متلازمة السيسي مانيا!

السبت 09 تشرين الثاني 2013

بقلم باتر وردم

بالرغم من كل الأخطاء والخلل والارتباك والسلطوية التي شكلت علامات فارقة في السنة التي حكم بها الإخوان المسلمين مصر عن طريق محمد مرسي، فإن أمرا واحدا يمكن أن ينظر له بإيجابية بأثر رجعي وهو قدرة الإخوان على تحمل النقد الإعلامي القاسي الذي كان موجها لهم. لم يقم مرسي ولا الإخوان بإيقاف برنامج باسم يوسف خلال سنة كاملة تضمنت ساعات عديدة من السخرية المبررة وأحيانا المبالغ بها أحياناً أخرى والنقد الشديد لنموذج الإخوان في الحكم، ولكن الأمر تطلب حلقة واحدة فقط ودقائق من الانتقاد المبطن لحكام مصر الجدد حتى قررت القناة ايقاف البرنامج!

أثبت مرسي إذا وهو يقف الآن أمام محاكمة تشوبها علامات استفهام حول شرعيتها بأنه كان ديمقراطيا أكثر من النظام الانتقالي الحاكم في مصر حاليا. المفارقة الغريبة التي يمكن إضافتها حول قرار ايقاف برنامج باسم يوسف هو مدى التأييد لقرار القناة هذا من قبل نسبة عالية ولا يستهان بها من الشعب المصري ترى في الفريق عبد الفتاح السيسي بطلا قوميا ومشروعا جديدا للسلطة لا يقل تفردا عن جمال عبد الناصر.

يحلو للإخوان المسلمين ومؤيديهم أن يصفوا ما حدث في 30 حزيران وما تلاه بأنه انقلاب على الشرعية مدعوم بقوى خارجية، ولكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن السيسي بات يحظى بنوع من “الاندفاع الجماعي” من التأييد والدعم من فئات كثيرة من المصريين ترى فيه شخصية استثنائية. هذه العملية تعيد إلى الأذهان وبشكل يثير القلق الطريقة التي أدّت إلى خلق نموذج السلطة المطلقة لعبد الناصر وصدام حسين والقذافي وعبد الله صالح، بغض النظر عن التباينات الكثيرة في طريقة حكم وإدارة كل منهم.

صناعة الطاغية لا تبدأ فقط في رغبة ذاتية لدى شخص يملك الطموح والكاريزما، بل تترسخ في سقوط نسبة كبيرة من الرأي العام في فخ التمجيد والتفخيم لهذه الشخصية

صناعة الطاغية لا تبدأ فقط في رغبة ذاتية لدى شخص يملك الطموح والكاريزما، بل تترسخ في سقوط نسبة كبيرة من الرأي العام في فخ التمجيد والتفخيم لهذه الشخصية ومنحها مواصفات استثنائية تضعها في صورة البطل المنقذ. هذه التحولات السريعة في مصر والانقسام الاجتماعي-السياسي الكبير تساهم في إخفاء الصعود المذهل للفريق السيسي ليصبح الرجل الأقوى في مصر ولعدة سنوات قادمة ليس فقط في السلطة العسكرية بل الامتداد الشعبي الذي هو أهم بكثير من أدوات السلطة الحالية.

في عهد السيسي فتح الجيش المصري النار على مواطنيه لأول مرة في تاريخه وباسلوب القنص المباشر، وتم الانقضاض على السلطة السياسية وكتم النقد الإعلامي ووجهات النظر المخالفة. ولكن الأخطر من ذلك هو مسار التقديس الذي اصبح يحاط به الفريق السيسي من الإعلام والقوى السياسية المصرية والمواطن العادي إلى درجة غير معقولة من السذاجة حيث قال البعض بأن السيسي سيحقق معجزات منها مساعدة المنتخب المصري لكرة القدم على التأهل لكأس العالم بالرغم من هزيمته في مباراة الذهاب أمام غانا بستة أهداف!

السيناريو القادم يشير إلى احتمالات كبيرة لتولي السيسي الرئاسة بعد “تقاعده” من الجيش، ليصبح الزعيم الأوحد وتعود مصر إلى منهجية “الريّس” الذي يتحكم بكافة خيوط السياسة، وهذا قد يشكل ضررا على مستقبل مصر والعالم العربي أكبر من سنوات من حكم الإخوان المسلمين لو استمرت بكل سيئاتها. في نهاية الأمر فإن جزءا كبيرا من المسؤولية يقع على هالة العظمة التي أحاط المجتمع المصري السيسي بها لأن الرأي العام هو الذي يصنع السلطة المطلقة، وظاهرة “السيسي مانيا” التي تجتاح مصر تستحق الكثير من الدراسة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية