جونا فراس يتحاور مع الروائي العراقي عبد الخالق الركابي عن روايته “ليل علي بابا الحزين” التي وصلت اللائحة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، وعن كتابته، ولماذا يعتقد الركابي أنه كان”مؤمنا أن لا بد لي من كتابة هذه الرواية مهما حصل.”
ماهي ـ باختصار ـ الأفكار الرئيسية لروايتك “ليل علي بابا الحزين” ؟
على الرغم من صعوبة اختصار فكرة رواية تضم، بين غلافيها، عشرات الأحداث والأشخاص، لكنني يمكنني أن أوجز فكرتها بتلك الكنية التي اشاعها الأمريكان على الألسن، أعني كنية (علي بابا) التي كانت تطلق على صغار اللصوص، في حين يتم غض الطرف عن اللصوص الحقيقيين اللذين جاؤوا في أعقاب الغزاة لا لينهبوا بيتاً هنا أو مخزناً هناك، بل لينهبوا البلاد طولاً وعرضاً. من هنا بدأت عملي الروائي على طريقة التفكيكيين: البدء من الهامش لتفكيك ما يبدو راسخاً من حقائق سرعان ما تتهاوى في النهاية واحدة عقب الأخرى.
عنوان الرواية لا بد أن يذكر القارئ الغربي بحكاية “علي بابا والأربعين حرامي” المشهورة، لكن هذا القارئ لديه اهتمام خاص بالعراق في العهد المعاصر: سؤالي يتعلق بكيف قررت هذا العنوان، ولماذا توجد فيه الإشارة إلى “الحزن”؟
من المعروف أن (علي بابا) في الحكاية التراثية المشهورة يقتص من مطارديه اللصوص بمعونة جاريته (قهرمانه)، لكن الذي حدث في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق هو اقتران هذه الكنية – أعني علي بابا – بصغار اللصوص، وكان للأمريكان دور في ذلك فانعكست الآية: فغدا (علي بابا) رمزاً لكل لص، فعملت في الرواية على فك هذا الإلتباس الحاصل، واضاءة دور (علي بابا) في الكشف عن اللصوص: اذاً قد يمثّل الراوي شخصية (علي بابا): ذلك لأنه يعمل على كشف المخفي خلال روايته فيفضح اللصوص الحقيقيين دون أن يغفر، بطبيعة الحال، لصغار اللصوص. أما كلمة (الحزين) فهي تشير إلى الاحتلال: فكل احتلال – لأي بلاد على كوكب الأرض – سيكون ليلاً حزيناً على الشعب الذي يقع تحت وطأته ولا سيما حينما يقترن هذا الاحتلال بحرب أهلية ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء.
يمكننا أن نقرأ أن فكرة الرواية “ليل علي بابا الحزين” تعود إلى حياتك وخبرتك في العراق خلال السنوات الأخيرة. متى تبلورت فكرة الرواية، وهل أدت أية أحداث أو أوضاع معينة إلى قرارك بأن تقوم بكتابتها ؟
لم أشعر بنازع أخلاقي يكمن وراء كتابة أية رواية من رواياتي السابقة مثلما شعرت عند كتابة هذه الرواية، فهي شهادتي على ما جرى، هذه الشهادة التي لو لم أدلِ بها على شكل رواية لما غفرتُ لنفسي ذلك حتى آخر لحظة من حياتي: ففي ذروة احتدام الأحداث، عند نشوب الإقتتال الطائفي على إثر تفجير سامراء، أيقنت بأن كل ما تلقنته من فكر وفلسفة يتعلقان بالحداثة وما بعدها هراء إن لم أستطع أن اوظفهما في كتابة رواية. لا أعني بذلك أنني كتبتها انطلاقاً من أيدولوجية معينة قدر ما كان هناك واجب انساني يقتضي مني كشف الحقيقة ـ أو الحقيقة النسبية من وجهة نظري ـ لما جرى من فظائع مهولة لم يخطر لي أن العراقيين سيمارسونها بدم بارد. من هنا جاء قراري بكتابة الرواية ولتكن النتيجة ما شاء الله.
متى بدأت عملية كتابة رواية “ليل علي بابا الحزين” وماهي الصعوبات التي واجهتها أثناء كتابتها؟
كتبتها على مدى فترة زمنية تجاوزت العامين بأشهر، ولم تواجهني صعوبات تُذكر أثناء الكتابة، وذلك لأنه كان قد سبق لي أن أعددت مادتها المتعلقة بالحصار إذ إنني ـ كما ذكرت في جواب سابق – كنت مؤمنا أن لا بد لي من كتابة هذه الرواية مهما يحصل، كما أنني عايشت الأحداث بدقائقها ومنها هربي بأسرتي من بغداد قبل الإحتلال.
لأن ثمة أرواحاً ستزهق وأسراً تشتت وأوطاناً تمزق وحريات تنتهك وأحقاداً تولد ستؤدي إلى رسوخ الشر أكثر
هل استشرت أشخاصاً أو مراجع مكتوبة معينة؟ أم اعتمدت أكثر على تجاربك الشخصية خلال عملية الكتابة؟ وهل اختلف ذلك عن طريقة كتابة رواياتك السابقة؟
الرواية هي مزيج من تجاربي الشخصية مع الإستعانة باستشارة اشخاص ومراجع مكتوبة، وقد ذكرتها كلها في الصفحة الأخيرة للرواية كما دأبت في رواياتي السابقة، بيد أن الصعوبة كانت للجانب الشخصي لأنني عايشت الأحداث كما سبق لي أن ذكرت.
كيف يتم الربط بين فترات تاريخية مختلفة في الرواية، على سبيل المثال المقارنة بين طلقات تسمعها شخصيات الرواية وطلقات احتفالية بتنصيب الولاة العثمانيين؟ هل يمثل التاريخ في روايتك دوراً “مجازياً” فحسب، أم أن أهميته تجاوزت ذلك ؟
ما سهّل من تداخل الفترات التاريخية هو كونها كلها معنية باحتلال العراق سواء أكان الإحتلال العثماني أم البريطاني أم الأمريكي الأخير، لذلك نرى (الإحتلال) هو.. هو أية جهة مثّلت المحتل، والضحية هي الشعب العراقي: فبقدر ما نحَتِ الرواية منحىً مجازياً في جوانب معينة منها – كما هو شأن أية رواية معاصرة – هيمن عليها، من الجانب الآخر، ثِقل الواقع المتمثل بعذاب شعب عريق هو من أقدم وأعرق شعوب الأرض منذ السومريين، ليتحول إلى ضحية للإستعمار والكولونيالية بشتى أقنعتها وملابسها.
لماذا استثمرت ضمير المتكلم في سرد أحداث الرواية؟ ما هي، في رأيك، الدوافع الرئيسية التي تحرك الراوي المتكلم؟ وكيف تختلف عن الشخصيات الرئيسية الأخرى في الرواية؟
أنا أميل إلى استثمار ضمير المتكلم في أغلب رواياتي التي صدرت في الفترة الأخيرة لما يمتلك هذا الضمير من حميمية وتآلف مع المتلقي، أما بشأن الدوافع الرئيسية التي تحرك الراوي فهي لا تتخطى دوافع إنسان يعيش يومه ويحاول أن يحمي أسرته فضلاً عن طموحه باستثمار ذلك في كتابة رواية، وهذا ما يحصل في خاتمة المطاف. ومن المؤكد أن الشخصيات الرئيسية الأخرى تختلف عن الراوي بمحدودية إلمامها بالأحداث قياساً إلى الراوي الذي يُمثّل البؤرة المركزية التي تمر الأحداث كلها من خلالها.
ماذا ترى من أهمية روايتك للجمهور خارج العراق والوطن العربي ؟ لو افترضنا أن قارئاً مجهولاً سألك “لماذا تعتقد أنه يجب علي قراءة روايتك؟” فماذا ترد؟
ردي يتلخص بأن روايتي قد تسهم في كشف جانب مهم من حقيقة ما جرى في بلاد بقيت على امتداد عقود من الزمان نهباً لأطماع قوى الاستعمار والكولونيالية بسبب كونها تحتوي على أكبر احتياطي للنفط. كما أن وجود أنظمة شمولية عُرفتْ بغبائها وتخلّفها وسوء إدارتها لدفة الحكم، وذلك بالتورط بحروب متلاحقة، منح تلك القوى المتحفزة للانقضاض المبررات الكفيلة بالإقدام على خطيئة الاحتلال التي أدت بالنتيجة إلى فتح أبواب الجحيم على مصراعيها: فالإحتلال الذي نجح في الاستيلاء على البلاد خلال فترة قياسية ها هو بعد مرور إحدى عشرة سنة يرى الأمور تزداد تردياً. ذلك لأنه قام بمغامرته تلك على ِوفق ما يجري في الألعاب الالكترونية غير مدرك أن المعضلات لا تنتهي على أرض الواقع بعبارة (Game Over) التي تختم بها عادة تلك الألعاب، ذلك لأن ثمة أرواحاً ستزهق وأسراً تشتت وأوطاناً تمزق وحريات تنتهك وأحقاداً تولد ستؤدي إلى رسوخ الشر أكثر.
**اذا كان لديك اهتمام باجراء مقابلة مع أحد الكتّاب المذكورين أو بمراجعة احدى الكتب الرجاء ارسال بريد الكتروني لعنوان [email protected]