هل تنتهي معادلة الولاء مقابل الإثراء؟

الثلاثاء 11 شباط 2014

بقلم باتر محمد علي وردم

ها هو الموسم يبدأ من جديد، والمهرجان السنوي أو الفصلي لتقديم معايير الولاء والوطنية المزاجية يجتاحنا حاليا نتيجة عدة أسباب منها المفاوضات مجهولة التفاصيل حول قضايا الحل النهائي في فلسطين، والجدل حول حقوق أبناء الأردنيات المتزوجين من غير أردنيين وغيرها من القضايا التي تطلق صافرة البداية لصخب متوتر غير مفيد يستمر لاشهر طويلة قبل أن يهدأ ويعود من جديد. الجديد في الموضوع فقط هو تزايد مستوى التردي في الخطاب المكارثي المدعي للوطنية والولاء وخاصة ما حدث في مجلس النواب قبل يومين في حملة الاتهامات الموجهة للنائب مصطفى حمارنة.

الحمارنة تعرض لهجوم قاس من نواب مخضرمين شاركوا منذ العام 1989 فيما يسمى “رحلة الإصلاح الديمقراطي” في الأردن والتي في نهاية الأمر لم تقدم للبلاد اية نتائج ملموسة. موجة الغضب تركزت على قيام الحمارنة باستخدام وصف “الميليشيات العشائرية” في سياق انتقاده لمنهجية العنف الجماعي الذي بدأ يظهر في الأردن مؤخرا والانقضاض على مفاهيم الدولة المدنية. رئيس مجلس النواب قام بتحويل الحمارنة إلى لجنة السلوك والانضباط وهو اكتشاف مهم جدا للراي العام في معرفة وجود لجنة كهذه بالرغم من أنه لم يتم تحويل اي نائب لها في السابق حتى أولئك الذين استخدموا الأسلحة النارية في المجلس وعلى شاشات التلفزيون أو الذين تفننوا برمي الأحذية على النواب الآخرين وافتعال المعارك الجسدية داخل القبة.

نحن من الشعوب القليلة في العالم التي لا زالت غير قادرة على حسم ضرورة التحول نحو دولة مدنية لجميع مواطنيها، ومن الشعوب التي لا زالت تواجه ذاتها باتهامات حول جدية ومصداقية الولاء للدولة بين أفرادها. وبدلا من التصدي للتحديات السياسية والاقتصادية والتنموية التي تؤثر على سبل معيشة ومستقبل الجميع في هذه البلد فإننا نصر دائما على إحداث التمييز خاصة من قبل مجموعة تستمتع بلعب دور المرجعية الوطنية في توزيع صكوك الوطنية والولاء. البعض يضع الجغرافيا شرطا للولاء، والبعض الآخر يحدد لحظة معينة في التاريخ تفصل بين ما هو قبلها وما هو بعدها، والبعض يركز على السياق الاجتماعي والعائلي شرطا للانتماء والأخطر من ذلك هو قيام البعض بجعل نوعية التخطيط لمستقبل الدولة معيارا للولاء، فمن يريد الاستمرار في الدولة الريعية التقليدية هو وطني ومن يريد التحول نحو دولة مدنية حديثة هو عميل للخارج بغض النظر عن الأصول والمنابت.

كل هذا الطرح يتناقض تماما مع الأسس التعددية التي قامت عليها الدولة الأردنية والتي يحميها الدستور، فلا أحد يملك اي حق في تصنيف وتقييم المواطنين في مستوى الولاء بناء على مثل هذه المعايير ولا أحد يملك الحق في توزيع صكوك الإنتماء لأي مواطن أردني. هذا في حال وافقنا على  أن الدولة الحديثة في القرن الحادي والعشرين تحتاج إلى شروط الولاء من قبل مواطنيها أكثر من شروط الانتاجية الايجابية والقبول العام بسيادة القانون على الجميع.

كل شخص بنى مدماكا في الأردن هو منتم وكل شخص ساهم في تقديم خدمة لأبناء المجتمع هو وطني. المعيار الوحيد لنوعية الولاء والانتماء هو العمل والنزاهة وكل شخص تميز بالنزاهة ونظافة اليد وخدم المجتمع والدولة الأردنية لا يحق لأحد التشكيك في انتمائه.

أسوأ انواع الولاء في الأردن هو الولاء الانتهازي الظاهري الذي يعتمد على معادلة الإثراء والمكتسبات مقابل إعلان الولاء

اسوأ انواع الولاء في الأردن هو الولاء الانتهازي الظاهري الذي يعتمد على معادلة الإثراء والمكتسبات مقابل إعلان الولاء. السبب هو أنه في اللحظة التي يتغير فيها العنصر الأساسي من المعادلة مثل انتهاء مصدر الإثراء نتيجة جفاف مالي تمر به الدولة، نجد أن كثيرا من “الموالين” تحولوا إلى معارضين وهاجموا الدولة نفسها التي مدت لهم أياديها بالعطاء الجزيل منذ سنوات. هل يمكن الثقة في هذه المجموعة من الناس لتعطي نفسها الحق في تصنيف الولاء والوطنية؟

لا أحد ينكر بأن الأردن يواجه حاليا الكثير من التحديات الحساسة وخاصة في سياق الحل النهائي للقضية الفلسطينية وتداعيات الأزمة المتفاقمة في سوريا ولكن يجب الانتباه والحرص قبل أن نقرر القفز الانتحاري في مستنقع تصنيف الهويات والولاء. علمتنا تجارب الدول في العالم أنه لا توجد دولة مبنية على “نقاء ووحدانية” في الهوية الثقافية  والديمغرافية، وأن تعدد الهويات الثقافية سائد في كل دول العالم والدول الناجحة هي التي تستثمر هذا التعدد ضمن إطار المواطنة والديمقراطية والتنمية والدول والمجتمعات الفاشلة هي التي تسعى وراء إحداث انقسام سياسي مبني على تعدد الهويات الثقافية.

بدون أن أحاول الظهور بهيئة المنظّر ولكن أود أن أختم بالقول بأن واجب كل المؤمنين بوحدة هذا البلد والمنتمين له سياسيا التمسك بخيار الدولة المدنية وتعدد الهويات الثقافية والتوجهات السياسية ضمن إطار ولاء عملي وليس شعاراتي للدولة والتي بدورها تعامل المواطنين بسواسية ووفق قانون عادل لا يمكن السماح بتجاوزه. هذا يتضمن أيضا رفض كل دعوات تقسيم الولاء على أسس ديمغرافية أو تاريخية أو ثقافية أو سياسية لأن هذا هو أخطر مدخل للترويج لمؤامرة “الوطن البديل” التي يدعي البعض أنهم يحاربونها، خاصة إذا كان من يدعي مرجعية الولاء هو نفسه قد بنى ولاءه على معادلة الإثراء الفاسد والمعتمد على نهب موارد الدولة وحقوق الآخرين.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية