عمّون حول الزواج العرفي: النساء هنّ المشكلة

الأربعاء 12 آذار 2014

عمّون تفعلها من جديد هذا الأسبوع، وتقدم تقريرًا أشبه بحوار ذكوري سطحي مع ذاتها حول الزواج العرفي في عمّان، تثقله المغالطات المنطقية والخطاب الكاره للنساء.

فرغم أن الصحفي ماجد الدباس يقدم في التقرير اقتباسات من خبراء مختلفين بينهم مدير تنفيذي لجمعية غير ربحية، ومصادر من إدارة حماية الأسرة، وقاضٍ لم يكشف هويته، والباحث الاجتماعي عمر الوهادنة، فهؤلاء جميعًا يبقون رجالًا يقدمون للقراء آراءهم وأحكامهم حول ما يجب فعله بأجساد النساء. فالتقرير لا يقدم أي حقائق وتحليلات مفيدة حول الزواج العرفي، دون أي تنوع في الاقتباسات التي تنبع جميعها من منظور ذكوري واحد يضع نفسه في خانة الالتزام بالتقاليد، قاضيًا بذلك على احتمالية تقديمه لأي تحليل معمق.

على نحو مثير للاهتمام، يبدأ التقرير بمحاولة تفسير نقص الإحصائيات حول الزواج العرفي لكونه غير مقيّد قانونيًا، بالتالي لا يمكن حصره أو تتبعه. وانطلاقًا من هذه النقطة، لا يقدم الكاتب شيئًا سوى اتهامات مقتضبة لا تبارح سطح القضية، ليتجنب بكفاءة أي خطاب بنّاء.

فعلى سبيل المثال، يعدد الدباس نتائج الزواج العرفي زاعمًا أن من بينها مشاجرات وجرائم “تتحمل أثقالها الأجهزة الأمنية”، دون أن يقدم أمثلة أو إحصائيات أو أي بحث متعلق بهذه الاعتداءات. فوق ذلك، فالتقرير الذي لا يعدو كونه عظة أخلاقية تدعو للعفة يتناسى تمامًا أن هناك اعتداءات جرمية مرتبطة بالزيجات والعائلات التقليدية. ألن يتوارد للقرّاء أن العنف قد يحدث في أكثر الزيجات تقليديةً؟ ما الذي يجعل هذه الاحتمالية مختلفة في إطار الزواج العرفي؟

وفقًا لعمّون، يقدم مدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان أربعة أسباب لظاهرة الزواج العرفي: “ضعف الوازع الديني، والاختلاط بين الجنسين في أماكن العمل والمعيشة، والأوضاع المالية السيئة التي يعاني منها الشباب، والثقافات الدخيلة على المجتمع”. المثير للاهتمام هو أن الحل الذي يطرحه لهذه المشكلة هو لا شيء غير “تعزيز مفهوم الزواج، والبُعد عن كل ما من شأنه إثارة الغرائز عند الشباب”.

إضافة إلى أن هذه المقولات تأتي في سياق يصوّر النساء على أنهن مجرد “مثيرات للغرائز”، فإن الحلول المطروحة تتجاهل بالكامل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية المذكورة آنفًا. أشكّ أن سرحان يستوعب أن ما قاله ينزع إنسانية الرجال كذلك، بتصويرهم كحيوانات مهووسة بالجنس لا يمكن السيطرة عليها. هذا النوع من الخطابات خطير ويمكن تسخيره في طروحات تحرّض على العنف الجنسي ولوم الضحية وممارسات تمييزية أخرى.

التقرير في جوهره لا يحوي سوى سلسلة الحجج نفسها التي تُستخدم للوم ضحايا الاغتصاب، وإجبارهن على الزواج بمغتصبيهن، والترويج “لشرعية” جرائم ما يسمى بالشرف، وممارسة مختلف أشكال العنف المرئي وغير المرئي ضد النساء

هذا الخطاب متوقع من جمعية “خيرية” محافظة ترى أن إنشاءها جاء “في ظروف تتعرض فيها البلاد العربية والإسلامية ومنها الأردن، إلى حملات خطيرة بشتى الطرق والوسائل، بهدف إضعاف الأسرة تحت شعارات مختلفة، أدت الى التنفير من الزواج، وتفكيك الأسرة، وتقليل الإنجاب، وارتفاع معدلات الاجهاض، وزيادة نسبة المشردين. أضف إلى ذلك انخفاض معدلات النمو السكاني إلى الصفر أو دون ذلك في بعض البلدان، مما يهدد وجودها”.

لكن أن تأتي ادعاءات مماثلة من “باحث اجتماعي”، فذلك معيب للغاية. فالوهادنة لا يدعو لتقييد لباس المرأة فحسب (طبعًا لأن عري المرأة هو أصل كل الشرور والسبب وراء كل الفظائع التي يرتكبها الرجال)، بل يخلط ذلك بطريقة ما بحماية “حقوق المرأة” من الضياع، ثم يضيف إهانة أخرى بزعمه أن ذلك يسبب معاناة نفسية للشباب “لخوفهم من الإقدام على عملية الزواج أصلاً، لما في صدورهم من شك”.

لربما أول الحقوق التي يجب أن تتمتع بها المرأة هي مساواتها في عيون “خبراء” المجتمع المزعومين. قد لا يحتوي التقرير بكامله جملة واحدة لا تفوح بالذكورية المنافقة الخطرة. فالتقرير في جوهره لا يحوي سوى سلسلة الحجج نفسها التي تُستخدم للوم ضحايا الاغتصاب، وإجبارهن على الزواج بمغتصبيهن، والترويج “لشرعية” جرائم ما يسمى بالشرف، وممارسة مختلف أشكال العنف المرئي وغير المرئي ضد النساء.

كان يمكن للكاتب استكشاف أبعاد ذات قيمة للزواج العرفي، كالتعقيدات الإنسانية والقانونية في حالات الحمل، أو الوفاة خلال المساكنة، أو تعدد الزوجات. في مجتمع ذكوري متحيّز، قد يكون الزواج العرفي عقدًا يسمح بعلاقة عاطفية خاضعة للإشراف الديني، تجنِّب طرفيها عنف ومحاكمة عائلتيهما والمجتمع. وقد تُذكّر العوامل الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالزواج العرفي بضرورة مراجعة نظرتنا التقليدية للزواج والزفاف، بما فيها الواجبات المادية المنوطة بالعريس وعائلته.

هنالك مئة بُعد للقضية يستحق الدراسة كان بإمكان التقرير استكشافها، لكن الكاتب وزمرة خبرائه اتفقوا عوضًا عن ذلك على أن النساء وأجسادهن هن جوهر المشكلة.

 

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية