الإعلام يواسي الرئيس بتراجع شعبيته

الأربعاء 06 تشرين الثاني 2013

رصد سوسن زايدة

انتظرنا التعليقات الإعلامية والسياسية لتفسر نتائج غير مألوفة لاستطلاع رأي حكومي أظهر “تراجع شعبية” حكومة عبدالله النسور، لكنها لم تفعل سوى أن زادت من تناقضات المشهد ومن تشويش الرؤية.

درجت العادة أن يجري مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية استطلاعا لتوجهات الرأي العام حول أداء الحكومات، وأن يخرج بنتائج تنسجم مع توجهات المركز الذي تموله الحكومة وتعين مديره. لكن نتائج الاستطلاع الثاني لحكومة النسور خالفت المعتاد وأظهرت تراجعا ملموسا لشعبية الحكومة.

التفسيرات الأولية جاءت عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتحدثت عن خلافات داخل الحكومة، وتحديدا بين الجهازين السياسي والأمني، تكررت مؤخرا في التعليق على أحداث مثل اعتقال النائب يحيى السعود وتحويل ناشطين مدنيين إلى محكمة أمن الدولة. خلافات نفاها رئيس الوزراء في حوار مطول مع صحيفة الغد.

والجديد هنا ليس حديث الناس عن خلافات داخل الحكومة، وإنما لقاء الرئيس بعد إعلان نتائج الاستطلاع مع صحيفة الغد الخاصة (وليس مع وسيلة إعلام حكومية كالرأي، وكالة بترا أو التلفزيون الأردني)، والحديث مطولا لتبرير سياساته وقراراته غير الشعبية.

جدل “الشعبية”

الرئيس اختار صحيفة الغد بموقفها المعتدل مع بعض الميل للتعاطف معه في محنته، ظهر في أعمدة كتابها: فهد الخيطان، محمد أبورمان وموسى الشتيوي، مدير المركز نفسه الذي أجرى الاستطلاع. وازنتها قليلا مقالتا رئيسة التحرير جمانة غنيمات والكاتب إبراهيم غرايبة، اللتان انتقدتا الحكومة وحملتاها مسؤولية تراجع شعبيتها وفشلها في “تفعيل وترشيد المؤسسات والخدمات العامة” و”تحصيل الموارد العامة وتوزيعها بكفاءة وعدالة”، وفي وضع “خطة موازية” لقراراتها غير الشعبية.

في صحيفتي الرأي والدستور الحكوميتين لم تظهر الحملات الإعلامية المألوفة، دفاعا عن الحكومة أو هجوما على معارضيها. ولم يعلق كتاب “الرأي” دفاعا عن الرئيس، باستثناء مقالين للكاتب فهد الفانك، وثالث جاء متأخرا للكاتب جهاد المومني. وكذلك كان حال في الدستور التي لم يفزع فيها للرئيس سوى كاتب واحد، ماهر أبوطير.

والمحصلة تسعة مقالات صحفية عكست موقف كتابها من أداء حكومة النسور. تراوحت بين التأكيد على أهمية توجهات الرأي العام حول أداء الحكومة، وبين التقليل من شأنها وتبسيطها بمفهوم “شعبية الحكومة”، كما تكررت على لسان رئيس الوزراء والملك. وبين تبرير وعدم تبرير تراجع هذه الشعبية بعوامل خارجة عن إرادة الحكومة نفسها.

يربط أبو رمان بين نتائج الاستطلاع وبين “الأزمة المالية الخانقة التي اضطرت الحكومة للتعامل معها عبر قرارات غير شعبوية“. ويوازن أبوطير بين “معيار الشعبية عند الحكومات” التي “باتت تفتخر انها لا تبحث عن الشعبية، باعتبار ان الشعبية تعني اتخاذ اجراءات يصّفق لها الناس، على حساب الخزينة او الاستقرار”، وبين “الشعبية كوسيلة حكم، وليس مجرد سمعة، لأنها تعني الثقة بالحكومات وبالقرار”. ويطرح الخيطان للنقاش سؤال إن كان “انخفاض الشعبية يبرر رحيل الحكومات؟“.

ويقلل المومني من شأن “شعبية الحكومة” ويراها مرهونة بـ”السيرة الطيبة والكلام الجميل المعسول” وليس بـ”سجل انجازاتها”. ويذهب الفانك إلى أبعد من ذلك باعتباره أن “هبوط شعبية الحكومة مؤشر على النجاح!“، ويدعو في مقال آخر إلى إعادة النظر بـ”معايير قياس الأداء الحكومي” بمعزل عن “المزاج الشعبي” الذي “لا يقيس الإنجاز الحقيقي، فليس لدى المستطلعين معلومات كافية تسمح لهم بإصدار أحكام قاطعة”.

المفارقة برزت في مقالة مدير المركز المنفذ للدراسة. الشتيوي، “وفي محاولة تفسير تراجع شعبية رئيس الوزراء د. عبدالله النسور وحكومته إلى هذه الدرجة”، أو بالأحرى تبرير “نتائج استطلاع اتجاهات الرأي العام الأردني بعد مرور مائتي يوم على تشكيل حكومة النسور الثانية”، يحدد أن الإعلام يأتي أولا في “التأثير على الرأي العام حول أداء الحكومة“، سابقا “انعكاس السياسات والقرارات الحكومية على الواقع المباشر للمواطنين وبخاصة على مستوى معيشتهم وفرصهم الحياتية المختلفة”.

وفي المقالة يحمل المسؤولية “للفضاء الالكتروني الذي يتمتع بجرأة وصراحة أكثر من الإعلام التقليدي، وبعد الانتفاضات العربية بدأ يدخل في معادلة صناعة الرأي العام”. ويخص “الإعلام الفضائي” حيث “بات يُشار للرئيس بأنه رئيس “رفع الأسعار”، بالرغم من أن هذا ليس الشيء الوحيد الذي قامت وتقوم به الحكومة”.

وحتى الإعلام الحكومي، بمختلف أدواته من مؤسسات إعلامية وأقسام وناطقين إعلاميين في الحكومة، يحملهم الشتيوي جزءا من مسؤولية تراجع شعبية الحكومة، فيما اعتبره “تقصيرا” من “الحكومة بشكل عام من إبراز إنجازاتها وإيجابياتها”.

مدير المركز، الذي يقوم سنويا باستطلاع الرأي العام حول أداء الحكومات، يعزو تراجع شعبية حكومة النسور إلى أربعة عوامل، ثلاثة منها خارجة عن إرادة الحكومة. أولها الإعلام، بالإضافة إلى “التكوين السياسي والأيديولوجي للأفراد والذي عادة ما يُحدد مواقف مسبقة من الحكومة”، و”أحداث محددة يكون لها تأثير مرحلي”.

وحتى العامل الذاتي الوحيد الذي يعترف الشتيوي به في تحديد شعبية الحكومة، وهو “القرارات الاقتصادية التي اتخذتها”، فيبرره بـ”الوجود الكبير للاجئين السوريين في مناطق المملكة كافة، والذي كان له أثر مهم وسلبي على مستوى معيشة وخدمات المواطنين، وأدى إلى زيادة الطين بلة”.

ويدعم الشتيوي تحليله لدور الإعلام في تحديد شعبية الحكومة بنتائج استطلاع مركزه. “فللمرة الأولى منذ أعوام جاءت نتائج العينة الوطنية أكثر إيجابية من نتائج عينة قادة الرأي”، و”باستثناء فئة الأحزاب والصحافة، جاء تقييم الفئات الأخرى إيجابياً جداً”. وبرر نتائج عينة الأحزاب بأن “حكومة د. النسور الثانية كانت “حكومة اقتصادية” بامتياز، وغاب عنها البعد السياسي أو الأجنده السياسية”.

استطلاع واحد وعناوين متضاربة

على صعيد الأخبار، نقلت الصحف الورقية والالكترونية الاستطلاع، كاملا أو مجتزءا بما يعكس اهتمام الصحيفة بنتائج الاستطلاع، وبعناوين اختلفت باختلاف توجهات الصحف. فنشرت الغد الاستطلاع كاملا واختارت عنوانا ومقدمة تعكس المعلومة الأهم: “تراجع نسبة الواثقين بقدرة النسور على تحمل مسؤوليات المرحلة”.

واختارت الرأي عنوانا ومقدمة لا تعكسان موضوع الاستطلاع (الرأي العام حول أداء حكومة النسور)، وإنما فكرة فرعية وردت في الاستطلاع: “ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة يتصدران مشاكل الأردنيين“. وكذلك موقع عمون الذي عنون تقريره بتبرير “تراجع ﺄﺳﮭم ﺣﻛوﻣﺔ اﻟﻧﺳور بارﺗﻔﺎع اﻷﺳﻌﺎر واﻟﻐﻼء“، تلاه عنوان فرعي عن “ضعف أداء مجلس النواب” و”نجاح زمزم لأنها هدفها مصلحة الوطن والمواطن”. وحقق عمون بذلك هدف الاستطلاع الدعائي لمبادرة زمزم بوصفها “انشقاقا عن جماعة الإخوان المسلمين”.

وكعادة الدستور تناقض العنوان الذي اختاره المحرر “60% من قادة الرأي يؤكدون قدرة رئيس الحكومة على تحمل مسؤوليات المرحلة” مع ما جاء في مقدمة وتقرير المراسلة الصحفية عن أن “هناك تراجعاً واضحاً في نسبة من يعتقدون بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح لدى عينتي قادة الرأي والرأي العام”.

غالبية المواقع الالكترونية الإخبارية نشرت الاستطلاع كما وردها من المصدر، بلا جهد تحريري، وعنونته بأول رقم أو عنوان ورد في بيان المركز عن نتائج الاستطلاع، بلا اعتبار للقيمة الإخبارية، مثل عمان نت، الوقائع الإخبارية، خبر جو  والمدينة نيوز.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية