خمسة أسباب للاحتجاج على كأس العالم

الأحد 15 حزيران 2014
WorldCup1

مع انطلاق النسخة العشرين من بطولة كأس العالم، تتقدم إلى الواجهة تفاصيل المباريات وعداوات الفرق وتعود إلى الخلفية كل الأزمات التي عاشها ويعيشها البرازيليون نتيجة للبطولة. لكن حركة الاحتجاجات غير المسبوقة المناهضة لكأس العالم وللفيفا التي تنظمه، والتي شارك فيها أكثر من مليون برازيلي السنة الماضية، ما تزال تحاول لفت النظر للمشاكل التي تجعل أكثر من 60% من البرازيليين غير راضين عن إقامة البطولة في بلادهم، بعيدًا عن الصورة الاحتفالية النمطية التي تلخص حياتهم بالسامبا وكرة القدم.

تاليًا أبرز خمسة أسباب تحرك الحركة الاحتجاجية وتجعل البطولة أقل إشراقًا بالنسبة لمستضيفيها:

1. البرازيل خاسرة وإن فازت:

قد تستعيد البرازيل كأس البطولة، لكن اقتصادها سيخسر بالتأكيد. فكأس العالم يحقق أرباحًا طائلة للشركات الداعمة والتلفزيونات وشركات الإعلانات ووكالات المراهنة وبالطبع للفيفا التي تجمع أكثر من 90% من دخلها من أرباح البطولات. مقابل ملياري دولار دفعتها الفيفا على المونديال الحالي، من المتوقع أن تجني حوالي  أربعة مليارات دولار من خلال بيع تذاكر المباريات وحقوق البث والإعلانات.

لكن القصة مختلفة تمامًا بالنسبة للدول المستضيفة. فرغم أرباح السياحة وفرص العمل التي تخلقها البطولة، إلا أن الإنفاق عادة ما يكون أكبر بكثير، خاصة إذا احتاجت الدول المستضيفة إلى إنفاق خاص على البنى التحتية. في كأس العالم الأخير، لم تحقق جنوب أفريقيا سوى نصف مليار دولار من الأرباح مقابل 4.6 مليارًا صرفتها على البطولة.

لا تبدو البرازيل أفضل حالًا، إذ خصصت للبطولة ميزانية قياسية قدرها 11 مليار دولار، لكن بعض التقديرات ترى أن صرف الدولة سيبلغ 16 مليارًا ليس فقط لسوء الإدارة، بل لاحتمالات فساد أيضًا.

4.2 مليار دولار من هذه الميزانية خصصت لبناء و تجديد 12 ملعبًَا ستخاض فيها المباريات، رغم أن بعضها سيندر استخدامه بعد انتهاء البطولة، ورغم أن الفيفا لم تشترط سوى إقامة وتأهيل 8 ملاعب فقط. فوق ذلك، معظم الملاعب المقامة والمجددة تجاوزت الميزانية المخصصة لها في البداية. ملعب ماني غارينتشا في برازيليا بالذات كلّف ثلاثة أضعاف المتوقع، ليصبح ثاني أغلى ملعب في العالم بعد ويمبلي الإنجليزي.

وحسب تقديرات وزارة السياحة البرازيلية، سيدخل البرازيل قرابة 3.7 مليون سائح وسيحققون دخلًا يقدر بـ3.03 مليار دولار، أي أقل من 28% مما صرفته البرازيل. ورغم أن السياحة لن تكون المصدر الوحيد للدخل خلال البطولة، إلا أن الفجوة بين الإنفاق والأرباح تبدو صعبة الردم.

وبينما كان اقتصاد البرازيل ينمو بمعدل 9% عند اختيارها للاستضافة عام 2007، تقلب هذا المعدل ليسقط إلى ما دون الصفر عام 2009، ثم يعود للارتفاع وينخفض مجددًا ليصل 1.9% في الربع الأول من 2014، ما يجعل من الصعب تخيل كيف سيكون الاقتصاد البرازيلي قادرًا على تحمل كل هذه التكاليف وتعويض الخسائر.

2. ترتيب سيء للأولويات:

ما يجعل المبالغ التي صرفتها البرازيل وتصرفها على كأس العالم أشد استفزازًا للبرازيليين هو أن الدولة بأمس الحاجة لها لمتطلبات أساسية أخرى. فبينما يعيش ربع السكان تحت خط الفقر ويعيش أكثر من 16 مليون إنسان بأقل من دولار ونصف يوميًا، تتصرف الدولة في كأس العالم بسخاء لا يناله كل مواطنيها.

الأهم من المعدلات العامة للفقر والبطالة في البرازيل هو ما تخفيه المتوسطات الحسابية من فجوة طبقية كبيرة بين السكان، يؤشر عليها وجود هذا الكم من الفقراء في سابع أكبر اقتصاد في العالم. فبحسب إحصاءات البنك الدولي، يمتلك أغنى 10% بالمئة من البرازيليين قرابة 43% من إجمالي الدخل، بينما يمتلك أفقر 10% منهم 0.8% من الدخل فقط.

بعض السياسات الاجتماعية التي تبنّتها البرازيل منذ منتصف التسعينات ساهمت في تحسين العديد من الخدمات، إلا أن هذه الخدمات لم تصل الكثيرين بعد. ففي ريف البرازيل، ترتفع نسبة الفقر لتصل 51% من السكان. ومن بين 14.6 مليون أميّ في البرازيل، 70% هم ريفيون. في ولايات الشمال الشرقي تحديدًا، تصل نسبة الأمية 17% مقابل 9.6% على مستوى الدولة. بينما تبلغ نسبة السكان الذين لا تتوفر لهم مياه شرب محسنة حوالي 15%، مقابل 0.3% في المناطق الحضرية.

غرافيتي في أحد شوارع ريو دي جانيرو، أسوشيتد برس“السياح لا يمرضون. لدينا ملعب لكن ليس لدينا مستشفى”، غرافيتي في أحد شوارع ريو دي جانيرو، أسوشيتد برس.

 3. فرض البطولة بالهراوات:

للأسباب الاقتصادية السابقة، تستمر الاحتجاجات المعارضة لإقامة البطولة منذ أكثر من سنة، لكن الطريقة التي تمت مواجهتها بها قد تكون شكلت سببًا إضافيًا للاحتجاج.

أكثر من 10 آلاف شرطي استدعوا خصيصًا لمواجهة أي معارضة شعبية لفعاليات كأس العالم، مسلحين بدليل وزّعته وزارة الدفاع بعنوان “كيف تحافظ على القانون والنظام”، يشجّع على استخدام القوة العسكرية، ويعطي الشرطة صلاحية استدعاء عناصر من القوات المسلحة “لتوفير الأمن للمنشآت والمعدات والأشخاص المرتبطين بفعاليات كبرى”، ما يرفع عدد العناصر الممكن توظيفها لمواجهة الاحتجاجات إلى مئتي ألف عنصر. فوق ذلك، استعانت الحكومة البرازيلية بشركة بلاك ووتر سيئة الصيت لتدريب جزء من قواتها الأمنية في الولايات المتحدة استعدادًا لمواجهة الاحتجاجات.

في الوقت نفسه، يجري توفير القوانين اللازمة لشرعنة قمع الاحتجاجات، إذ يسير في البرلمان البرازيلي حاليًا مشروع قانون لمكافحة الإرهاب يضع كل من يساهم في “نشر الذعر” و”الفوضى” في خانة الإرهابيين، وهو ما سيسهل استخدامه ضد أي مظاهرة. كذلك، تم تعديل قانون الجرائم العام الماضي واستبدلت تهمة “الارتباط بعصابة جرمية” بتهمة أكثر ضبابية هي “المؤامرة الجرمية”، يسهل ربطها بأعمال التجمهر عامّة.

هذه التعليمات والقوانين بدأت تثمر منذ بداية العام الماضي. فمع نهاية 2013، كان أكثر من 2,600 متظاهر وصحفي وعابر سبيل قد احتجزوا أو سجنوا تعسفيًا خلال السنة، بحسب منظمة العفو الدولية. وفي مطلع 2014، اعتقلت الشرطة العسكرية 143 متظاهرًا خلال مظاهرات يناير الواسعة وحدها. وعشية انطلاق البطولة فحسب، اعتقلت الشرطة ثمانية نشطاء معارضين من بيوتهم استباقًا لأي أعمال قد يشاركون فيها.

وفي الشوارع، لا تزال قوات الأمن تستسهل ضرب المتظاهرين بالرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع وأحيانًا بالرصاص الحي، متسببة حتى الآن بمقتل 23 شخصًا بحسب تحالف لعدد من منظمات المجتمع المدني في البرازيل.

4. تهجير السكان:

تأهيل المناطق التي تقام فيها فعاليات البطولة لاستقبال السياح اشتمل على تخليصها من أشخاص غير مرغوب بهم: سكانها الأصليين.

فبناء الملاعب والبنى التحتية اللازمة لاستضافة المونديال، أدى إلى إخلاء العديد من الأراضي من سكانها بالقوة أو بالتدريج. بعض التقديرات ترجح أن أكثر من 3,000 شخص طردوا من منازلهم بموجب قرارات استملاك حكومية للأراضي المقامة عليها هذه المنازل، ليتم تعويضهم بمبالغ أقل بكثير من قيمة ممتلكاتهم.

وبحسب ناشطين، يواجه أكثر من ربع مليون برازيلي خطر التهجير في المدن الإثني عشر التي تستضيف المباريات، إما بسبب الاستملاك أو بسبب الارتفاع الحاد في أسعار وإيجارات العقارات.

في ساو باولو وقرب ملعب أرينا كورينثيانز الذي بلغت كلفته 350 مليون دولار، يخيّم في اعتصام مفتوح أكثر من 4,800 شخص أصبحوا بلا مأوى بعد أن باتت إيجارات منازلهم القريبة من الملعب أعلى من قدرتهم على التحمل. فمعدل الإيجار الشهري لشقة بثلاثة غرف نوم في ساو باولو بات يساوي أكثر من نصف متوسط دخل الأسرة في المدينة.

5. لا كؤوس للعمال:

الإنفاق المفرط على البطولة ترافق مع أوضاع عمل سيئة لعمال البناء في المشاريع المرتبطة بكأس العالم، وأجور متدنية لهم ولغيرهم من العمال. فرغم أن شركات البناء ربحت الكثير من خلال عقود إنشاء الملاعب والبنى التحتية اللازمة، إلا أن القليل من هذه الأموال ذهبت لأجور العمال أو لضمان سلامتهم، إذ توفي تسعة عمال خلال بناء ملاعب البطولة الإثني عشر.

بحسب وزارة العمل البرازيلية، أجبرت شركة OAS للبناء التي تولت مشروع توسعة مطار ساو باولو الدولي 111 عاملًا في الموقع على العمل بظروف أشبه بالعبودية، فارضة على كل منهم دفع 250 دولار لتأمين وظائفهم، ليعيشوا في مواقع البناء دون مرافق صحية، مفترشين بطانيات رفيعة للنوم ليلًا.

إلى جانب هؤلاء، كان كأس العالم حافزًا لمجموعات أخرى من العمال للمطالبة برفع أجورهم، وعلى رأسهم كان عمال مترو الأنفاق في ساو باولو، الذين نفذوا إضرابًا شلّ المدينة لخمسة أيام مطالبين بزيادة لا تقل عن 10% من رواتبهم الحالية، قبل أن يتراجع اتحادهم عن تهديده بالإضراب يوم افتتاح البطولة في المدينة.

إلا أن احتمالية العودة للإضراب تظل قائمة خاصة إذا رفضت الحكومة مطلب الاتحاد بإعادة توظيف 42 عاملًا من أعضائه فُصلوا بسبب استجابتهم للإضراب، ونفذت تهديدها بفصل 300 آخرين.

مواجهة الحكومة للإضراب لم تكن ناعمة على الإطلاق، فقد جرّمت محكمة خاصة الإضراب وفرضت على الاتحاد غرامة قدرها 220 ألف دولار مقابل كل يوم يمتنع فيه العمال عن العمل. كما قمعت قوات الشرطة تجمع العمال في محطات المترو لإجبارهم على فتحها.

المعاملة نفسها انطبقت على إضراب المعلمين المفتوح المعلن منذ قرابة أسبوعين. فقد واجهت الشرطة بالعصي والغاز المسيل للدموع قرابة 10 آلاف متظاهر من المعلمين وعمال البلديات في شوارع ساو باولو، طالبوا بزيادة قدرها 11% من رواتبهم كحد أدنى، إضافة إلى تحسين ظروف عملهم وتأهيل المدارس وتخفيض معدل الطلبة لكل معلم.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية