الإسكندرية في غيمة: قدّاس مكتظّ لراحة نفس المدينة

الأحد 09 شباط 2014

بقلم نسرين سالم*

يتفحص إبراهيم عبد المجيد في كتابه الرابع عشر، “الإسكندرية في غيمة”، الاضطرابات السياسية التي غشت مصر خلال حكم أنور السادات. في هذه الرواية لا يمكن للمرء إلا أن يسمع ويلاحظ صدى ثورة 25 يناير الشعبية وأن يرى التوازي بين هاتين الحقبتين المربوطتين في دورة تاريخية مفرغة.

الاسكندرية في غيمةنادر، الطالب الجامعي الفتي والشاعر والاشتراكي، يتصدّر السرد مع حبيبته يارا، الفتاة الرقيقة الهشّة التي تقع بحب كلماته بقدر ما هو متيّم بهشاشتها. بجانب هذا الزوج زوج آخر: حسّان وكاريمان. حسّان المقيم سابقًا في المنصورة يدرس في الإسكندرية، وكاريمان، وهي صديقة يارا العزيزة، تخوض معاركها الخاصة مع زوج أمّها الاسلامي والمنحرف.

تعرّفنا القصة على أصدقاء نادر وزملائه بالسكن: عيسى، وهو هاوٍ للتراث الايطالي وطالب جامعي ناضج ينتقل من كليّة الى أخرى لينشر معتقداته الاشتراكية، وحسن الذي يطمح أن يصبح كاتبًا مسرحيًا، وأحمد زميلهم الذي يقضي وقته يغري النساء حتى بعد أن أطلق لحيته واعتنق حبّات المسبحة، وأخيرًا بشر، الشاب الذي يبدو عاديًا والذي منفذ إحباطه الوحيد هو بائعتا الهوى اللتان تعيشان في الشقّة تحتهم. في البداية يظهر أن هؤلاء الشباب يمثلون نموذجًا عادياً من الشباب المصري: طموحين وإن كانوا محجّمين بسبب الفقر، وحماسيين وإن كانوا عاجزين. وبعد أن يُستهدفوا من قبل شرطة المخابرات يقررون أن يصبحوا اشتراكيين سريين. حتّى يارا تفاجئ نادر بحيويتها عندما تقابل جماعتهم السرية.

شخصيّات الرواية مثيرة للاهتمام، وبالرغم من أنها شخصيات ناقصة النمو والتطور -نظرًا لوجود العديد منها- تظل قصصها ذات جاذبية. قد يكون عبد المجيد قد قصد منها أن تكون رموزًا أو نماذج بدلًا من أن تكون شخصيات بحد ذاتها. ورغم أنه يمكن -بإبهام- تمييز هذا القصد، فإن هذا القصور في تطور الشخصيات يجعل التعاطف مع حيواتها ومحنها أمرًا صعبًا. من خلال عيون هذه الشخصيات، نرى تحوّل ثقافة الإسكندرية التدريجي، أولاً عبر سياسات السادات الرأسمالية، وثانياً مع بروز الأيديولوجية الإسلامية. ولكن كتابة عبد المجيد باستمرار تسحب القرّاء إلى وقت كانت فيه الإسكندرية عاصمة عالمية تضج بالأوروبيين واليهود التي ما زالت بصماتهم مرئية في هندسة وعمار المدينة. للأسف، ما بقي منهم هو مقابرهم فقط.

قراءة هذه الحبكة الروائية بينما نرى أحداث الربيع العربي تنكشف تجعل أحداث الرواية متوقعة. فتصل الأحداث إلى الذروة عندما يقرر الناس أن يثوروا فيجد نادر وأصدقائه أنفسهم في السجن لمدّة ستّة أشهر. وعندما يتركون السجن، تصبح حيواتهم مختلفة تماماً وتغدو أحلامهم مستحيلة.

يتخلل النثر بعض من شعر نادر، بالإضافة إلى كلمات أغانٍ من الموسيقى المصرية الكلاسيكية، مما يضفي إحساساً من الحنين والتوق إلى الماضي متغللاً بالسرد. نوال، وهي مغنية ومالكة لنادٍ ليلي يرتاده أبطال الرواية، تضفي أيضًا موسيقى مرافقة للرواية من خلال غنائها الكلاسيكي وتذكراتها.

تُختم الرواية بشكل مأساوي كما هو متوقع: فيفقد نادر يارا التي أُجبرت على الزواج بالشرطي نفسه الذي استجوبه. وقبل أن تختفي، نراها بتلة محتضرة بدلًا من الوردة المزهرة التي كانتها. كاريمان تحاول أن تنهي حياتها بنفسها من خلال إغراق نفسها في البحر المتوسط، ولكنها تفشل. ونكتشف أنها كانت حاملا في ذاك الوقت (ولكننا لن نكتشف من هو أبو الجنين) وأنها حاولت أن تقتل زوج أمّها.

تنتهي الرواية مع شعر تأبين ليارا يمكن أن يُقرأ كنقش ضريح للاسكندرية. خسارة يارا تمثّل خسارة الإحساس بالبيت والوطن. وشبيه بذلك أيضًا بلاء كاريمان الذي يعكس استيلاء الإسلاميين على الحياة العامة والسياسية والتي بالرغم من المحاولات لم تُوقف.

حنين عبد المجيد إلى الإسكندرية العالمية المزدهرة يتخلل السرد، فهو يرى الإسكندرية كمنارة أُطفأت بالقرن العشرين من خلال الأنظمة الحاكمة والإسلاميين المتقدمين إلى الواجهة. فحبكة الرواية مكتظّة بالشخصيات أكثر من الضرورة، كلها على شفير الهجرة إذ ليس لديهم في الإسكندرية سوى الأبنية والبحر.

متابعتي للأحداث الحالية في مصر ساعدتني على سدّ الثغرات، ولكن كمصرية و كإسكندريّة، ما زلت أتسائل لماذا انتهت الأمور بهذه الطريقة الميؤوس منها. تركتني الرواية غاضبة ومحبطة، ليس لأنني أعتقد أن الشخصيات تستحق نهايات أفضل (فأنا لم أتعاطف معهم كفاية لأشعر بذلك) بل لأن القرّاء يستحقّون أن يغوصوا في أعماق عدد أقل من الشخصيّات اللواتي كانوا من الممكن أن يثروا تجربة القراء مع المأساة التي يمثلها التاريخ المصري الحديث.

 

*نسرين سالم حاصلة على ماجستير بالكتابة الإبداعية، وهي طالبة دكتوراة في جامعة إسيكس، كاتبة، والمندوبة المصرية في انجلترا لاتحاد المرأة المصرية.

 

 

مقابلة مع الكاتب إبراهيم عبد المجيد أجرتها مهجة حسيب.

**اذا كان لديك اهتمام باجراء مقابلة مع أحد الكتّاب المذكورين أو بمراجعة احدى الكتب الرجاء ارسال بريد الكتروني لعنوان [email protected]

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية