“البدون”: قبل تأسيس الدولة ولا يحملون جنسيتها

الخميس 19 حزيران 2014

صالح الدعجة – معهد الإعلام الأردني

 وجوه اتشحت بلون صحراء البادية الشمالية، لكنها لا تحمل جنسية الأرض التي ولدت عليها، أصحابها باتوا يعرفون اليوم بالـ”البدون”.

هم أردنيون لا يحملون الجنسية الأردنية أو أي أوراق ثبوتية تدل على جنسيتهم. سبب عدم حصولهم على الجنسية كما يقولون أن آباءهم وأجدادهم كانوا “بدواً رحل يتنقلون في الصحـراء بحثاً عن الماء والكلأ ولم تكن الجنسية تعنيهم”.

الحرمان من الجنسية يعني لهؤلاء عمليًا الحرمان من السفر ومن تملك العقارات والمركبات وصعوبة توثيق عقود الزواج، وصعوبة التنقل، وصعوبة الحصول على الوظائف بالتالي العمل في مهن شاقة وبإجور زهيدة. كما أنهم يجبرون على دفع رسوم التعليم الأساسي وشراء الكتب المدرسية.

بحسب النائب حابس ركاد الشبيب، فإن عدد البدون في البادية الشمالية يقدر بنحو 5 آلاف شخص، غير أن دائرة الأحوال المدنية والجوازات في وزارة الداخلية ليس لديها أرقام محددة بخصوصهم وتقول إن عدد طلبات الحصول على الجنسية من البادية الشمالية بلغت نحو 1497 طلب، منها طلبات لأشخاص ومنها طلبات لأرباب أسر لم يتم حصرها بعد.

مزيد الخالدي أحد هؤلاء. يتساءل الخالدي بمرارة “كيف يربط مصير إنسان ومستقبله برقم؟ نحن بشر ولدنا على هذه الارض لكن المسؤولين لا يعترفون بنا”. ويضيف “أجدادنا كانوا بدواً رحّل لا تهمهم الوثائق، كانوا يجوبون الصحراء بحثًا عن الماء والكلأ (..) رحلوا عن هذه الدنيا وتركونا بلا هوية أو جنسية”.

ويقول مزيد أن يخوض منذ عام 1988 رحلة بين أروقة الدوائر الحكومية، حاملاً معه استدعاءات وبعض الشهادات من شيوخ ووجهاء قبيلته للحصول على الجنسية. “بعد كل هذا العناء منحوني جواز سفر مؤقت لم يسعفني في الحصول على شريحة خط خلـوي”.

وبحسب دائرة الأحوال المدنية، فإنه يشترط في طلبات للجنة عديمي الجنسية تقديم شهادة شيخ معتمد في مستشارية العشائر، وشهادة عدم محكومية، وشهادة من مختار تثبت الإقامة الدائمة، وإثبات إقامة في المنطقة منذ خمس سنوات، وأي سندات أو وثائق رسمية تثبت وجود مقدم الطلب في المنطقة.

أما قانون الجنسية الأردنية فيقر في المادة الثالثة منه أنه “يعتبر أردني الجنسية (..) جميع أفراد عشائر بدو الشمال الواردة في الفقرة (ي) من المادة 25 من قانون الانتخاب المؤقت رقم 24 لسنة 1960 والذين كانوا يقيمون إقامة فعلية في الأراضي التي ضمت إلى المملكة سنة 1930”.

وكان الملك الراحل الحسين قد أمر عام 1986 بمنح عشائر البادية الشمالية الجنسية الأردنية، وشكلت لجنة لتقديم الطلبات، وحصل الأشخاص الذين قدموا أوراق ثبوتية على الجنسية. غير أن العديد منهم لم يتمكن من تلبية شروط اللجنة. وفي عام 1990 عُدّل قانون الأحوال المدنية وفرض رسومًا للحصول على الجنسية مما فاقم المشكلة.

غير بعيد عن منزل مزيد، يقف علي الخالدي أمام منزل منحه إياه أحد المتبرعين، ويروي تفاصيل معاناته اليومية جراء عدم امتلاكه لوثائق رسمية.

يقول علي “أوقفتني الشرطة ذات يوم في منطقة الرويشد، طلبوا إثبات الشخصية فقلت لهم لا أحمل أية وثيقة (..) فقرروا توقيفي في مركز الروشيد الأمني، ونقلت بعدها إلى المفرق ولم أخرج من النظارة إلا عندما حضر أحد أبناء المنطقة ليتعرف عليّ”.

“أسجن لأنني لا أملك وثيقة” يقول علي، ويشير إلى أن رحلته مع تقديم طلبات الجنسية بدأت منذ عام 1985 وفي كل مرة يرفض طلبه. ويشرح “لا أحد يوضح لي الأسباب، وكل مرة أتقدم بها يطلبون وثائق تعجيزية مثل فاتورة كهرباء أو وصل مالي حكومي لأربعين عام سبقت” ويتساءل بسخرية “هل كان البدو في بيت الشعر قبل ثلاثين عامًا يعرفون الكهرباء؟”.

وفي منطقة زملة الأمير غازي على بعد 110 كلم من عمّان، يجلس جاسم الغياث (73 عامًا) أمام خيمته المصنوعة من الخيش، ليحكي قصة أبناء عشيرة الغياث ممن لا يحملون الجنسية الأردنية.

“شارك جدي في الثورة العربية الكبرى، وأنا ولدت على أرض منشية الغياث في الروشيد (..) الأوراق لم تكن تعني شيئًا للبدوي فهو يحزم أمتعته وخيمته ويرحل عندما تجف البلاد”.

وأضاف “في هذه الصحراء كان الأردني والسعودي والسوري كلهم يتنقلون سوية، لكن الحدود فرقت الناس ومن بقي في السعودية وسجل في سجل النفوس هناك أصبح سعودي ومن سجل في سورية أصبح سوري، أما نحن فبقينا هنا ولم نسجل في أي بلد ولا أحد يعترف بنا”.

وعرض مشكلة أبنائه بالقول “بعد جهد كبير منحت الجنسية الأردنية عام 2010، ولأن ابنائي تجاوزوا سن الثامنة عشر طلب منهم تقديم طلبات للحصول على الجنسبة بشكل منفصل” والمفارقة كما يروي أن ابنه الأكبر صقر أعطي الجنسية، ولم يمنحها ابنه أحمد.

وقال أحمد الغياث أن ابنه ماجد البالغ من العمر 9 شهور وثقت جنسيته على شهادة الميلاد بأنه “سوري”، بينما وثقت جنسية ابنه يوسف ابن الأربعة أعوام على أنه “غير أردني/مكلف بإثبات الجنسية”.

يقول أحمد “لستُ سوريًا، ووالدي وجدي أبناء هذه المنطقة. الكل يعرف ذلك، لكن المشكلة أن الموظف يتصرف على هواه، ولأننا لا نملك وثائق يسجل الجنسية كما يريد”.

وحذر النائب في البرلمان ركاد الشبيب من “خطورة المشكلة”، مؤكدا أن عدم حلها “سيفاقم معاناة الناس ويزيد من مشكلهم”.

وقال “في البادية الشمالية هناك خمس آلاف إنسان لا يحملون الأوراق الثبوتية ولا يعترف أحد بهم ويواجهون تحديات وصعوبات في كل تفاصيل حياتهم اليومية”.

وردًا على سؤال فيما إذا كان الضغط الذي يمارسه النواب في هذا الملف من أجل تحقيق مكاسب انتخابية جديدة، قال الشبيب “أعطوهم الجنسية ولن أترشح للانتخابات في المرة القادمة والمسؤول الذي يقول أنهم مواطني دول أخرى عليه أن يثبت ذلك”.

وأضاف “قابلت جلالة الملك أكثر من مرة وطلب منه الإيعاز للجهات المعنية بحل قضية البدون وجرى تشكيل لجنة في دائرة الأحوال [المدنية] والجوازات من أجل النظر في هذه القضية”، لكنه الشبيب أكد أن الجواز المؤقت الذي منحته الدائرة لبعضهم “لا يحل المشكلة”.

راشد الشوحة عضو اللجنة التي شكلت عام 2012 لمتابعة الموضوع قال إن اللجنة تدرس بعناية القضية وفق شروط محددة ولا تمنح الجنسية دونها.

وقال الشوحة “اللجنة تلقت زهاء 1497 طلباً وقامت بالتنسيب للجهات المعنية للنظر في طلب 470 طلب استوفت متطلبات التي وضعتها اللجنة”. وأكد الشوحة ان “قضية هؤلاء لأول مرة تدرس بهذه الآلية من أجل حل المشكلة”.

ونفى الشوحة أن تكون الطلبات والاشتراطات “تعجيزية”، معتبرًا إن ما يطلب هو إثباتات تؤكد صحة إقامة الشخص في المنطقة وعلى الأرض الأرنية سواء فواتير رسمية أو شهادات دراسية تعزز بشهادة من شيخ العشيرة ومختار المنطقة تثبت أن الشخص من أبناء عمومتهم.

وعن منح جواز السفر المؤقت لبعض من انطبقت عليهم الشروط، أكد الشوحة أنه جاء لأغراض التسهيل لكنه من الممكن أن يسهل الحصول على الجنسية في المستقبل.

بدوره انتقد عيسى المرازيق رئيس وحدة الرصد والشكاوي في المركز الوطني لحقوق الإنسان تعامل الدولة مع قضية البدون مستندًا في ذلك إلى العهود والمواثيق الدولية التي وقع عليها الأردن والتي يجب أن لا تتعارض مع القانون المحلي .

واستشهد المرازيق بالعهد الدولي لحقوق الإنسان الذي وقعه الأردن والذي ينص على”الاعتراف بالشخصية القانونية للشخص، وأهم شرط للاعتراف بالشخصية القانونية للشخص منحه الجنسية”.

واستغرب المرازيق من قيام دائرة الأحوال المدنية بمنح بعض هؤلاء مسميات وجنسيات قد تعمق المشكلة، وقال إن بعض هؤلاء حين يحاولون تسجيل موالديهم الجدد في دائرة الأحوال المدنية تسجل جنسيتهم “سوري” أو “عراقي” دون أي سند أو وثيقة، أو تسجل “بلا” أو “مكلف بتحديد الجنسية”.

وبين أن المركز الوطني استقبل 79 شكوى حول هذه القضية قبل عامين، لكن القضية لم تحل حتى الآن. ودعا إلى ضرورة أن يوضع أطار منهجي واضح لحل مشكلة هؤلاء حتى لا تبقى عالقة وتعمق من “مأساة  البدون الإنسانية”.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية