الأردن والأوروغواي إياباً: أبرز وقائع المباراة التاريخية (نسبياً) من قلب الحدث

الخميس 21 تشرين الثاني 2013

بقلم مراسل حبر لشؤون الإنجازات الرياضية 

أهلاً بكم في مونتيفيديو، أو بالأحرى من غرفة جلوس في الشميساني يضفي عليها ضوء النيون الأبيض جواً من الكآبة الزائدة، حيث نصل الليل بالنهار لنوافيكم بأهم أحداث مباراة الإياب في المرحلة الأخيرة من تصفيات كأس العالم بين نشامى الأردن (اسم فريق كرة سلة من العقبة يلعب بالدوري الممتاز الموسم المقبل بالمناسبة) والفريق العريق الحائز على بطولة كأس العالم عام ١٩٣٠ وعام ١٩٥٠ – قبل اختراع قفازات الحارس، وفي وقت كانت الفيفا تترجى الفرق كي تشارك بالبطولة (يعني عام ١٩٥٠ الاتحاد السوفييتي وهنغاريا وتشكوسلوفاكيا والأرجنتين وغيرهم انسحبوا من البطولة، ألمانيا والنمسا كان ممنوع يشاركوا، وفرنسا إنعزمت وما حبت تشارك)، إنه فريق الاورجواي سادس أفضل فريق في أمريكا الجنوبية بحسب التصفيات. على العموم  قد يكون الجانب المشرق الوحيد في خسارة المنتخب الوطني في مباراة الذهاب بفارق كبير من الأهداف هو  أنه وفر على غالبية الشعب الأردني عناء الاستيقاظ الساعة الثانية فجر يوم الخميس، ولكل من اتخذ هذا القرار الحكيم، نقدم لكم تلخيص لأبرز وقائع المباراة.

قبل المباراة بخمس دقائق: ينشغل الاستوديو التحليلي للجزيرة الرياضية ومدرب نادي الوحدات عبدالله أبو زمع بتحليل التشكيلة بينما يبدأ اللاعبون بالدخول إلى أرض الملعب، على أساس أنه التشكيلة بتفرق؛ فمن الغريب أن هذا المنتخب الذي يعتبر صاحب أكبر إنجاز في تاريخ الكرة الأردنية يخلو من أي لاعب فرض نفسه كنجم أو ترك بصمة مميزة أو أعطى انطباعاً بأن غيابه عن التشكيلة قد يشكل خسارة للمنتخب، فالفرق بين أحمد هايل والبواب والصيفي أو بين بني عطية وعبدالله ذيب أو أي لاعب أول مرة تسمع باسمه ليس كبيراً، وكل اللاعبين قابلين للتبديل والإحلال، كما أثبت المدرب حسام حسن، فاللاعب ينتقل من كونه أساسي إلى خارج قائمة الفريق بالكامل خلال أسبوع، أو بالعكس، بدون أن يلاحظ أو حتى يهتم أحد. ربما باستثناء عامر شفيع الذي من المفترض أن يكون يعني النجم الوحيد الذي لا يمكن الاستغناء عنه (مع إنه لقب الحوت ليس بأنسب لقب لرياضي واضح عليه الزيادة في الوزن).

على العموم، يغيب شفيع عن المباراة اليوم، ويبدأ المباراة الحارس المسكين محمد شطناوي الذي أصبح علماً من أعلام الأردن (يعني لما يحكي معك أبوك، إللي آخر مباراة حضرها كانت الأرجنتين ويوغسلافيا في كأس العالم ١٩٩٠، يشتكي من أداء الحارس في مباراة الذهاب بكون يمكن في مشكلة)، وبينما يظهر أربعة لاعبين جدد في تشكيلة منتخب النشامى، يعود منتخب الأوروغواي بالتشكيلة ذاتها التي لعبت مباراة الذهاب ومباراتي الإكوادور والأرجنتين قبلها.

لحظة ما قبل المباراة: زوم من الكاميرا على وجه لاعب أردني في لحظة اندماج مع السلام الملكي حيث يغمض عينه ويردد كلمة “مااقااموهو” بتأثر، يليه النشيد الوطني للاورجواي كاملاً الذي يردده الفريق مع الجمهور لحوالي دقيقتين. (ملاحظة: أحد أهم الأسباب التي دعت روسيا إلى استعادة النشيد الوطني للاتحاد السوفيتي (مع تغيير بعض الكلمات) هو أن الرياضيين اشتكوا من أن النشيد الجديد ليس حماسياً بما فيه الكفاية).

العشر دقائق الأولى: حتى الآن الجزء الأكثر تشويقاً في المباراة هو المعلق الأردني المخضرم عثمان القريني (الرائد في مجال التركيز على أسماء أخوات اللاعبين- “زيدان إسم أخته ليلى”). ينشغل القريني بسرد القصة تلو القصة عن كل شيء إلا عن أحداث المباراة الجارية، ولا كأنه في مباراة أساساً. ليس مهم مع مين الكرة أو من يمرر لمن، المهم أن الحكم “ملتي مليونير” كما ذكّرنا القريني ثلاث مرات خلال الدقائق الثمانية الأولى. على صعيد الأداء، ليس هناك شيء مهم باستثناء كرة أمامية لأحمد هايل بعد منتصف الملعب بقليل، وجد نفسه بين أربع مدافعين فانقطعت، تليها كرة بينية على الطرف الآخر من كافاني لسواريز يقطعها حاتم عقل مع حركة انزلاق.

الدقيقة ١٥: القريني لا يحتمل. تغيير القناة الصوتية إلى المعلق الانجليزي، تبدأ بحولي ٣٥ ثانية من الصمت المتواصل، في إشارة واضحة إلى إنه ليس هناك الكثير من الأحداث تجري في المباراة حتى الآن.

الدقيقة ٢٠: مشروع فرصتين للأوروغواي، تسديدة من بعيد بآخر الدنيا، ورفعة متبوعة بضربة رأس ضعيفة. كرة القدم قد تكون مملة في كثير من الأحيان.

ظهور على الشاشة للمدرب حسام حسن في جدال مع الحكم الرابع، ويظهر أنه استبدل القميص الكاروهات بواحد ألطف، أبيض وضيق مع رسمة سوداء كبيرة، مع حزام مزين بثلات صفوف من الخرز اللميع.

(ملاحظة للكابتن حسام في تجاربه التدريبية القادمة: الزي المعتمد للمدير الفني هو إما بدلة رياضة مثل ملابس الإحتياط، أو بدلة رسمية. السمارت كاجوَل غير متوافق مع مستوى العالمية).

الدقيقة ٢٣: ضربة ركنية للأورجواي يبعدها شطناوي بقبضته، وجريدة الغد تورد ذلك كخبر عاجل مع صورة على حسابها على تويتر.

الدقيقة ٢٦: الأوروغواي تتحرك بنشاط  والأردن يدافع بتسعة لاعبين أحياناً. رفعة أخرى تبعدها قبضة شطناوي.

الدقيقة ٣٠: تفكير جدي بالعودة إلى النوم. ملل.

الدقيقة ٣١: حركة نذالة من سواريز، يعيق مدافع أردني من الخلف، والكرة أصلاً خارج الملعب.

الدقيقة ٣٣: فرصة خطيرة جداً، مدافع الأردن يعيد الكرة برأسه خفيفة إلى الحارس شطناوي، بنعجق شوي وبسيطر عليها.

الدقيقة ٤٠: من الواضح أن منتخب الأردن أفضل بكثير من مباراة الذهاب، إغلاق كامل في الدفاع مع محافظة على الكرة وحيازتها بشكل جيد.

الدقيقة ٤١: هجمة سريعة للأوروغواي تنتهي برفعة على رأس كافاني يحولها فوق زاوية المرمى بعيدة نسبياً لكن ذلك لا يمنع شطناوي من قفزة استعراضية مبالغ فيها احتياطاً.

الدقيقة ٤٣: أجمل لقطات المباراة وأخطر فرصة في المباراة من ضربة ركنية مرسومة كأنها من مسلسل رسوم متحركة. تلعب الكرة باتجاه كافاني أثناء ركضه بعيداً عن المرمى باتجاه أعلى منطقة الجزاء، فتسحب معها الحارس والمدافعين، يلعبها كافاني برأسه “لوب” فوق الحارس والمدافعين باتجاه لوغانو أطول لاعبي الأوروغواي الذي يحولها برأسه نحو المرمى يتابعها لاعب آخر من الأوروغواي برأسه لوضعها في الشباك ترتد من العارضة إلى خارج الملعب. لعبة جميلة.

الدقيقة ٤٦: نهاية الشوط بضربة ركنية أخرى للأوروغواي.

طبعاً كل التعليق الآن هو يا ريت لعبنا هيك في مباراة الذهاب، دون الأخذ بالاعتبار ظروف المباراتين: المباراة الأولى كانت مباراة نهائي، مباراة اليوم مباراة ودية.

متابعة التعليقات على تويتر تثبت أن القريني فعلاً كان نجم الشوط الأول حيث أفاد المشاهدون بأن اللاعب كافاني “أمه تمتلك مخبز”.

الشوط الثاني

الدقيقة ٤٧: تبادل للكرة بين منطقتي الجزاء بدون تسديدات على المرمين أو أي خطورة.

المعلق الانجليزي يشير إلى أن الصوت الذي نسمعه في الخلفية والذي يغطي أحياناً على صوت المعلق نفسه هو صوت حسام حسن الذي يصرخ بالتعليمات بلا انقطاع طول المباراة. تخيل إنك تسمع صراخ المدرب عليك كل ما تمسك كرة أو تحاول تلعب رمية تماس! لا اتوقع أن يكون ذلك مفيد أو مسلي للاعبين.

الدقيقة ٥٠: قبضة شطناوي تبعد ركنية أخرى.

الدقيقة ٥٢: المدافع شريف عدنان حتى الآن صار متقاتل مع نص فريق الأوروغواي أثناء التغطية في الرفعات. بس أداء طيب منه، باستثناء اللعبة في نهاية الشوط الأول لما فلت منه لوغانو.

الدقيقة ٥٣: قبضة شطناوي تسيء تقدير رفعة هذه المرة، فيسقط على الأرض بينما الكرة أمام كافاني الذي يعكسها أمام المرمى الفارغ، لكن تنقطع من الدفاع الذي يغطي بفاعلية.

الدقيقة ٥٦: أخطر فرص الشوط، ضربة حرة من سواريز على المرمى مباشرة بارتفاع منخفض خطير يبعدها شطناوي بكلتا قبضتيه.

الدقيقة ٥٨: ضربة حرة للأردن على طرف الجزاء ملعوبة إلى داخل خط الستة يخلصها الدفاع.

المباراة أنشط بكثير ويتبادل الفريقان الحيازة.

تبديل للفريقين: دخول خليل بني عطية وديغو فورلان.

الدقيقة ٦٠: ركنية أخرى خطرة للأوروغواي برأس لوغانو الذي يضعها فوق زاوية المرمى من مسافة نصف متر رغم هروبه من الرقابة.

الدقيقة ٦٢: فرصة فعلية للأردن بوجود أربعة مهاجمين في الأمام أمام أربع مدافعين، تصل لأحمد هايل داخل خط الستة، لكن تتخلص من الدفاع قبل أن يتمكن من التسديد.

الدقيقة ٦٥: ركنية عند عبدالله ذيب، يغير اتجاهه مرتين ويخدع مدافعين ليحضر لرفعة تنتهي سيئة مباشرة عند الحارس.

الدقيقة ٦٧: أول كرة تحتاج لجهد من حارس الأوروغواي في المباراتين، بتسديدة أرضية من خارج منطقة الجزاء، يرتمي عليها الحارس.

الدقيقة ٧٥: تفكير بالعودة للنوم. الأحداث محدودة.

جميع هجمات الأوروغواي تتبع نفس النمط بالاعتماد على الكرات العرضية والركنيات بانتظار غلطة من الدفاع تؤدي إلى هدف سهل.

الأردن يلعب بثقة وبثبات على الدفاع ويبادل بالهجمات.

الدقيقة ٨٥: دفعة أخيرة للأوروغواي وهجوم بحوالي سبعة لاعبين لأول مرة في المباراة، يقابلها دفاع صلب من الأردن بثمانية لاعبين.

الدقيقة ٩٢: لاعبو الأوروغواي يبدأون الاحتفال بكونهم الفريق الأخير المتأهل إلى نهائيات كأس العالم ٢٠١٤ في البرازيل.

الدقيقة ٩٤: نهاية المباراة وصمت يعم شوارع عمان بالرغم من الأداء الممتاز والنتيجة المرضية.

أثبت مشوار المنتخب الوطني في تصفيات كأس العالم الأخيرة بأن الشعب الأردني يحب أن يشجع كرة القدم المحلية، لكن في ظل ظروف مناسبة وأسباب تدفعه لذلك. لعبت عوامل كثيرة دوراً في وصول المنتخب الوطني إلى هذه المرحلة من التصفيات، وهو لا شك إنجاز، وإن كان إنجازاً “متفرداً” أو حتى مفاجئاً. لكن مما لا شك فيه أن كرة القدم الأردنية، والرياضة الأردنية بشكل عام، ما زالت في بداية الطريق لبناء برامج، تجعل الوصول إلى مثل هذه المرحلة حدثاً متكرراً عاماً بعد عام، وفريقاً بعد فريق. ربما كانت هذه هي الفرصة التي تلفت النظر إلى الحاجة والمباشرة لبناء هذه البرامج من فرق الناشئين والشباب (التي حققت مؤخراً نتائج متواضعة جداً في تصفيات آسيا) والأهم، من خلال الدوري الذي يحتاج لوقفة ذات الجمهور خلفه ومتابعته ودعمه للوصول إلى منتخب لا يعتمد على لاعب أو مجموعة لاعبين أو على الصدف والمناسبات، بل يصبح منافساً دائماً إلى جانب الفرق الآسيوية العريقة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية