عيون وآذان الإنترنت

الإثنين 08 تموز 2013

بقلم ريم المصري

كنسيم عليل في ليلة صيفية مرّ تقرير صحيفة الغارديان بأن “الأردن ثالث دولة في العالم يتم مراقبتها استخباراتياً من قبل وكالة الأمن القومي في الولايات المتحدة”. ظهر هذا مع حزمة فضائح التجسس التي عصفت بالإعلام الأمريكي والعالمي بعد تسرب معلومات عن برنامجي تجسس: أولها تجسس وكالة الأمن القومي على مكالمات الشعب الأمريكي بالتعاون مع شركة فرايزون من خلال أوامر محكمة سرية. ثانيها برنامج PRISM الذي يتيح للوكالة التجسس على مستخدمي شركات كبرى مثل فيسبوك وتويتر وجوجل غير الأمريكيين بالتنسيق مع هذه الشركات.

من خلال PRISM استطاعت وكالة الاستخبارات الأمريكية مثلاً أن تحدد مراسلات بين نشطاء أيسلنديين ومسرّب الويكيليكس، جوليان أسانج، وطلبت من جوجل بأمر محكمة تسليم محتوى البريد الاكتروني لهذه المراسلات. اخترقت الوكالة أيضاً المكالمات والبريد الاكتروني لملايين من البرازيليين و الألمان من خلال هذا البرنامج، وجمعتها وحفظتها.

المفارقة هنا أنه لا يمكن للوكالة التجسس على مواطنيها الأمريكيين باستخدام PRISM دون أمر قضائي صادر من محكمة رقابة المخابرات الخارجية (Foreign Intelligence Surveillance Court). أما نحن، العملاء الأجانب لهذه الشركات الأمريكية  مثل غوغل وياهو ومايكروسوفت وأبل وفيسبوك وتويتر، يباح التنصت على مراسلاتنا بسبب غياب الأطرالقانونية التي تضمن سرية تعاملاتنا سواء من حكوماتنا أو حكومات غيرنا.

وجّه النشطاء ومؤسسات المجتمع المدني حول العالم نقداً حاداً للحكومات والشركات، خصوصا الأمريكية، لما وصفوه بخيانة الثقة، وانتهاك حقوق المستخدم، وانعدام الشفافية. وقامت عدة مجموعات ومؤسسات حقوقية برفع دعاو على الوكالة. أما في الاتحاد الاوروبي، فقد أثار خبر تجسس حليفتهم الأمريكية على مكاتب الاتحاد الدبلوماسية وعلى نصف مليار من المراسلات موجة من الغضب والشعور بالإهانة نتج عنها تأجيل محادثات اتفاقيات التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد لمدة ١٥ يوم، تلاها التصويت على قرار إلغاء معاهدة تبادل البيانات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حتى تقوم الأخيرة بمراجعة قوانين وبرامج التجسس التي “تقتحم الحقوق الأساسية لمواطني الاتحاد الأوروبي في السرية وحماية المعلومات“.

هل تعايشنا كمؤسسات ونشطاء مع “الطرف الثالث” على سماعة الهاتف؟

أما في ثالث أكثر الدول مراقبة من وكالة الأمن القومي الأمريكية، الأردن، لم يهتز لنا طرف لا كحكومة ولا كشعب. فلم يشعر الأردن بضرورة تفسير جمع الحكومة الأمريكية لحوالي ١٢.٧ مليار تقريراً في شهر آذار ٢٠١٣ وحده. ولم تسائل منظمات المجتمع المدني ولا حتى وسائل الإعلام الحكومة الأردنية على قدرة وكالة الأمن الأمريكية على الوصول إلى هذا العدد من التقارير. هل تعايشنا كمؤسسات ونشطاء مع “الطرف الثالث” على سماعة الهاتف لدرجة أننا لم نعد نأبه بمن ينفذ الى مراسلاتنا سواء كانت الأجهزة الأمنية الأردنية أم الأمريكية؟

هذا التعايش ينعكس على الرقابة الذاتية التي يمارسها معظم المواطنين على أنفسهم. في استطلاع غير علمي قام به حبر حول الرقابة على الإنترنت، أجاب المعظم بأنهم يشعرون بالرقابة الرسمية على الانترنت، ويتعاملون معها بممارسة رقابة ذاتية على تفاعلاتهم الإلكترونية. وفي مجموعة نقاشية، تم ذكر ثلاثة قصص فردية عن طالبين وأستاذ جامعي استجوبتهم الأجهزة الأمنية بسبب آرائهم المعارضة التي عبّروا عنها على وسائل التواصل الإجتماعي.

في دولة ما يزال مواطنوها يعتبرون الدفاع عن حرية التعبير آخر أولويات المرحلة، قد يكون الحديث عن حقنا الدستوري في سرية المراسلات سواء على الإنترنت أوالهاتف نوعاً من الرفاهية. لكن المادة 18 من الدستور الأردني تعتبر” جميع المراسلات البريدية والبرقية والمخاطبات الهاتفية سرية فلا تخضع للمراقبة أو التوقيف إلا في الأحوال المعيّنة في القانون”. مما يجعل تتبع وزارة الداخلية لمعلومات مستخدمي مقاهي الانترنت عن طريق فرض تسجيل الأرقام الوطنية وتركيب كاميرة مراقبة في محلاتها مخالفاً للدستور، وتعقب الأجهزة الأمنية لمراسلات مواطنيها مخالفا للدستور أيضا.

أما في عقود ترخيص شركات الاتصالات الصادرة من هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، تُذكر عملية نفاذ الهيئات القضائية أو الرسمية إلى معلومات المشتركين بالشكل العمومي الآتي: “حسب المادة ٢٩ز من قانون الاتصالات يجب على المرخص له التعاون في جميع الأوقات مع الهيئة والمصرح لهم من ممثليها لممارسة الوظائف الموكلة الى الهيئة حسب قانون الاتصالات، وأن يجعل المرخَّص له منشآت الاتصالات الخاصة به قادرة ومتاحة لتنفيذ المتطلبات القضائية والإدارية ومتطلبات الأمن القومي.”

تفسير هذه المادة أن للأجهزه الأمنية حرية النفاذ إلى معلومات المستخدم بدون أمر قضائي إذا تطلب الأمر ذلك، وهذا مخالف للدستور.  أما المادة 65 من قانون الاتصالات تنص بأن “المكالمات الهاتفية والاتصالات الخاصة من الأمور السرية التي لا يجوز انتهاك حرمتها، وذلك تحت طائلة المساءلة القانونية.” مع ذلك فإن أرقام هواتفنا تباع للمعلنين وأصحاب الرسائل الدعائية.

قد تكون من أولئك غير الآبهين بالرقابة لأن ليس لديهم ما يخفونه. فلن تلاحقهم المخابرات للتهديد بكشف سر عن “علاقة عابرة” أو عن رؤية محتوى مخصص للبالغين، فهذا “آخر همّها”، ولكن المشكلة تكمن في مجرد قدرتها على فعل ذلك، وسماحها لغيرها من الحكومات بالنفاذ إلى معلوماتك وبناء سيناريوهات (تعتمد على عمليات حسابية غير مرئية) حول إعجابك بصفحة حسن البنا على فيسبوك وشرائك لكتابه على Amazon، دون أن تكون متهمّاً في قضية معنية.

في السابق كان عليك أن تكون إما سياسي راديكالي أو ناشط عمالي أو صحفي خطر ليتم إدراجك تحت نظام التنصت. أما الآن مع توغل الهواتف الذكية وأنظمة جمع “المعلومات الكبيرة” أو ما يسمى Big Data، التي يمكنها أن تحفظ وتحلل المليارات من التفاعلات، فالسجل الإلكتروني لكل مواطن هو هدف للشركات والحكومات.

لا تنفرد الأجهزة الأمنية في خرقها لخصوصيتنا، بل تنضم إليها شركات مثل غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت

لا تنفرد الأجهزة الأمنية في خرقها لخصوصيتنا، بل تنضم إليها شركات مثل غوغل وفيسبوك ومايكروسوفت التي خانت عملاءها الصغار مقابل عميلها الأكبر: وكالة الأمن الأمريكية.

أسباب عدة يجب أن تدفعنا لرفض الرقابة المفتوحة وغير المشروطة على تفاعلاتنا: أنها غير دستورية وتنتهك أبسط الحريات، وأن هذا التقبل للرقابة في مجتمعنا أدى لإعادة رسمنا للخطوط الحمراء بحيث تصبح المساحة الآمنة للتعبير والمساءلة أضيق مما هي عليه واقعاً.

على الرغم من التشاؤم حول قدرتنا على السيطرة على ما يمكن أن تنتهي اليه معلوماتنا الالكترونية، إلا أن فضيحة التجسس هذه قد تخلق فرصة لتقنيي العالم العربي لتطوير أدوات ومنصات جديدة على الإنترنت تعيد جزءاً من سيطرتنا على خصوصيتنا بعيداً عن اتفاقيات القطاع الخاص مع الحكومات.

لا نقول هنا أننا نريد أن نعيش بعالم مثالي خال من الرقابة، ولكن كما قال الناشط التونسي سامي بن غربية (الذي عانت بلاده على زمن بن على من الرقابة الأمنية على الانترنت): “على الجهات الرقابية أن تخرج من نطاق الأجهزة الأمنية لتكون هيئات مستقلة تضم محامين ونشطاء حقوق إنسان، حتى نضمن عدم اختراقها للحقوق الأساسية للمواطن غير المذنب.”

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية