رواية “يا مريم”: الحرب بعيون ضحاياها

الإثنين 29 نيسان 2013

مراجعة سوسن زايدة

أن تسمع عن الحرب ليس كما لو عشتها، وأن تتابع تفاصيلها في نشرات الأخبار ليس كما لو قرأت رواية “يا مريم”. قد تنقل لك الشاشة صور القتلى والدمار في حينها، لكنها لن تنقل لك مشاعر ضحاياها كما ينقلها الروائي العراقي سنان أنطون.

في روايته التي كادت أن تفوز بجائزة بوكر هذا العام، نجح أنطون في تصوير بشاعة الحرب بعيون ضحايا ليسوا طرفا في الصراع. وليست كأي حرب، حرب يصعب تحديد بدايتها ونهايتها، وموضوع وأطراف الصراع فيها. تتفاوت تأثيراتها على البشر حسب حجم خسائر كل منهم، فتصبح الحرب حروباً يراها كل من زاويته. أما آثارها النفسية فأعمق من أن تزول بزوال المؤثر.
مع كل هذه التعقيدات يحاول أنطون تحقيق “الموضوعية” التي كانت هاجسه، يظهر في تكرار المفردة على لسان شخصيتيْه. فاستعان بعدد من التقنيات الأدبية للاقتراب من “الموضوعية” قدر المستطاع، ونجح في توظيف بعضها وأخفق في أخرى.

اعتمد أنطون في روايته على تقنية الثنائيات المتناقضة، التي اشتهر بها الكاتب العالمي صموئيل بكيت، الموضوعية والذاتية، الماضي والحاضر، التفاؤل والتشاؤم، التبسيط والتعقيد، التسامح والحقد، الصدفة والضرورة، الحب والقتل، الحياة والموت. تناقضات صورها الكاتب من خلال شخصيتين مركزيتين، تروي كل منهما الأحداث من زاويتها: يوسف، رجل ستيني عاصر مراحل تاريخية مختلفة للعراق، متقاعد أعزب بلا مسؤوليات، مستقر في بيت بعيد نسبياً عن بؤر العنف. ومها: امرأة عشرينية لم تعرف سوى عراق الحرب الأهلية، طالبة جامعية متزوجة دائمة التنقل بحثاً عن حياة طبيعية وسط الموت.

ظروف مختلفة لشخصيتين متناقضتين لا يجمع بينها سوى أنهما عراقيان مسيحيان يعيشان في عراق يعصف به عنف طائفي، موضوع حوارية بين رؤيتين مختلفتين، موضوع رواية “يا مريم”.

موضوع الرواية لا يبرر للكاتب عدم إشراك شخصيات غير مسيحية، وتحديدا شيعية ممن عانوا من العنف الطائفي بنفس القدر أو أكثر. جميع شخصيات الرواية مسيحيون، باستثناء بعض الشخصيات الهامشية (الكومبرس) التي لم نسمع منها سوى جمل قليلة، مرّوا كأفكار عابرة بلا شخصية. وبذلك جانب الكاتب “الموضوعية” التي حرص عليها.

يمكن وصف “يا مريم” بالرواية النفسية التي حاول فيها أنطون التركيز على التأثيرات النفسية للحرب على شخصيتيه خلال مناجاتيهما المكثفتين في 24 ساعة، متأثرا برائعة الكاتبة البريطانية فيرجينيا وولف “مسز دولوي” ومدرسة “تيار اللاشعور” ورائدها الإيرلندي جيمس جويس في ملحمته “يوليسيس”.

لكن أنطون الذي اختار بطلين ومتناقضين، وفضل التكثيف في 150 صفحة فقط، لمعالجة موضوع شائك، لم يعط فرصة كافية لشخصيتيه للتعبير عن مكنوناتها النفسية، كما حرم القارئ من التعرف عليهما بعمق والاقتناع برؤيتهما وحتى بوجودهما الحقيقي.

تفوقت رواية “يا مريم” بتقديم منظور إنساني بحت للحرب وتأثيراتها على البشر، بعيدا عن المبررات السياسية للحروب. كما نجحت في امتاع القارئ بتنوع تقنياتها الأدبية وأجوائها الروحية المسيحية وجمالية لغتها الشاعرية.
سنان أنطون روائي وشاعر وأستاذ مساعد الأدب العربي في جامعة نيويورك وباحث في الثقافة الإسلامية-العربية ما قبل الحديثة، والسياسة والثقافة العربية المعاصرة. ولد في بغداد عام 1967، من أب عراقي وأم أمريكية. هاجر إلى الولايات المتحدة بعد حرب الخليج. وحصل على ليسانس الآداب، أدب إنجليزي عام 1990 من جامعة بغداد، وحصل على الماجستير عام 1995 من جامعة جورجتاون، والدكتوراه من جامعة هارڤرد عام 2006.

صدرت له روايتان: “إعجام” عن دار الآداب عام 2004، وترجمت إلى الانجليزية والنرويجية والألمانية والبرتغالية والإيطالية، ورواية “وحدها شجرة الرمان” عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، عام 2010، وترجمت إلى الانجليزية. وصدر له ديوانا شعر ترجما إلى الانجليزية: “موشور مبلل بالحروب” عن دار ميريت، القاهرة 2003، و”ليل واحد في كل المدن” عن دار الجمل، 2010. وأخرج فيلماً تسجيلياً بعنوان “حول العراق” عام 2004.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية