(سبق نشر هذه المادة على مدوّنة “هلمّ جرًّا“)
الهوية الوطنية والوطن البديل قد يكونا أكثر المصطلحات استخداما في الساحة السياسية الأردنية في هذه الأيام.
فإعطاء أبناء الأردنيات حقوقا مدنية يؤدي إلى الوطن البديل، وإجراء إصلاحات دستورية والتوافق على قانون انتخاب عادل وقانون أحزاب يشجع على العمل السياسي يؤدي الى الوطن البديل. حق العمّانيين في انتخاب مجلس بلديتهم وأمينها يؤدي الى الوطن البديل. المطالبة بتفعيل الدستور الذي يوجب أن تكون التعيينات في الوظائف العامة على أساس الكفاية والمؤهلات تعني الدعوة إلى الوطن البديل.
واستكمالا لهزلية المشهد أصبحنا نجد أن أكثر الناس ادعاء بالخوف على فلسطين من مطلقي تلك المخاوف وتحويل المشروع منها إلى أحقاد هم أنفسهم الذين ساهموا وسّهلوا ووافقوا على معاهدة وادي عربة التي أسقطت حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
أحد هؤلاء من مهندسي تلك المعاهدة عمل سفيراً للأردن لدى إسرائيل ليكافأ بعد ذلك بمنصب رئيس الحكومة، والآخر من زعامات مجلس النوّاب الذي مرر تلك المعاهدة، ومعظم الباقين ممن حضروا وأطلقوا العيارات النارية ابتهاجا بتوقيعها أو لم يطلقوا النار واكتفوا بالحضور.
وهنا تظهر تمامًا الأهداف الحقيقية لمثل هؤلاء. لماذا؟ لأن إسرائيل هي الجهة التي لها مصلحة حقيقية في تصفية القضية العربية في فلسطين. ولأن معاهدة وادي عربة هي اللبنة الرئيسية بمساندة توأمها أوسلو في تشجيع عملية إفراغ الأرض المحتلة من سكانها.
لا يحق لمن وافق على وادي عربة أن يتصدر مشهد البكاء على الأوطان.
ألا يعتبر القائمون على معاهدة وادي عربة والموافقون عليها ومن حضر حفل توقيعها مؤيدين لعملية التوطين؟ أليس بكاؤهم اليوم على حقوق اللاجئين بالعودة هو فقط خوف على مكاسبهم بالمناصب العامة والسياسية؟ ماذا تعني موافقتهم على المادة الثامنة من معاهدة وادي عربة والتي وصفت مشكلة اللاجئين والنازحين باعتبارها مشكلة إنسانية من حيث المبدأ ومرتبطة فقط بالإسهام بتخفيض شدة المعاناة الإنسانية؟ ماذا يعني ما ورد في الفقرة 2/ب من ذات المادة بأن أحد الحلول لتسوية مشكلة اللاجئين هو: “من خلال تطبيق برامج الامم المتحدة المتفق عليها وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين، بما في ذلك المساعدة على توطينهم.”
لا يحق لمن وافق على وادي عربة أن يتصدر مشهد البكاء على الأوطان.
أن علينا نكون واقعيين ونواجه مشاكلنا كمواطنين بعيدا عن التجييش الذي يقوده المستفيدون من كل الأطراف، أن مجتمعنا منقسم من جميع الاتجاهات. وأكثر تلك الانقسامات خطورة هو الانقسام ما بين الأردنيين والأردنيون من أصل فلسطيني. صحيح أن الحكم ساهم بشكل رئيسي بهذا الانقسام لضمان استمرار انفراده بالسلطة، ولكن لنعترف أن هنالك واقعا اليوم يحتاج إلى معالجة. نعم يشعر الأردنيون من أصل فلسطيني أن هناك تمييزا ضدهم بدأ منذ أحداث السبعين باستبعادهم عن الوظيفة العامة والسياسية بشكل عام، والوظيفة العامة تشمل المدنية والعسكرية، أما السياسية فتشمل المناصب السياسية العليا في الدولة وقوانين الانتخاب التي تستبعد التمثيل الحقيقي لهم. وهو ما حدا بهم وعلى مدار السنوات إلى المقاطعة السلبية للعملية السياسية في البلاد بشكل عام، تراكمت حتى وصلت إلى حد اللامبالاة.
وبنفس الوقت يشعر المواطنون من أصول شرق اردنية بأن هنالك إجحافًا بحقهم ناتج عن تشجيع الحكم لهم بالاتجاه إلى الوظائف الحكومية والعامة وبالتالي عزوفهم عن القطاع الخاص الذي سيطر عليه ذوو الأصول الفلسطينية، ما أدى إلى عدم استفادتهم من الطفرات الاقتصادية التي شهدتها البلاد، ولا سيما في المحافظات خارج العاصمة التي عانت تهميشاً اقتصاديا وعدم عدالة بتوزيع الثروات.
هذا هو واقع اليوم بدون تجميل، ويلاحظ أن أكثرية مثيري التفرقة والفتنة والبكاء على الحقوق من ذوي الأصوات العالية من الجانبين ليسوا من المتضررين الحقيقيين من تلك الأوضاع التي يعاني منها المجتمع الأردني.
تلك المخاطر لا يتم مواجهتها بالهوية الانفصالية، ولا بتجييش مكونات المجتمع الواحد ضد بعضهم البعض
لا أحد ينكر وجود اجراءات تتم على الأرض لتصفية القضية العربية في فلسطين وتحويلها من قضية أرض الى قضية سكان فقط، وهي لم تبدأ من مشروع كيري ولن تنتهي به. وإن اتفاقيتي اوسلو ووادي عربة عززتا تلك المخاطر على فلسطين والأردن معا، ولكن مواجهة مشروع كيري وغير كيري لا تكون من خلال معاداة ضحايا هذه المشاريع وتحميلهم نتائجها، فهل تهجير الفلسطينيين الى البرازيل مثلا كان سيريح اعصاب هذه الجوقة التي تعزف نشازاً ليلا نهار لبث الفرقة والفتنة بين ابناء الوطن؟ ما هذا الإسفاف؟ تلك المخاطر لا يتم مواجهتها بالهوية الانفصالية، ولا بتجييش مكونات المجتمع الواحد ضد بعضهم البعض، بل بالهوية الوطنية الجامعة، وبتحديد الخصم الحقيقي وهو المشروع الصهيوني التوسعي. تحصين الدولة والهوية لا يتم إلا من خلال مجتمع مواطنة متماسك يميز خصمه الحقيقي ولا ينجر الى معارك جانبية تتعلق بالحقوق المنقوصة أو المكتسبة.
المطلوب أن يبدأ المجتمع بإدارة صراعه السلمي لبناء الدولة على أساس المواطنة، فابن معان يعاني ذات التهميش الذي يعاني منه ابن شنلر. واذا اتحدوا سيجدون أكثر الناس شراسة في محاربتهم هم الفاسدون من الجانبين، وما أحداث دوّار الداخلية عنا ببعيدة.
لفظ فكرة الحقوق الجمعية، وحماية الحقوق الفردية وسيادة القانون على الجميع بدون تمييز هو الحل الوحيد لبناء الدولة المدنية الديمقراطية وعندها لن يكون الأردن بديلا لأحد بل قادرا على مواجهة الخطر الذي يتهدده ويتهدد عروبة فلسطين.
ختاما فانني كمواطن اردني لا اريد ان ينشأ ابنائي بدون حلم الوطن الواحد. أحلم أن تستعيد مناهجنا التعليمية ترسيخ الهوية الأصلية وهي”انا عربيٌّ سوريٌّ من الأردن”.
صحيح أن الحكم ساهم بشكل رئيسي بهذا الانقسام لضمان استمرار انفراده بالسلطة،.
وقوانين الانتخاب التي تستبعد التمثيل الحقيقي لهم.
لأ تتهم الهاشمين بالتأمر على الشعب الفسطيني ,, ما فعله الهاشمين لهم لم يتقدم أحد بمثليله ولا حتى قريبا” منه , لا تنسى ان المنظمات الفسطينية في ايلول 1970 حاولت اقتلاع الحكم من الهاشميين لانفسها ,, في حرب اهلية قتل الكثير منها , هذا بعد ما احتواهم الاردن والهاشميين وساهموا في تنظيمهم لشان المقاومة الفلسطينية , نعم عضوا اليد التي اطعمتهم , مما ايضا” يشير ان نيته الأصلية بالوطن البديل , فالوطن البديل ليست موأمره اسرائلية , بل فلسطينية من جذورها, والهاشميين واجبهم حماية الهوية الاردنية من التواري بسبب الانجاب الذي افتقر المسوؤلية تجاه المنجبين.
وأنت تعلم إن قوانين الانتخاب اذا عدلت كما ترغب سوف تؤدي إلى استمتاع الاخوان المسلمين بأغلبية لنجاحهتم الاعلامية المنافقة, ووصولهم للسيطره مع صديقهم حماس ,,
مقالك منحرف ومتطرف ويتلاعب بواقع من اختيارك , وتفسير من اخراجك ,,
اسمح لي عزيزي أن أحييك أولاً
لنظرتك الأكثر شمولية مقارنة
بمعظم من يكتبوا بالموضوع وأن أرد على ما كتبت فأوضح العديد
من المكامن بطرحك التي جانبك بها الصواب وأخرى لي فيها رأي مختلف.
أولاً, لنتفق على التعريف العلمي الحديث للهوية, الهوية هي فكرة يتبناها الفرد
اختيارياً نتيجة تعرضه لتسويق العديد من الأفكار لهياكل جمعية متعددة منها الديني
ومنها العرقي ومنها الفني حتى.
نحن متفقين على فراغ تعريف الهوية الوطنية الجامعة وأضيف بأن ذلك هو السبب الرئيسي
لتبني البعض لهويات اقليمية وعشائرية أو توسيعهم بالتبني لهوية دينية أو قومية. لكن
ما أتيت به من تسخيف للقلق الشعبي وسذاجته ينطبق عليه واقعياً نفس التوصيف للأسباب
التالية:
أ- في ظل فراغ تعريف قالب فكرة الهوية (فسيفسائية, وعاء انصهار, وما بينهما)
وعناصر تكوينها من تاريخ وارث وثقافة وطموح جمعي فان فكرة الهوية تختزل برقم وطني
وأعداد المجنسيين ونسبهم وتاريخ العبور وكرت أخضر وكرت أصفر..الى آخره من أشكال مسخ
فكرة الهوية الأردنية الى محددات الجنسية. في ظل هذا الواقع فان الهوية ليست جامعة
وتعريفاً فهي اذاً مجزئة ومتصارعة تخضع لقانون الغاب وحسابات القوة الاقتصادية
والعدد السكاني ولذا فان أغلب ما تفضلت به من اصلاحات واقعياً يصب في استنتاج
اعطاء قوة لمجموعة من قوة وغلبة مجموعة أخرى. شخصياً أرانا جميعاً خاسرين ليس الا.
ب- لا يمكنك بأي حال من الأحوال تسخيف التخوف من المشاريع الأمريكية ولا أظنك فعلت
بقدر أنك لا ترى أن الخطة الأمريكية مرتبطة بما يجب احقاقه على الأرض الأردنية وأن
كل ما ورد من طروحات لا يسهم باعطاء الصورة المطلوبة لكي يتمكن اليمين الصهيوني من
تسويق هذه الصورة على أنها شارة النهاية بتحقيق مشروع “اعطاء شعب بلا أرض,
أرضاً بلا شعب”. لكن فعلياً, فان أغلب ما تقدمت به يمكن تسيوقه على هذا
الأساس. واذا أردنا حلاً شاملاً فيجب علينا مبدأياً أن لا نسخف من تخوفات شعبنا
الذي أثبت امتلاكه لمخزون وعي سياسي جمعي أخرجنا من معضلة الربيع العربي وفتنه ومن
الطرف الآخر أن لا نستهين بعدو يخطط من عقود لتسويق هذا المشروع.
ثانياً, انه لمناقض للانتاجية أن نناقش بهذه المرحلة الحساسة الأشخاص التي تنادي
بالأفكار بدلاً من الفكرة نفسها. ومن طرف حقوقي بمكانتك أستغرب أن تنصب نفسك بموقع
شرطي مرور للرأي فتعلن من يحق له ومن لا يحق له ابداء رأي أو آخر, هذا من حيث
المبدأ مع أني ضد العديد من بنود وادي عربة. أما بالممارسة فكنت أتمنى منك نفس
الحماس (مع معارضتي للمبدأ) لمن تصدر مشهد اللطم على الفساد ولحم أكتافه من خير
صياغة اتفاقيات الخصخصة وبذلته اللامعة كانت تتوهج بجانبك في أكثر من تفاعل عام.
ثالثاً, أعيد التحية لك على
شجاعة الاعتراف بالمشاكل واسمح لي أن أقدم بعض النقد على التوصيف لا الحالة. أ- لم
يتم استبعاد الأردنيين من أصول فلسطينية عن المشهد السياسي المدني, على العكس
فمواقع القيادة التي يعين بها المسؤول تعييناً قد حافظت على وجود وجوه أردنية من
أصول فلسطينية طوال ال90 عام من عمر الدولة وليس فقط منذ ال70. فان كنا نريد
انتقاد هذا فالأصح هو انتقاد آلية التعيين ومن ضمنها هذه المحاصصة المناطقية
الشكلية الفاشلة. ب- أما ان كان الشعور بعدم التمثيل نابع من العدد فالأجدى تبين
الحقيقة بنسب المتقدمين على ديوان الخدمة المدنية والتي لا تصل فيه نسبة المتقدمين
من عمان والزرقاء ل25% من نسبة الطلبات وترتفع من ضمنها نسبة الاستنكاف ل15% بحسب
اطلاعي الشخصي والذي أدعو للتأكد منه للتحقق لي ولك وللجميع. هذا التبيان للواقع
قد يشير الى أن الأمر يتبع منطقية العرض والطلب بسوق العمل فأماكن تواجد الأردنيين
من أصول فلسطينية تجعل خيارهم بعدم التقديم على ديوان الخدمة المدنية أمراً
منطقياً وما هو غير منطقي هو التذمر من عدم وجود نسبة تمثيلية بهذا القطاع ان كان
الاقبال عليه بالأساس ضعيف. ج- توصيف المشكلة برأيي المتواضع خاطئ, ف
“المشكلة” ليست بوجود الشعور أن القطعة من قالب الكيك أقل من الأكيلة,
“المشكلة” هو رؤية القطاع العام على أنه قالب كيك وما تضخم حجم جهاز
الدولة الا أحد أعراض هذه الرؤية المدمرة. فبالتالي بتغيير التوصيف يصبح الحل من
زيادة النسبة التمثيلية الى زيادة كفائة القطاع العام بغض النظر لو كان كل من
يعملوا به أجانب ولنا في شعور المواطنين الاماراتيين اتجاه كادر حكومتهم خير مثال.
د- هنالك عدة مشاعر تنمي هذا الشعور مرجعها جميعاً فراغ تعريف الهوية الذي ينتج
عنه عدم توازي بين التطبيق والممارسة والمطموح له من هوية وطنية, وسآتي على هذا
لاحقاً. لاحقاً ولكني أراهن أن الشعور السلبي عند كل مكونات مجتمعنا نتيجته فقدان
العدالة بتطبيق أكثر حزم للقانون بدون محاباة وليس نسبة تمثيل أي هوية فئوية على
أخرى. ولنا بالالتفاف حول منتخب كرة القدم غير المنتخب والغير تمثيلي أكبر دليل,
فهو التفاف حول آلية فرز هذه النخبة الرياضية وبرأيي الشعور عند الجميع هو بظلم
آلية فرز النخب والمسؤولين. د- لن أجادلك بالنتيجة ان كنت أختلف معك بالبنية التي
أوصلتك لتلك النتيجة لكن اسمح لي باضافة أن العزوف هذا ليس نتيجة قانون غير تمثيلي
للانتخاب أو كما وصفت “الشعور بعدم التمثيل بالقطاع الحكومي والعسكري”
فقط ولكن مرده أيضاً (وخطين تحت أيضاً للتأكيد أنه سبب من ضمن أسباب وليس وحيد)
برأيي هو فراغ تعريف الهوية الذي يترك جزء ليس بسيط من الأردنيين من أصول فلسطينية
اما اختياراً أو اجباراً بحالة الشعور بعدم الانتماء للأردن مما ينتج عنه المقاطعة
السلبية لعملية تشكيل واقعه السياسي. هذا ليس خطئهم بل هو فشل لكل أجهزة الدولة
بتسويق هوية تعددية تكسب تفاعلهم بشكل ايجابي بالعملية السياسي. أما عن الفئة التي
تختار طوعاً أن تنتمي حصرياً لفلسطين فقط وتريد المشاركة في صنع المشهد السياسي
الفلسطيني, وهذا حقها الانساني الطبيعي, فالمفروض والذي لا يناقش بالعادة هو تسهيل
المشاركة بانتخابات السلطة الوطنية الفلسطينية التي تجرى بالبرازيل والباكستان ولا
تجرى بالأردن. سبب آخر وليس أخير, هو أنه في ظل كون مجلس النواب مجلس خدماتي
واكتمال معظم الخدمات لأهل عمان فان من الطبيعي أن يكون اقبالهم أقل من المناطق
الأقل اكتمالاً.
رابعاً, توصيفات خاطئة بفقرة
الأردنيين, فهو ليس “شعور بأن هنالك اجحاف” هو واقعياً اجحاف, هو ليس
“تشجيع للحكم لهم بالاتجاه للوظائف الحكومية” انما هو الخيار الوحيد
المتاح أمامهم فهو فعلياً “ارغام” على الوظيفة العامة أو الهجرة داخلياً
أو خارجياً, بالتالي فهو ليس “عزوف” لأن ذلك تعريفاً يتضمن وجود خيار
غير موجود 50 كيلو خارج العاصمة بأي اتجاه. أما بنهاية الأخطاء بالتوصيف فهو لم
يأدي ل”عدم استفادة من الطفرات” بل أدى الى خلق نقمة وشعور بالظلم
والاغتراب داخل وطنهم.
خامساً, في طرحك للمطلوب ما تقترحه وما تدعو للفظه وما تحلم به.
أ- تقترح بناء الدولة على أساس المواطنة. المواطنة عقد وممارسة وسيادة قوانين
ناظمة لعلاقة المواطن مع دولته. أنا أرى أن المقترح محق لكنه ليس “أساس”
بناء الدولة والمجتمع بل هو أحد التوازيات الاستراتيجية لتعريف الهوية الوطنية كما
سآتي على شرحه بعد قليل. ب- ما تنهى عنه جميل كفكرة لكن واقعياً ليس كل المطالبة
بالحقوق الجمعية سيئ ويجب لفظه ومنه حقوق المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها
ومن الايجابي المطالبة بمنافع جمعية شرط أن لا تغير بمعادلة العدالة بشكل عام. ج-
ما تحلم به حقك وهنا سأنتهي بالتعقيب على ذلك مع ذكر حلمي الشخصي وما أراه
مطلوباً.
نحتاج اليوم ليس الى أحلام
فردية بل توافق ملموس, لأن ما تعتبره أنت حلماً وردياً هو بالنسبة لي أو لغيري
كابوس مزعج. فبحيثية “أنا عربي سوري من الأردن” اسمح لي أن أستعرض معك
معنى هذا وهو اختزال الأردن كمكون غير متكافئ ضمن قالب أوسع وهو كابوس مؤلم لعدة
أسباب. 1- أجدادي وأجداد الكثيرين ضحوا بأرواحهم كي يكون الأردن وطناً مستقلاً,
فبدأت أولى الثورات الصغرى على العثماني بالقرن الثامن عشر ولم تنتهي حتى القرن
العشرين. وما يتم طمسه هو أن أردنيين راسلوا قوات الحلفاء بال1917 وعرضوا عليهم
التحالف مقابل الاستقلال ومن بعدها اجتمع آخرين بالسلط بال1920 بمندوب بريطانيا فأكدوا
على هذا الاستقلال ومن ثم ببعضهم بأم قيس وأكدوا على نيتهم ومشروعية طموحهم بوطن
مستقل لا يتبع أي ادارة أو قالب خارجي. وعند قدوم الهاشميين والثورة العربية
الكبرى لفتح الجزر المحررة من مدن أردنية على بعضها بازالة البحر المحتل من بواقي
العثمانيين ولد مسمى سوريا الكبرى. ولا توجد أي اشارة لهذا المصطلح تاريخياً قبل
ذلك الا وصف “سورية” كموقع جغرافي. وكان الاتفاق والمبايعة على وطن
كونفدرالي من الحجاز لحلب ومن حيفا حتى ترساق, له حكومة مستقلة بكل امارة علاقتها
مع الأخريات علاقة تكافئ ومساواة. وقد كنا حاضنة العروبة حتى مع فشل طموح الهاشميين
الأولي ولكن ظل الفكر الاستقلالي شرط وجودي للدولة الأردنية ولن أرضى ولا غيري من
منحى شخصي أن أفرط بأحلام وجهود وتضحيات أجدادي واستحقاقهم للاستقلال والتقولب بأي
قالب يقلل من شأن هذا الاستقلال. 2- الأردن ليس فرع ليصبح التعريف عربي سوري “من
الأردن”, الأردن للكثيرين هو الابتداء والمنتهى فأنا أردني من الأردن يحدني
من الشمال والجنوب والشرق والغرب (فلسطين) دول شقيقة أحترمها. 3- أين توجد هذه
الممارسة فلا يعرف السويدي نفسه على أنه اسكندنافي أوروبي من السويد. ولماذا
اختزال العلاقة مع المشرق العربي وسوريا الدولة تحديداً لتكون الممثلة على أي نطاق
عروبي؟ ثقافياً واجتماعياً لنا قرب للعراق ومصر والسعودية وفلسطين ولم تكن الأردن
تاريخياً تابعة لهذا الهيكل الجغرافي الا لفترة بسيطة من تاريخ شعبها فلم سوريا
وليس أي تلاصق جغرافي آخر مع تأكيدي على رفضي لأي علاقة غير مبنية على ما دفع ثمنه
بالأرواح لتحقيق استقلال وسيادة غير تابعة.
مما يقودني للتذكير بما طمس فالشعب الأردني له أكثر من 800 عام من التاريخ المستقل
بجمع حكم الأنباط والغساسنة وهنالك الكثيرون ممن يرون بهذه الحقب أكثر عصور الشعب
ازدهاراً وعدالةً ولذا وبشرعية التاريخ واستحقاق التضحية فان هذا الوطن ان كان
مكتوب له أي تغيير جغرافي فهو بمركزية هذا الاستقلال لا بل وتوسيعه ليشمل مناطقه
التاريخية لبصرى درعا آخر عواصم الغساسنة ومدائن صالح امتداد مملكة الأنباط. وكما
كنا من قبل مملكة مستقلة تتأثر وتأثر وفي 400 عام من عمر الأنباط تقود محيطها
بجميع الاتجاهات فاليوم لا يوجد ما يدعو لغير ذلك وان أي حلم تعريفاً يجب أن يأتي
بما هو أفضل فلماذا نقولب أنفسنا بواقع أقل شأنناً من واقعنا.
4- ما هو مطلوب لي شخصياً هو أ-تعريف
لقالب الهوية على شاكلة قوانين حكومة ترودو بكندا بالسبعينيات, يكون به هذا القالب
أو الهيكل بين النموذج الأمريكي والكندي أي أقرب الى النموذجين الفرنسي والبريطاني
بحيث يكون هناك مكون رئيسي للهوية وهويات متعددة أخرى يشجع القانون على المحافظة
على ثقافتها وارثها وتراثها. ب- تتم مراجعة كافة القوانين والممارسات بحيث تعكس
هذه التعددية فيتحقق التوازي الاستراتيجي من حلول توافقية يتمخض عنها زوال أي
احتكاك سلبي من مكتب المتابعة والتفتيش وليس انتهاءً بسؤال الشرطي “من وين
انت؟”. ج- مراجعة كافة المناهج والقوانين لتعكس تعريف توافقي لكل العناصر
المشكلة لفكرة الهوية من تاريخ وارث حضاري وثقافة وتراث وطموح جمعي. د- تنشأ
مؤسسات تعنى بمراقبة هذا التوازي ومخالفة أي جنح عنه وتشجع التعدد الثقافي. ه- يتم
بالتوازي وضع خطة تنقل بها المراكز المالية والادارات الحكومية والخاصة والانفاق
الحكومي خارج العاصمة تدريجياً. يتم كل
ذلك بالتوافق بين أكادميين وقادة رأي وممثلين عن كافة فئات المجتمع ويعرض
للاستفتاء شعبياً ويعيش بعدها ابني وابنك بواقع أنظف وأجمل من واقعنا.