لم تترك كرة القدم العربية بصمات كثيرة في تاريخ كأس العالم. لا بل من الصعب التصديق أن هذه الدول العديدة ذات الإمكانات الكبيرة والحب الكبير للعبة كرة القدم اكتفت بممثل واحد في كل من الدورتين الأخيرتين. وبينما انشغلت الدول العربية صاحبة الموارد المالية الفائضة “بالاستثمار” في الدوريات الأوروبية، غابت هذه الدول عن المنافسة في الحدث العالمي، مما يجعل الحماس لفريق الجزائر والأمل الكبير بتأهله للدور الثاني مبرراً باعتباره فرصة للعرب لإثبات وجودهم في كأس العالم، وإضافة صفحة جديدة، أو على الأقل سطر جديد في “إنجازات” الكرة العربية. ولعل اللحظات التالية شهدت أبرز هذه الإنجازات.
هدف سعيد العويران (الولايات المتحدة 1994)
ضمت المجموعة السادسة في الدور الأول هولندا وبلجيكا وممثلَي العرب، السعودية والمغرب. في الجولة الافتتاحية خسرت السعودية أمام هولندا والمغرب أمام بلجيكا، وفي الجولة الثانية فازت بلجيكا على هولندا والسعودية على المغرب، لتصبح مباراة بلجيكا والسعودية في ختام الدور الأول مباراة على بطاقة التأهل. أقيمت المباراة في واشنطن في أجواء حارة وصلت فيها الحرارة إلى ٤٠ درجة مئوية. بعد مرور خمس دقائق على المباراة استلم سعيد العويران الكرة في منطقة خط الوسط وتخطى خمسة لاعبين من بلجيكا في طريقه نحو المرمى، مانحاً السعودية وعرب آسيا أول بطاقة تأهل إلى الدور الثاني في تاريخ المسابقة. اختارت الفيفا هدف سعيد العويران كسادس أجمل هدف في تاريخ كأس العالم. في الدور الثاني خسرت السعودية أمام السويد 3-1
المغرب تتصدر المجموعة (المكسيك ١٩٨٦)
كانت المغرب إحدى ثلاثة فرق عربية في البطولة (الجزائر والعراق)، لكن رفاق عبد العزيز بودربالة وبادو الزاكي استحقوا احترام العرب والعالم. في المجموعة السادسة بدأ الفريق المغربي مشواره بتعادل سلبي مع بولندا وتلاه بتعادل سلبي آخر مع إنجلترا. في الجولة الأخيرة فازت المغرب على البرتغال ٣-١ لتتصدر المجموعة، ولتكون أول فريق أفريقي وأول فريق عربي يتأهل للدور الثاني في تاريخ كأس العالم. في الدور الثاني خسرت المغرب ١-٠ أمام ألمانيا بهدف لوثر ماثيوس في الدقيقة ٨٧.
المغرب على حافة التأهل (فرنسا ١٩٩٨)
دخلت المغرب مباراتها في الجولة الأخيرة من الدور الأول أمام أسكتلندا وهي بحاجة للفوز لضمان التأهل للدور الثاني، بشرط فوز البرازيل على أو تعادلها مع النرويج في المباراة التي كانت تجري في نفس الوقت. سجل صلاح الدين بصير وعبد العزيز حدا هدفين للمغرب في الشوط الأول، وأضاف بصير هدفًا في أواخر الشوط الثاني، فبدا أن الفريق المغربي في طريقه إلى الدور الثاني نظراً إلى تقدم البرازيل على النرويج بهدف حتى الدقائق العشر الأخيرة. في الدقيقة ٨٣ والدقيقة ٨٨، سجلت النرويج هدفين لتحرم الفريق المغربي من التأهل.
مصر تتعادل مع بطل أوروبا (إيطاليا ١٩٩٠)
في الظهور الثاني للمنتخب المصري في بطولة كأس العالم (بعد الظهور الأول عام ١٩٣٤ الذي انتهى بخسارة أمام المجر ٤-٢)، كانت التوقعات تشير إلى فوز كبير للفريق الهولندي في أولى مباريات المجموعة، باعتباره حامل لقب بطولة أوروبا لعام ١٩٨٨ بقيادة ثلاثة من أبرز لاعبي كرة القدم في حينها. بعد شوط رتيب (مثل معظم مباريات البطولة) سجلت هولندا في الدقيقة ٥٨، لكن الفريق المصري حصل على ركلة جزاء في الدقيقة ٨٣، من “إعاقة” رونالد كويمان لحسام حسن، ترجمها مجدي عبد الغني إلى هدف ما زال يشكل مادة للإعلانات التجارية بعد حوالي ربع قرن على تسجيله. تعادلت مصر مع إيرلندا بدون أهداف وخسرت أمام إنجلترا بهدف، لتخرج من الدور الأول.
رئيس الاتحاد الكويتي في الملعب (إسبانيا ١٩٨٢)
بدأ المنتخب الكويتي مشواره في الظهور الوحيد في كأس العالم بتعادل مفاجئ مع تشيكوسلوفاكيا. في مباراته الثانية أمام فرنسا بقيادة ميشيل بلاتيني، تقدمت فرنسا بهدفين في الشوط الأول، وبنتيجة ٣-١ في أواخر المباراة، عندما أضافت فرنسا هدفاً آخر لاقى احتجاجًا كبيرًا من لاعبي الكويت الذين كانوا قد توقفوا عن اللعب بعد أن أعتقدوا أن الحكم أطلق صافرة. توقفت المباراة لفترة ونزل رئيس الاتحاد الكويتي آن ذاك (وشقيق أمير الكويت) الشيخ فهد الأحمد الصباح إلى أرض الملعب ووبخ الحكم وهدد بسحب الفريق من الملعب. تراجع الحكم الروسي عن قراره وألغى هدف فرنسا، مما كلفة شارته الدولية وكلف الشيخ غرامة ١٠,٠٠٠ دولار. خسرت الكويت المباراة ٤-١، وخسرت مباراتها الأخيرة أمام إنجلترا ١-٠، فودعت البطولة لكن بعد أن تركت بصمة فارقة.
مؤامرة على الجزائر (إسبانيا ١٩٨٢)
شهد الدور الأول في هذه البطولة عدة مفاجآت (تعادل إيطاليا والكاميرون، تعادل هندوراس وإسبانيا، تعادل الكويت وتشيكوسلوفاكيا) لكن فوز الجزائر على ألمانيا في أولى مباريات المجموعة الثانية ما زال يعتبر واحد من أكبر المفاجآت في تاريخ كأس العالم. تقدمت الجزائر على أبطال أوروبا ١٩٨٠ بهدف رابح مادجر في الشوط الثاني، ولم تمض دقيقة على تسجيل كارل هاينز رومينيجه هدف التعادل حتى كان لخضر بلومي يمنح لجزائر الفوز التاريخي. خسرت الجزائر مباراتها التالية أمام النمسا، لكنها تداركت الموقف بفوزها ٣-٢ على تشيلي. مع بقاء مباراة واحدة لتحديد مصير المجموعة، كانت ألمانيا تحتاج للفوز على النمسا بفارق هدف أو هدفين ليتأهل الجاران معاً إلى الدور الثاني. فوز ألمانيا بنتيجة أكبر كان سيمنح الجزائر بطاقة التأهل على حساب النمسا، بينما التعادل أو خسارة ألمانيا كان يعني تأهل الجزائر والنمسا.
بدأت ألمانيا المباراة بهجوم كاسح وسجلت في الدقيقة العاشرة، وبعدها تحولت المباراة لحصة تدريبية لكلا الفريقين الذين أمضوا الوقت بتمرير الكرة بكسل وسط إستياء الجماهير في الملعب وحول العالم. هتف الجمهور “أخرجوا” و”الجزائر الجزائر”. قدم الاتحاد الجزائري إعتراضاً رسمياً للإتحاد الدولي على ما أصبح يعرف بإحدى أسوأ فضائح كأس العالم، فتم رفضه وتثبيت نتيجة المباراة، لكن الاتحاد الدولي أجرى تعديلاً على نظام البطولة بحيث أصبحت مباريات المرحلة الأخيرة للمجموعة تجري في ذات الوقت كما هي الآن.