يافطات vs. رشاشات

الأحد 08 كانون الأول 2013

بقلم عبدالله محادين

“إن كنا نرجو احترام القانون، فعلينا بدايةً أن نجعل القانون محترماً” – لويس برانديس

بداية فلنتفق أنه لا يوجد ما يسمى بالأمن الناعم والأمن الخشن؛ فالأصل أننا نتكلم عن تطبيق القانون وليس كنافة تختلف عندها الأهواء والأذواق. أول من سمعته يستخدم هذا المصطلح هو وزير الداخلية الحالي في مؤتمر صحفي قبل ما يقارب السنتين حين كان مديرا للأمن العام. حينها تشكلت نظرية مؤامرة في عقلي الصغير قوامها الإعتراف بذكاء “الباشا”، الذي أغلقت محكمة الشرطة قضايا تعذيب رُفعت على شخصه الكريم بحجة عدم وجود أدلة (منذ متى كان التشخيص والتقارير الطبية والشهادات أدلة أصلا)، واستشراف مستقبلٍ سيكون فيه الأمن الخشن، كما أسماه الباشا، حصريا ًمن نصيب حملة اليافطات وأوراق الهتافات. 

يستفزني جدا مصطلح “العنف الجامعي”، لأنني أرى فيه تسطيحاً لمشكلة مركبة وتبسيطاً ساذجاً لأزمة مجتمعية معقدة.  صحيح أن طلبة ملثمين دخلوا جامعة البلقاء قبل أسابيع بسيوف ورشاشات مما نتج عنه إصابة عشر طلاب وتعليق الدراسة إلا أن الوضع خارج أسوار الجامعة ليس مختلفا كثيراً. لا يتعلق الأمر فقط  في الارتفاع الكبير في “كمّ” حالات الانتحار والجريمة التي لا تخفى على أحد بل في”نوعيتها” أيضا؛ فالسيارة تُسرق ويكون أسلم الحلول دفع فدية لاسترجاعها، و”السرسرية” الذين تعرفهم مناطقهم جيداً أصبحوا أبطالاً في نظر من يشغّلون من شباب لا يجدون فرصة للعمل إلا تحت إمرتهم، والمخدرات لم تعد تمر كما كنا نتفاخر بل أصبحت تستقر وتتكاثر، وغيرها من حالات صارت واضحة للجميع. نعود لما حصل في جامعة البلقاء كمثال صارخ قريب؛ بعد يوم من الأحداث قامت الأجهزة الأمنية بتوقيف 16 شخصاً وتم تحويلهم إلى محكمة أمن الدولة، رغم كونهم مدنيين طبعاً، في انتهاك صريح مستمر لحقوق المتهمين المدنية وهيبة المؤسسة العسكرية. تم تكفيل جميع المتهمين خلال أسبوعين فقط من الأحداث. طبعا هنالك معتقلي رأي في الأردن منذ أكثر من ثلاثة أشهر ترفض المحكمة العسكرية إلى الآن تكفيلهم وفي الأمس القريب فقط خرج معتقلو رأي بكفالة بعد أن قضى بعضهم قرابة الخمس أشهر في السجون لأجل يافطة و/أو هتاف!

تختلف كثيراً مرحلة ما قبل الدولة التي نعيش مع دولة القانون؛ ففي دولة القانون مثلا، عكس باب الحارة، لا “يُمسَك عالشوارب” وعداً للقبض على قاتل، فتطبيق القانون لا يحتاج إبر تخدير رنانة تكون عاملاً في تأزيم حتمي في حالة عدم تنفيذها المحتمل. وفي دولة القانون لا يتم صياغة قوانين “تحت الطلب”، حصريا لغايات استهلاك “الرجل الأبيض”، بكلمات فضفاضة كالإرهاب يمكن أن يُدرَج تحتها في أي وقت تهم بالية مثل “تقويض نظام الحكم” في قضايا لا أدلة فيها سوى الهتاف واليافطة والمسيرة ل “قوننة” المحاكمة العسكرية لمدنيين بما يهين الجيش قبل “المتهمين”.

 الرسالة التي يستمر النظام في إرسالها هي واضحة جداً: لا يهم أن يدخن النائب تحت القبة، ولا يهم إطلاق الرصاص في الأفراح أو حتى في الجامعات، كل “الجرائم” تهون أمام حمل رأي مخالف لرأي السُلطة. وهنا تتضح تصريحات الباشا السابقة جيداً فمصطلح الأمن الخشن والناعم ليسا إلا بداية إعادة تشكيل لمفهوم مبتكر لدولة القانون تعتلي فيها قضايا الرأي رأس الهرم وما سواها دونها.

 كنا دائما نقول بأن الأردن بلد الأمن والأمان وهذا مكتسب وطني لم يتحقق بيوم وليلة ولم يكن ممكناً تحقيقه إلا بسواعد الشعب  مدنيين وعسكر وهذا التلاعب في القوانين والانتقائية في تطبيقها ليس إلا هدما لهذا المكتسب وخلقاً لوحش فوق كل قانون سوف يفترسنا جميعا.

ملاحظة: في جلستي القادمة في محكمة أمن الدولة التي تتم محاكمتي أمامها سوف أعترف أمام القاضي العسكري بأنني لم أحمل اليافطة التي يتهمونني بها و بأني يومها كنت أطلق الرصاص في إحدى الجامعات لعلّه يغلق القضية.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية