أيام قوس قزح: كيف أنهت خمس عشرة دقيقة ديكتاتورية خمس عشرة سنة؟

الأربعاء 09 تشرين الأول 2013

تسنى لي أن أشاهد قبل أيام الفيلم التشيلي «No». شكرا لمحال الـDVD وسط البلد التي وفرت لنا مئات الأفلام العالمية بسعر زهيد، ولولاها لاقتصرت مشاهدتنا على الأفلام الأميركية التي تعرضها دور السينما والفضائيات.

هذا الفيلم الذي كان مرشحا لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام ٢٠١٢، وهو أول فيلم من تشيلي يرشح لهذه الجائزة، يتناول مرحلة من تاريخ تشيلي قدّمها مخرج الفيلم بابلو لاريين ببساطة شديدة وبدون تعقيد، ولكن بشكل مناسب يعكس الصراعات السياسية التي كانت تجري في تشيلي حينها.

يتناول الفيلم الأحداث التي سبقت «الاستفتاء» التاريخي عام 1988، الذي قرر إجراءه الجنرال أوغستينو بينوشيه، الديكتاتور الشهير الذي أطاح بحكومة «الوحدة الشعبية» المنتخبة برئاسة السلفادور الليندي عام 1973 في انقلاب عسكري دموي راح ضحيته الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين والمنفيين خارج البلاد.

تحت ضغط ما يصفه المؤرخون التشيليون بـ«الثورة الصامتة»، والضغط الإقليمي والدولي، قرر بينوشيه إجراء «استفتاء» على التعديلات الدستورية، ولكنه كان يهدف من «الاستفتاء» على التعديلات تمديد حكمه لثمان سنوات أخرى والهرب من الملاحقة القانونية عن الجرائم التي ارتكبها ضد الانسانية مع بقية الطغمة الحاكمة، إذ كان يراهن على نجاحه في الاستفتاء.

كان سؤال «الاستفتاء» ينحصر في الإجابة بـ «نعم» او «لا» على التعديلات المقترحة، وكانت أغلب الاستطلاعات تشير إلى أن بينوشيه قادر على كسب التصويت بـ«نعم». لكن النتيجة جاءت مفاجئة وصاعقة إذ صوت أغلب التشيليون بـ«لا» مما مهد الطريق أمام عودة الديمقراطية.

no_pablo-larrain_gael-garcia-bernal_film_trailer_00-e1359844701411

في الفيلم «رينيه سافاديرا»، قام بدوره الممثل المكسيكي غايل غارسيا برنال، الذي كان قد أدى دور تشي غيفارا في فيلم «مذكرات دراجة نارية»، ومن أفلامه المعروفة عندنا فيلم «العمى» المأخوذ عن رواية لخوسيه ساراماغو. يعود «رينيه» التشيلي المنفي إلى بلاده، وينخرط في النضال ضد بينوشيه من خلال حملة التصويت بـ«لا»، وبصفته محترفاً في مجال الدعاية والإعلان فهو الذي سوف يصمم دعاية الحملة وشعارها.

كان على المعارضة التي تتألف من 18 حزبًا أن تستغل الوقت المتاح للدعاية لموقفها وهو 15 دقيقة فقط يومياً سوف تظهر على التلفزيون الرسمي في ساعة بث ميتة، أفضل استغلال.

يقترح «رينيه» أن تكون الدعاية والشعار مصممة للمستقبل لمنح الأمل والفرح لشعب تشيلي، بخلاف زعماء المعارضة الذين كانوا يفضلون التركيز على الماضي وعلى إظهار مجازر ومآسي الديكتاتورية.

في النهاية تنتصر وجهة نظر «رينيه»، ويتم تصميم الدعاية تحت عنوان «الفرح آت يا تشيلي»، ويتم اختيار «قوس قزح» شعارا لحملة «No» تعبيرا عن الأمل والمستقبل وعن الأحزاب المشاركة في ائتلاف المعارضة إذ يمثل كل لون حزباً أو حركة. وبالمناسبة الحملة والشعار والدعاية والأغاني في الفيلم جميعها حقيقية.

حملة المعارضة ستنتصر أيضا، وسوف تتفوق المعارضة بدعاية الـ 15 دقيقة على حملة بينوشيه رغم كل الإمكانيات وكل حملاته الدعائية التي لم تتقيد بالوقت وتسخير معظم وقت البث التلفزيوني له، إذ صوت التشيلييون بـ«لا»، وفتحوا الطريق أمام عودة الديمقراطية الى تشيلي بعد 15 سنة من الحكم الديكتاتوري الدموي.

اعتمد مخرج الفيلم في التصوير على كاميرات قديمة إذ أراد أن يدمج المادة الفلمية أو فلمه مع المقاطع الأرشيفية التي كانت متوفرة حينها، كي يبدو الفيلم أكثر واقعية، وتبدو أحداث مرحلة «الاستفتاء» كجزء من الفيلم ذاته.

بالطبع لم تكن دعاية او «jingle» الخمس عشرة دقيقة هي التي أسقطت الحكم الديكتاتوري، إنما أتت تتويجا لـ«الثورة الصامتة»، وقد أراد مخرج الفيلم وكاتبه تصوير أثر الإبداع وأثر تفاعل الفنانيين والأدباء والموسيقيين مع الشعب والحالة الثورية.

أيام قوس قزح

الفيلم مقتبس عن نص للروائي والسينمائي التشيلي أنطونيو سكارميتا، صاحب رواية «ساعي بريد نيرودا»، التي اقتبست للسينما.

اقتبس المخرج لاريين الفيلم عن نص غير منشور لسكارميتا بعنوان «الاستفتاء». لكن سكارميتا سوف يعمل على نصه هذا لاحقا ويطوره إلى رواية بعنوان «أيام قوس قزح»، تتناول نفس الفترة التاريخية. الرواية لم تترجم للعربية لكنها متوفرة على الانترنت، وهي قصيرة، 147 صفحة، ومكتوبة بلغة سهلة.

كتب سكارميتا روايته «أيام قوس قزح» تحية لـ» ثورة طيور البطريق»، التي أشعلها مئات الآف من طلبة المدارس الثانوية في تشيلي عام ٢٠٠٦، عندما خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالعدالة الاجتماعية وتحسين التعليم والصحة في البلاد، لكنها رواية كل الثورات العالمية السلمية التي كانت قد اندلعت خلال وقبل هذا العام.

نال سكارميتا عدة جوائز على روايته التي اعتبرت رواية نفسية سياسية، كتبت بروح متفائلة جدا. والرواية بحق جد متفائلة بالثورات وانتهاج الوسائل السلمية في تحقيق أهدافها، وتتمحور، كما تجربة «الاستفتاء» على مفهومي :المصالحة والأخلاقيات. تحقيق المصالحة بإرساء العدالة، والنظر إلى المستقبل عوضا عن العيش في الماضي، مثلما شاهدنا في الفيلم عندما أصر «رينيه» على أن تكون الدعاية مستقبلية تمنح الأمل والفرح لبلد «رمادي» وكئيب، بدلاً من التركيز على مجازر الديكتاتور.

أصر «رينيه» على أن تكون الدعاية مستقبلية تمنح الأمل والفرح لبلد «رمادي» وكئيب، بدلاً من التركيز على مجازر الديكتاتور

تتمحور رواية «أيام قوس قزح» حول شخصية أستاذ فلسفة معارض، اقتبسها سكارميتا عن شخصية صديقه الممثل التشيلي بارادا الذي تلقّى نبأ مقتل ابنه بوحشية على يد العسكر خلال أدائه مسرحية لكنه أصر على إكمال المسرحية للنهاية لأنه لا يريد أن ينكسر أمام الديكتاتورية.

ويسرد سكارميتا الرواية على لسانه كراوي وعلى لسان «نيقو» ابن أستاذ الفلسفة وأحد الذين سوف ينضمون لحملة «لا لبينوشيه»، مع صديقته ووالدها.

على عكس الروايات التاريخية عن الديكتاتور والديكتاتورية، خاصة في أدب أميركا اللاتينية، سوف يتجنب سكارميتا الفظائع والمجازر والأهوال، وسيقدم رواية بسيطة متفائلة، لا تخلو من حس الفكاهة والدعابة.

ورغم كل المآسي التي عاشتها تشيلي خلال الفترة التي تتناولها الرواية فإن سكارميتا يتجنب أن يحشو روايته بالأحداث الدراماتيكية والتراجيدية، فهو كاتب وروائي الأمل والمستقبل، وليس غريبا أن تعتبر روايته رواية «المصالحة» والفرح الآت لتشيلي، كما أرادت أن تقول حملة «No».

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية