لا للوصاية الحكومية

الأربعاء 03 تموز 2013
7iber collage

الأسبوع الماضي كنّا في الشوبك لتدريب مجموعة من السيّدات حول استخدام المدونات ووسائل الاتصال الاجتماعي للترويج لمشاريعهن والقصص التي تهم مجتمعهن المحلي، ضمن مشروع يشارك فيه حبر. أثارت النساء مجموعة من القضايا المهمة والتي يشعرن أنها لا تلقى أية تغطية أو اهتمام في الإعلام أو لدى المسؤولين.

خلاصة الورشة كانت: “لستم بحاجة إلى التلفزيون الأردني أو وكالة الأنباء الرسمية حتى تنشروا قصصكم وتطرحوا قضاياكم. بإمكانكم إنشاء مدونة، ويمكن أن تكون جماعية تتعاونون في العمل عليها، من خلالها توثقون وتنشرون صوراً ومقالات وقصص ومقاطع فيديو، وتوصلون صوتكم وأفكاركم.”

لو قامت أولئك السيدات بإنشاء مثل هذه المدونة، ونجحن في جذب بعض الاهتمام إليها وربما خلق بعض الحوار حولها، ليس مستبعداً أن يسمع عنها مدير دائرة المطبوعات والنشر، فيدخل ليتعرف عليها. قد يجد آنذاك أن مثل هذه المدونة التي تغطي قضايا الشوبك المختلفة، والتي قد تتناول بطبيعة الحال أموراً سياسية، يجب أن تحجب لأنها غير مرخصة. وهكذا، بقرار بسيط من موظف حكومي، يصل تعميم إلى مزودي خدمة الإنترنت في المملكة بمنع الوصول إلى هذا الموقع، وتكون الطريقة الوحيدة ل”تصويب أوضاعه” بالتسجيل والحصول على ترخيص من دائرة المطبوعات والنشر.

ما تبيّن لنا هو أن هناك لبساً كبيراً في مفهوم “المدونة” لدى المسؤولين في دائرة المطبوعات والنشر

يمكن أن يقول البعض هنا أن الشوابكة أكد أنّ “القانون لا ينطبق على المدونات بل فقط على المواقع الإخبارية.” ولكن ما تبيّن لنا هو أن هناك لبساً كبيراً في مفهوم “المدونة” لدى المسؤولين في دائرة المطبوعات والنشر. في حديث هاتفي مع الشوابكة يوم أمس لنستفسر عن حجب موقع حبر، وعندما دخلنا في نقاش عن الفرق بين المدونة والموقع الإخباري، كان جوابه “المدوّنة لا تظهر للعامة. المدوّنة لا يدخل إليها إلا مجموعة من الناس تم إضافتهم كأصدقاء للمدونة.. عندك مدونة شخصية إن شاء الله عندك ١٠ آلاف صديق، بس مش الستة مليون بإمكانهم الدخول إليها.”

وأضاف الشوابكة أن التعريف الوارد في القانون للموقع الإخباري هو الموقع الذي ينشر الأخبار والتحقيقات والمقالات والتعليقات المتعلقة بالشأن السياسي الأردني الداخلي والخارجي، وهذا التعريف ينطبق على حبر.

باستثناء إضافة كلمة “سياسي”، الشوابكة محق في استناده إلى التعريف الوارد في القانون. ونحن منذ بداية طرح القانون ومناقشته في البرلمان حذرنا أنه يمكن أن نطبق على موقع إخباري أو مدونة أو صفحة فيسبوك أو حساب تويتر أو قناة يوتيوب أو غيرها من منابر النشر والتعبير على الإنترنت. وهذه إحدى مشاكل القانون التي تعزز فكرة أنه من الاستحالة محاولة تنظيم الإنترنت وفرض القيود عليها بهذا الشكل.

منذ بداية طرح القانون ومناقشته في البرلمان حذرنا أنه يمكن أن نطبق على موقع إخباري أو مدونة أو صفحة فيسبوك أو حساب تويتر أو قناة يوتيوب أو غيرها

طبعاً في زمن الإنترنت والنشر الذاتي والثورة التقنية الهائلة التي عصفت بالصحافة التقليدية في مختلف أنحاء العالم، من يستطيع أن يضع تعريفات وتصنيفات واضحة للمواقع المختلفة؟ هل المدونة يجب أن تكون شخصية فردية؟ وماذا إن كانت جماعية؟ وماذا إن كان لها فريق تحرير؟ وماذا لو كان هنالك أشخاص قائمون عليها وظيفتهم إنتاج محتوى؟

وهل التصنيف يعتمد على التقنية أو منصة النشر المستخدمة؟ لو تم إنشاء وكالة أنباء على فيسبوك (وهنالك الكثير من الأمثلة على ذلك) هل وجودها على فيسبوك ينفي كونها إخبارية؟

مواقع عالمية كبيرة بدأت كمدونات، وبعضها استمر بالعمل على نظام إدارة محتوى بشكل مدونة، صحف يومية كبيرة قامت بإنشاء مدونات حول مواضيع معينة على مواقعها الإلكترونية، مثل النيويورك تايمز والغارديان وغيرها، تستقطب عدداً كبيراً من القرّاء والمتابعين لأنها تختلف عن نمط الأخبار والمواد المنشورة في الصحيفة وأقسام الموقع الأخرى، ولكن المواد المنشورة فيها قد تكون “إخبارية” أو “صحفية” بطبيعتها. من يضع التصنيف؟

من الواضح أن الحكومة عندما قالت أن القانون لا ينطبق على المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي، قصدت بذلك أنها في الوقت الحالي تستهدف مجموعة معيّنة من المواقع وهي المواقع الإخبارية. لكن المؤكد هو أن مثل هذا القانون هو مدخل وأداة في يد الحكومة لحجب ما لا يناسبها.

نقطة أخرى يجب الوقوف عندها في قاموس الحكومة الأردنية، وهي مساواة “إخباري” ب”سياسي”. عندما سألنا الشوابكة ماذا يجب أن نفعل لنرفع الحجب، أجاب “أحضروا كتاباً من وزارة الصناعة والتجارة أنكم موقع متخصص وليس إخباري،” وهو ما فعلته بعض المواقع التي تم حجبها في البداية. ماذا يعني موقع متخصص؟ “متخصص يعني موقع يعنى بالشأن الثقافي، يعنى بالشأن الاجتماعي، يعنى بأي شأن من شؤون الحياة… ليس موقع ينشر أخبار وتقارير ومقالات وتعليقات تعنى بالشأن السياسي العام الأردني.”

إذاً عزيزي المواطن الأردني، إذا أردت أن تنشر مواداً عن أي شأن من شؤون الحياة على الإنترنت، لك مطلق الحرية في ذلك، ولكن إذا أردت النشر والكتابة في الشأن السياسي العام، يجب أن تحصل على موافقة وترخيص من الحكومة، التي تشترط حتى تمنحك الترخيص وجود رئيس تحرير عضو في نقابة الصحفيين لمدة لا تقل عن أربع سنوات – النقابة التي لا تعترف أساساً إلا بالصحفيين العاملين في الصحف المطبوعة ووسائل الإعلام التقليدية.

إذا أردت النشر والكتابة في الشأن السياسي العام، يجب أن تحصل على موافقة وترخيص من الحكومة

كثيرون يسألوننا “لماذا لا تلتزمون بالقانون وترخصون؟” وجوابنا هو حتى لو اتفقنا، نظرياً، مع القانون، لا يمكننا الحصول على ترخيص لأن نقابة الصحفيين الأردنيين لا تعترف بنا. ولو أردنا أن نحذو حذو المواقع التي وظّفت رئيس تحرير عضو في النقابة ولو شكليّاً لغايات الترخيص، فهذا الشخص معرّض للمساءلة القانونية، وبالتالي لن يجلس مكتوف اليدين. وهل هذا هو الهدف؟ أن تدار كل مدونة وكل موقع وكل مساحة إعلام مجتمعي بديل من قبل شخص بخلفية إعلامية تقليدية؟

وحتى لو غيّرت النقابة قانونها اليوم، فقانون المطبوعات والنشر يشترط عضوية لمدة لا تقل عن أربع سنوات، إذاً فالكرة ليست في ملعب نقابة الصحفيين كما صرّحت الحكومة مؤخراً.

هنا نعود للفكرة الجوهرية: القانون وسيلة للتضييق على المساحات الجديدة التي خلقتها الإنترنت، ولجم الأصوات البديلة والخطاب المغاير للخطاب الرسمي السائد في الإعلام التقليدي. شرط الترخيص لوسائل الإعلام من أقدم أساليب الحجب والرقابة التي تمارسها الأنظمة والحكومات. القانون الذي يشترط الترخيص المسبق للمطبوعات ألغي في بريطانيا في عام ١٦٩٥، ولعلّ كتيّب “أيروباجيتيكا: خطاب جون ميلتون من أجل حرية النشر غير المرخص”، الذي نشره الفيلسوف والمفكر الانجليزي جون ميلتون في القرن السابع عشر، من أشهر ما كتب ضد مبدأ الترخيص ودفاعاً عن حرية التعبير، وأصبح من النصوص الأساسية في حقوق الإنسان.

منطق لا يقبله عقل؛ أننا اليوم في القرن الواحد والعشرين ما نزال مضطرين للخضوع لوصاية الحكومة قبل أن ننشر ونكتب ونتواصل. النوعية والمسؤولية والمهنية لا تتحقق من خلال وصاية الحكومة أو من خلال قانون كهذا. حماية الأفراد والمؤسسات من الذم والقدح والتشهير مصانة بموجب أحكام قانون العقوبات دون الحاجة إلى قانون المطبوعات والنشر. كما أن تنظيم العمل الصحفي يجب أن يكون ذاتياً واختيارياً من الجسم الصحفي، ولن يتحقق إلا عندما تكف الحكومة والأجهزة الأمنية يدها عن وسائل الإعلام.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية