الطريق إلى صناديق شبه فارغة

الأحد 15 أيلول 2013

بهدوءٍ جعلها سهلة النسيان، مرّت الانتخابات البلدية نهاية الشهر الماضي دون أن تثير حماسة الكثيرين للحشد، سواء للمشاركة أو للمقاطعة. الخمول الشعبي والحزبي تجاه الانتخابات انعكس في نسبة اقتراع باهتة بلغت 33.5% في المحافظات و10.5% في عمان، بعد تمديد فترة الاقتراع في أغلب البلديات لمدد مختلفة كانت أقصاها ثلاث ساعات.

هذا العبور السلس لانتخابات تأخرت عن موعدها قرابة السنتين لم يُعِد إلى الواجهة المسار المتقلب الذي اتخده الاستحقاق. فالتغيرات الدراماتيكية التي طرأت منذ ذلك الحين على التوجهات الحكومية بشأن التقسيمات الإدارية للبلديات، والتأجيل المتكرر لموعد الانتخابات أدخل البلديات في دوامة لم تخرج منها سوى مؤخرًا. لكن هذه الدوامة لم تعد حاضرة كسياق للانتخابات، وكأن حلولها أخيرًا محا آثار التخبط الحكومي في قضايا البلديات خلال هاتين السنتين.

حبر عاد إلى أبرز الأحداث المتعلقة بالبلديات خلال تلك الفترة، ليعرض الطريق المتعرج إلى الانتخابات.

إعادة نظر

منذ حل المجالس البلدية التي أفرزتها انتخابات 2007 في آذار 2011، تماشيًا مع أحكام قانون البلديات الذي ينص على حلها قبل ثلاثة أشهر من انتهاء مدتها، بدأ التحضير الحكومي لانتخابات جديدة حسب قانون بلديات كان إعداده جاريًا في ذلك الحين. ومع هذا الحل، انتقلت صلاحيات المجالس البلدية إلى لجان مؤقتة كان من المفترض ألا يزيد عمرها عن الأشهر الثلاث التي تبقت من عمر المجالس، إلا أنه امتد أكثر من سنتين، لينتهي الشهر الماضي.

إلى جانب القانون الجديد، كانت الحكومة بصدد إعادة النظر في عملية دمج البلديات التي بدأت عام 2002، وتم بموجبها تخفيض عدد المجالس البلدية من 327 إلى 93 مجلسًا. إذ شكلت حكومة معروف البخيت في شباط 2011 لجنة خاصة لدراسة تجربة دمج البلديات، عبر زيارات ميدانية لتقييم أدائها. وزير الشؤون البلدية حينها، النائب حازم قشّوع، أكد أن الحكومة سترتب لانتخابات جديدة على ضوء قرارات الدمج أو الفصل التي ستنتج عن توصيات اللجنة، التي قُدمت في مطلع نيسان من العام نفسه.

النتائج جاءت متوقعة بعد اعتراضات شعبية ونيابية على تداعيات دمج البلديات على العمل المحلي، حيث صرّح البخيت في تموز 2011 بأن اللجنة قد أوصت بضرورة فصل بعض البلديات، و”لاحظت رغبة أكيدة لدى غالبية سكان بعض المناطق في الفصل”. بهذه الملاحظة، بدأت حكومة البخيت بإصدار قرارات السير بإجراءات استحداث بلديات جديدة، بالاستناد إلى المادة الخامسة من قانون البلديات لعام 2011 والتي تنص على أنه “إذا رغبت أكثرية سكان بلدة في إحداث بلدية في بلداتهم أو ضم البلدية القائمة إلى بلدية أخرى أو فصل بلدية، يزيد عدد سكانها على خمسة آلاف نسمة وكانت قائمة قبل سنة 2001، عن البلدية التي ضمت إليها يقدم فريق عنهم عريضة بذلك إلى الحاكم الإداري الذي عليه أن يرسلها مع ملاحظاته إلى الوزير”، الذي يصدر بدوره قرار الاستحداث بعد التأكد من استيفاء الشروط.

هذا التوجه الحكومي أطلق موجة احتجاجات محلية شهد عدد منها إغلاق طرق وإحراق إطارات وإطلاق أعيرة نارية. إذ خرجت مظاهرات في عدة بلدات في عجلون وإربد والكرك وغيرها لتطالب بأن تشملها قرارات الاستحداث، وأن تفصل بلدياتها عن أخرى انضمت لها بموجب خطة الدمج.

حتى منتصف تشرين الأول 2011، أصدرت حكومة البخيت موافقات على استحداث 99 بلدية، رافعةً عدد البلديات إلى 192. هذا التقسيم الإداري الجديد كان من المفترض أن يكون أساسًا للانتخابات التي تأجلت من تموز إلى كانون أول 2011، والتي كانت ستجرى بحسب قانون البلديات لعام 2011 والذي أقر في منتصف أيلول.

إلا أن هذا التسارع في الأحداث باتجاه الانتخابات توقف فجأة مع استقالة حكومة البخيت. فبعد أسبوع على أدائها اليمين الدستورية، شكلت حكومة عون الخصاونة لجنة لمراجعة قرارات استحداث البلديات، رأسها وزير الشؤون البلدية الجديد ماهر أبو السمن، سرعان ما خلُصت في منتصف تشرين الثاني 2011 إلى أن القرارات غير قانونية، لتلغيها وتعيد فتح باب تقديم طلبات الفصل، وتوقف التسجيل للانتخابات وتلغي قوائم الناخبين المسجلين الذين بلغ عدد حتى حينه أكثر من 1.5 مليون مواطن، وتؤجل الانتخابات إلى أجل غير مسمى.

تكوين البلدية شيء وأن تستطيع البلدية أن تقوم بدورها شيء آخر – وزير البلديات السابق حازم قشّوع

قشّوع رفض توصيف تلاحق هذه الأحداث بالتخبط. “المسألة مسألة مناخ يسمح أو لا يسمح باتخاذ قرارات معينة”، يقول رابطًا استجابة حكومة البخيت لمطالب فصل البلديات بجو الربيع العربي عام 2011. إلا أنه يعود ليؤكد أن هناك “فرقًا كبيرًا بين المزاج العام ومتطلبات القانون”، وأن “تكوين البلدية شيء وأن تستطيع البلدية أن تقوم بدورها شيء آخر”.

سطوةالأمر الواقع

من جديد، أعلنت حكومة الخصاونة أنها ستستقبل طلبات استحداث بلديات، وستسير في الإجراءات القانونية التي حددتها المادة الخامسة من قانون البلديات، والتي قالت الحكومة أن سابقتها قد تجاوزتها. بالفعل، استقبلت وزارة أبو السمن أكثر من 90 طلب لاستحداث بلديات، درستها لجنة فنية خاصة بذلك الغرض، وأصدرت في أيار 2012 موافقة مبدئية على استحداث 86 بلدية جديدة، ورجحت إجراء الانتخابات في أيلول من العام نفسه في حال توفر الدعم المالي للبلديات الجديدة، ضمن موازنة قدرتها الوزارة بـ35 مليون دينار. الانتخابات المنتظرة آنذاك أقر إجراؤها وفقًا لقانون البلديات المعدل الذي دخل حيز التنفيذ في آذار 2012، والذي ألغى إجراءات التسجيل كشرط للاقتراع واعتمد سجلات دائرة الأحوال المدنية فقط لتحديد من يحق لهم الانتخاب ودوائرهم الانتخابية.

الخطوة اللاحقة في إجراءات استحداث البلديات كانت تشكيل لجان حكومية للتأكد من رغبة أغلبية سكان المناطق التي قدمت طلبات الاستحداث بفصلهم عن البلديات التي يتبعون لها، وهو ببساطة ما لم يحدث، وتم تبريره حكوميًا بالعجز المالي في البلديات الحالية الذي بلغ 100 مليون دينار والذي يجعل من المستحيل عمليًا إعاشة بلديات جديدة، قبل أن يصرح أبو السمن في مطلع كانون الثاني 2013 بأن ملف فصل البلديات قد “أغلق نهائيًا”.

وزير الشؤون البلدية الحالي وليد المصري تحدث عن تضليل إعلامي في هذا الملف، حيث أكد أنه لم تصدر قرارات رسمية بفصل أي بلدية كما صُوّر، وأن كل ما صدر هو توصيات وزارية بتشكيل لجان لاستطلاع رأي أهل المنطقة حول رغبتهم بالانفصال، ثم الشروع في استحداث البلديات. إلا أنه في الوقت نفسه رفض التعليق على استنكاف حكومة الخصاونة ومن بعدها حكومة فايز الطراونة عن السير في الإجراءات وعدم تشكيلها لجان لهذا الخصوص.

رغم ذلك، أبقت الحكومات المتلاحقة على قرار فصل سبع مناطق عن أمانة عمان الكبرى كبلديات مستقلة -هي سحاب والجيزة والموقر وناعور وأم البساتين وحسبان وأحد- الذي اتخذته حكومة البخيت في تموز 2011، ما رفع العدد الكلي للبلديات إلى مئة.

رغم تغير القرارات، إلا أن هناك وضوحًا حكومياً في التوجه نحو إضعاف البلديات

الكاتب الصحفي إبراهيم غرايبة رأى أن الحكومات الثلاث الأخيرة ماطلت حتى “وضعت الناس تحت الأمر الواقع”. واعتبر أنه رغم تغير القرارات، إلا أن هناك وضوحًا حكومياً في التوجه نحو “إضعاف البلديات”. “النخب السياسية لا تريد بلديات قوية تملك الولاية على مواردها وتقدم خدمات لمجتمعها وتديره”، يقول غرايبة، محددًا هدف خطة الدمج بأنه تحطيم “قدرة المجتمع على إنشاء قيادته المحلية وفرض قيادات مُسقطة عليه”، وإجهاض فرص البلديات “للتشكل والنمو المستقل”.

أما فيما يخص موعد الانتخابات، فقد نصت المادة 63 من القانون المعدل على إجراء انتخابات بلدية في غضون ستة أشهر من نفاذ القانون، أي في أيلول 2012. إلا أن الحكومة أجلت الموعد مرة أخرى إلى ما بعد الانتخابات النيابية، تحديدًا حتى آذار 2013، مستندة إلى قرار تفسيري صادر عن ديوان تفسير القانون أفتى بجواز تأجيل الانتخابات، نظرًا لخلو قانون البلديات مما يمنع التأجيل أكثر من مرة، واكتفائه بتحديد فترة هذا التأجيل بستة أشهر.

القرار التفسيري نفسه كان سند حكومة عبد الله النسور لتأجيل الانتخابات مرة ثالثة في آذار 2013 ستة أشهر أخرى، قبل أن يحدد وزير الداخلية حسين المجالي 27 آب 2013 موعدًا نهائيًا لها، جرت الانتخابات فيه أخيرًا.

انفضاض عن البلديات أم عملية حسابية؟

انخفاض نسبة الاقتراع في الانتخابات الأخيرة لاقى تفسيرات متعددة. حكوميًا، توقع وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة، محمد المومني، في ندوة قبل الانتخابات بأيام قليلة انخفاض نسبة المشاركة مقارنة بانتخابات عام 2007، نظرًا إلى أن النسبة تحسب من مجموع من يحق لهم الانتخاب أي كل أردني وأردنية فوق سن 18 عامًا، بخلاف الانتخابات السابقة التي حُسبت نسبة المشاركة فيها من مجموع المسجلين لها. كما أشار المومني إلى أن مجموع الناخبين يشمل أيضًا المستبعدين من الانتخاب لإدارة العملية الانتخابية وعددهم أكثر من 40 ألف شخص، بالإضافة إلى 750 ألف مغترب، والعاملين في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.

ورغم مقاطعة أربع دوائر انتخابية للانتخابات -هي قصبة عجلون في بلدية عجلون، وعيرا في بلدية السلط، والنهضة في بلدية الشونة الوسطى، وأم العمد في بلدية الجيزة- احتجاجًا على رفض مطالبها بالانفصال كبلديات مستقلة، مما أدّى إلى تعيين ممثليها من قبل الحكومة لاستنكاف أهلها عن الترشح، إلا أن المصري قلل من أثر التراجع عن خطوات استحداث البلديات على نسبة المشاركة، قائلًا أن “هناك مناطق كثيرة طالبت بالانفصال لكنها شاركت في الانتخابات، وفاقت نسبة التصويت فيها 50%”.

غرايبة بدوره اعتبر أن الناس عبّرت عن استيائها من أحوال البلديات وظروف الانتخابات بالانفضاض عنها، قائلًا إن “الموقف السلبي هو فعل احتجاج”. ورأى أن المواطنين لم يعودوا يشعرون بالارتباط بالبلديات وتأثيرها على حياتهم، كونها “تحولت إلى دوائر حكومية يعمل فيها موظفون وليست مؤسسات مجتمع”.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية