صوت وصور: شهادات من جرحى غزة في المدينة الطبية

الإثنين 28 تموز 2014

في وحدة العناية المركزة في مدينة الحسين الطبية يرقد خمس عشرة مصابًا من غزة وصلوا خلال الأسبوع الماضي على دفعات إلى عمّان، وجوه مرافقيهم شاحبة ومذهولة من هول المشهد الذي وصفه الخمسيني إبراهيم أبو طير بإبادة جماعية للبشر في غزة.

المصابة رحاب أبو طير وبجانبها والدها إبراهيم أبو طير

يجلس أبو طير بجانب ابنته المصابة رحاب، 27 عامًا، يروي لنا والدموع تملأ عينيه ما حصل معه، إذ كان يتناول طعام السحور مع بناته وأبناء أخيه عندما سقطت قذيفة أمام المنزل في منطقة عبسان الكبيرة المجاورة لخزاعة، شرق خان يونس، كسرت الأبواب وباب الحديد.

تلا القذيفة المزيد من الصواريخ، أصيب جراءها أولاد رحاب الثلاث. “واحد عمره ثلاث أشهر والثاني ثلاث سنين والثالث أربع سنين و نص”.

قبل أن تتمكن رحاب من إدراك ما حصل لأولادها الثلاثة، ضرب البيت بثلاث قذائف لم تحطم البناء فقط بل مزقت أجزاء من جسدها.

مرت قرابة ساعة إلا ربع قبل أن تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إلى المكان المنكوب. الوالد في حالة ذهول واثنا عشر شخصاً في المنزل مصابون. هرع الأب إلى ابنته رحاب حافي القدمين ولم يأبه لشدة حرارة الأرض من الصواريخ التي حرقت أقدامه ومباشرة حمل  ابنته ووضعها في سيارة الإسعاف، لم يكن يعلم إذا ما كانت على قيد الحياة أم لا، وتوجهوا إلى مستشفى غزة الأوروبي.

“أنا لما طلعتها فكرتها مستشهدة،” يقول الأب. الأطباء في المستشفى الأوروبي أخبروه بأن حالة ابنته رحاب غير مستقرة وتسوء، وقرروا إرسالها إلى الأردن. وتم توجيه كتاب للمستشفى الميداني الأردني الذي بدوره تابع الإجراءات الرسمية لنقلها إلى الإردن عبر معبر إيريز الإسرائيلي.

استأجر أبو طير سيارة إسعاف خاصة لنقل رحاب إلى مستشفى الشفاء بـ 100 دولار حتى يتسنى ترحيلها إلى المعبر أولاً ثم من هناك يتم تسليمها إلى سيارات الإسعاف الاردنية.

“تم إجراء ثلاث عمليات لها في عمان وإخراج 13 شظية وبقي حوالي ست شظايا … في مناطق حساسة”.

لا يعلم أبو طير مصير أحفاده الثلاث أبناء رحاب. “12 شخص عندي تصاوبوا، بنتي رحاب وأولادها الثلاثة وهيام وبنتها، وبنت أخوي ابنها تصاوب بشظيه قريبه من المخ وكمان واحد بشظيه بالمثانة”.

أثناء وجوده مع ابنته رحاب في المدينة الطبية في عمّان وصلت ابراهيم أخبار عن استشهاد والدته في قصف. هذه الفاجعة الجديدة قلبت غرفة المرضى إلى مأتم جماعي حيث جاء من كان في القسم من العائلات الغزية لعزاءه ومواساته لكن في اليوم الذي يليه جاءه خبر جديد بأن والدته لم تمت بل هي على قيد الحياة في العناية المركزة.

هلا أصيبت وهي نائمة

السيدة نعمة صالح والدة المصابة هلا

بدأ المكان يكتظ بالممرضين والأطباء فموعد الكشف العام على الجروح قد حان. تركنا إبراهيم أبو طير وتوجهنا إلى مريضة أخرى وهي هلا شعبان، 27 عامًا، ترقد في الجهة المقابلة لرحاب، تخبرنا والدتها نعمة التي رافقتها إلى عمّان عمّا حصل معها.

حوالي الساعة الثانية فجرا وبينما كانت هلا، الحامل، نائمة في فراشها والكهرباء مقطوعة، سقطت قذيفة على البيت المجاور لتصيب الشظايا هالة في أسفل ظهرها وتستقر على بعد “سنتمتر من الجنين”.

قاطع الأطباء حديثنا بسبب ضرورة تحويل هلا إلى غرفة تصوير الاشعة، فقامت الأم وساعدت الممرضات في جر السرير.

إبادة جماعية لعائلة البطش

زكريا البطش ٢٢ عام طالب جامعي وإلى جواره عمّته

مصحف صغير هو كل ما استطاعت عمة زكريا البطش، الطالب الجامعي ذي 22 عامًا، إخراجه من حي التفاح في قطاع غزة، تقف بجانبه تردد الآيات والدموع تملأ عينيها بينما ابن أخيها مستلقٍ تحت جهاز التنفس الصناعي.

“بينما كان زكريا وعائلته يصلون التراويح قرابة الساعة العاشرة، اليهود قصفوا دار أخوي ماجد البطش”، بهذه الكلمات بدأت العمة تروي ما حدث مع عائلتها.

ثوانٍ معدودات حوّلت العائلة إلى أثر بعد عين. “ماجد وزوجته وأولاده خمسة وبناته ثنتين وكنّته وحفيدته عمرها سنة وكنته حامل راحوا. ومن أثر الضرب بالصواريخ على بيت ماجد، أصيب زكريا الموجود في بيتهم الثاني بصلّي هو وأبوه وأولاد عمه صلاة التراويح”. كانوا يصلّون التراويح في المنزل لأنهم اعتقدوا أنه أكثر أماناً من المسجد.

“استشهد ناهض ابن اخوي واستشهد يحيى وأنس إخوان زكريا واستشهدت سماح أخت زكريا ووالده تصاوب وأولاد أخوي أربعة أجسادهم مقطعة وهم في مستشفى الشفاء”.

سيارات الإسعاف قضت يوماً كاملاً في انتشال الجثث من موقع القصف في حي التفاح. زكريا نقل بعد ساعتين. “ضلّت الجثث لثاني يوم، يعني جثث النساء مش ملاقينهم، دار كانت طابقين تحولت لرمل أصفر، تاني يوم لقينا إيد بنت فيهم خواتم وباقي الجثث حطيناهم بكراتين”.

بعد وصول زكريا إلى مستشفى الشفاء تبين أن حالته حرجة بسبب إصابات في الرقبة والرأس، تم رفع اسمه للمستشفى الميداني الأردني لنقله إلى المدينة الطبية في عمان .

لم تسمح سلطات الاحتلال لوالدة زكريا بمرافقته إلى الأردن لذا خرجت معه عمته. نقل بسيارة الإسعاف إلى معبر إيريز وهناك إنتظر أكثر من خمس ساعات حتى سمح له الخروج بعد عناء طويل من قبل عمته وإصرارها على إخراجه لتلقي العلاج.

لم تبقى لعائلة البطش بيوت ولا حتى أقارب، فمن حالفه الحظ بالبقاء على قيد الحياة أصيب إصابات بليغة كما قالت البطش “غزّة ما ضلت غزّة أصلاً، راحوا أهالينا راحوا بيوتنا والآن حتى لو انتهت الحرب ما إلنا مكان نرجع إله بيوتنا تهدمت ما ضل إشي”.

الغزيون يريدون العيش بسلام

مرتدية كوفية علم فلسطين تجلس صابرين أبو حرب التي جاءت من قرية الزوايدة في قطاع غزة بجانب شقيقتها المصابة حنان أبو حرب (21 عاما)، الذي تعرضت لكسر في الحوض وبتر يدها اليسرى وتهتك في الطحال إثر القصف الإسرائيلي.

في الأمام صابرين أبو حرب إحدى المرافقات، في العمق المصابة هلا شعبان
في الأمام صابرين أبو حرب إحدى المرافقات، في العمق المصابة هلا شعبان

الصواريخ انهالت على منطقة الزوايدة حيث أخبرتنا صابرين أن “الاحتلال بيقصف في أوقات لما نكون مجتمعين مع بعض خصوصاً وقت الفطور والسحور والتراويح حتى يقتل أكبر عدد منا”.

قالت صابرين أن بيت الأسرة  تعرض لقصف من طائرة حربية اف 16 ما أدى إلى استشهاد شقيقتها وإصابة والدتها في منطقة الصدر بالإضافة إلى إصابة من كانوا في المنزل وعددهم 16 شخص بإصابات متفرقة.

“بعد نزول الصواريخ راح أخوي لقي أختي لحمها متقطع ومتلزق بالارض أما أختي الثانية فكان منهال عليها حجارة”، بهذه الكلمات وصفت صابرين مشهد العثور على أختها حنان.

هرعت سيارات الاسعاف إلى المكان وتم نقل حنان إلى مستشفى الأقصى ليصار بعد ذلك إلى تحويلها إلى الاردن نظرًا لخطورة حالتها الصحية.

“بدنا نعيش بسلام بعرفش كيف بس بدنا نعيش”، تقول صابرين.

صابرين أبو حرب (يمين) وبجانبها السيدة نعمة صالح والدة المصابة هلا شعبان

الخدمات الطبية تعالج مصابين من غزة

مدير عام الخدمات الطبية الملكية اللواء الطبيب خلف الجادر السرحان، قال أن نقل المصابين من غزة إلى الأردن يكون “للحالات الحرجة والحالات الصعبة، يقدم لنا مستشفى الشفاء تقريرًا طبيًا مرفقًا بطلب منه لمساعدة المصاب لنقله إلى الأردن”.

يحدد مستشفى الشفاء بالتعاون مع وزارة الصحة في القطاع من هي الحالات التي تستوجب مغادرة القطاع على وجه السرعة ثم يحول كتب رسمية إلى المستشفى الميداني الأردني الذي بدوره يسلم نسخة لوزارة الخارجية لمتابعة إجراءات نقلهم والسماح لهم بالعبور من معبر إيريز.

وتوفر الخدمات الطبية الملكية مسكنًا لمن يحتاج من المرافقين بالإضافة إلى وجبات إفطار وعشاء، كما أنها المسؤولة عن تجهيز المستشفى الميداني في غزة بما يحتاج من أطباء ومعدات طبية، فيما تكاد غرف المرضى لا تخلوا من الزوار الذين يقدمون لهم العون المادي والمعنوي من وفود نقابية وشعبية، ويبقى أمل رجوع الجرحى إلى غزة هو ما يخفف آلامهم.

F05

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية