحفيين لمعلومات قد تفسر ما يرد في في بعض التقارير والمقالات من إشارات غير مباشرة وغير مفهومة لدور تدخل جهات أمنية وسياسية في أحداث العنف، تمتنع وسائل الإعلام عن نشرها وتمارس رقابة ذاتية خوفا من تأجيج الخلافات والمشاجرات. لكنها بذلك تمارس رقابة ووصاية على جمهورها، وقد تسبب ضررا بحجبها للمعلومة وتساهم في استمرار العنف وإفلات المسؤولين عنه من المحاسبة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية