رواية كل من سُلب مسقط الرأس ومهوى القلب

الأربعاء 05 شباط 2014

بقلم دينا الهواري – مدونة وكاتبة من مصر

books1.741445عنوان المقال هنا ليس من ابداعي، إنما هي الجملة التي تأتي على ظهر الكتاب تحت اسم رواية “طشاري” للكاتبة العراقية إنعام كجه جي، وهي جملة لا أجد أبلغ منها لوصف الرواية التي احترت أمام معنى اسمها، قبل أن يأتي الشرح على لسان أحد بطلات الرواية بأن “طشاري” مفردة شعبية عراقية بمعني التشرذم أو الشتات، وهذا هو محور الرواية.

تبدأ الأحداث في فرنسا بجملة “هذا هو قصر الإليزيه إذن”، فتعتقد أن الرواية عن حياة بعض العرب الذين أخذتهم أقدارهم إلى العيش بالغرب، إلا أن الرواية تحملنا إلى أدق وأعمق تفاصيل العراق من خلال قصة طبيبة عراقية (الدكتورة وردية كما يناديها أهل البلد) والتي تمارس الطب وتُــنشئ أول غرفة توليد في الديوانية بأرياف العراق. تحكي لنا الدكتورة وردية قصة العراق الذي عاشته وحملته في قلبها من الخمسينات فتكون شاهدةً على تاريخ البلد إلى العصر الحالي.  وردية من أسرة مسيحية من الموصل تتنتقل فيما بعد إلى بغداد، بنات العائلة من الأوليات اللاتي درسن وحملن الشهادات العليا واغتربن للعمل وقدن السيارات في تفتّح يدعمه الأخ، رب الأسرة، الذي يوافق أن تسافر أخته وردية إلى الديوانية لتمارس الطب الذي تعلمته وتشق طريقها بين سيدات الأرياف اللاتي لا يؤمن بالذهاب إلى الطبيبات للتوليد، إلا أنها تصر وتكافح وتُنشئ غرفة التوليد وتتقرب من أهل البلد وتلجأ لمساعدة العلوية ذات الشأن هناك وتثابر حتى يتقبلها الناس إلى أن تصبح علامة يتفاخر الأبناء فيما بعد أنها من “ملصتهم” من بطون أمهاتهم (أي ولّدتهم).

تتبادل الرواية فصولاً من الحكي بين العراق المتوحد قديماً الذي لم يعرف الطائفية، حيث عاشت وردية المسيحية تولد نساء كل الطوائف، إلى العراق الحالي الذي قطعت الانشقاقات أوصاله فأصبحت المناطق مقسمة بحسب الطوائف. وكما تشقق العراق الأرض، نرى أهل العراق أيضاً  تشتتوا في بقاع الأرض حيث نتابع قصص أفراد أسرة وردية الذين يضطرون للهجرة إلى مناطق مختلفة بعد تعرضهم للضغوط واستحالة حياتهم في العراق، فتتابع وردية اختلاف التوقيت في البقاع التي عليها متابعتها في ايجاز موجع “السابعة صباحاً في باريس. التاسعة في بغداد. العاشرة في دبي. منتصف الليلة الماضية في مانيتوبا. الواحدة بعد منتصق الليل في هاييتي”.

الرواية قوية بحجم وطن بين فكي الشيطان كما تصفة وردية، ومن السهل على أي قارئ التماهي مع الأحداث بما نراه ونعيشه من انشقاقات وتقلبات في الكثير من البلاد العربية 

يمر السرد بعراق الخمسينيات والستينيات وقيام الثورة وإراقة الدماء ثم اندلاع الحروب والانشقاقات والتفجيرات ويتشابك كل هذا مع نجاح وردية وتفوقها في الطب وقصة حبها وزواجها والسياسات المفروضة عليهم ووصول الأبناء حتى الرحيل تباعاً إلى أن تضطر وردية إلى الرحيل هي أخرى وهي في الثمانين من عمرها على كرسي متحرك كلاجئة إلى فرنسا رغماً عنها. يتداخل السرد مع قصص الذين هاجروا قبلها من أبناءها إلى بلاد مختلفة أو ابنة أخيها التي تستقبلها في فرنسا وأزمات الهوية والكفاح التي تواجه جيل الوسط ، ثم الجيل الثالث البعيد جداً عن الموطن الأصلي ولا يفهم تمسك الكبار بحلم العودة إلى موطنهم. ذلك لم يمنع أن تقوم صداقة فريدة بين وردية وابن ابنة أخيها “اسكندر” الذي يتبنى هوس الكبار في الرغبة في الدفن بجانب الأقارب والأحباب ويعمل على تحقيق الحلم.

لم تركز الرواية  كثيراً على تفاصيل قصة الحب بين وردية وزوجها، إلا أن فيضان المشاعر قائم بشدة طوال خط الرواية في علاقات مختلفة ومتشعبة، ويصعب جداً تجاهل أتون المشاعر بين وردية وأبناءها المغتربين في بقاع عدة، فرسائل ابنتها الكبرى لها قطع من النوستاجيا والحنين.

الرواية قوية بحجم وطن بين فكي الشيطان كما تصفة وردية، ومن السهل على أي قارئ التماهي مع الأحداث بما نراه ونعيشه من انشقاقات وتقلبات في الكثير من البلاد العربية فنترحم على الجمال والسماحة التي نقرأ عنها في الكتب في حين يأخذنا الواقع الحالي إلى خوف من مستقبل ربما يجعلنا جميعاً “طشاري”.

مقابلة مع الكاتبة إنعام كجّه جي.

**اذا كان لديك اهتمام باجراء مقابلة مع أحد الكتّاب المذكورين أو بمراجعة احدى الكتب الرجاء ارسال بريد الكتروني لعنوان [email protected]

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية