“داعش” في الإعلام: ترويج وتهويل يخدم أهداف الإرهاب

الخميس 03 تموز 2014

تنطلق التحليلات الإعلامية بتسارع الأحداث في العراق وتسبق المعلومات والأخبار القادمة من هناك. الصحف والمواقع الإخبارية الأردنية تنشر أسبوعيا عشرات المقالات والتقارير التحليلية عن “داعش في العراق” وتهديد وصولها إلى الأردن.

لاهتمام الإعلام المحلي بهذا الحدث الخارجي ما يبرره، فلموطن الأحداث حدود ومصالح مشتركة مع الأردن، ولبعض الأردنيين مشاركة في معارك قد تمتد إلى الداخل الأردني أو ينتج عنها هجرات جديدة للاجئين.

لكن الاهتمام الإعلامي الكبير بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ليس مقنعا بسبب شح المعلومات في التقارير الإخبارية وغياب مصادر أو مراسلين صحفيين من مناطق الأحداث، وبسبب تكرار تحليلات لا جديد فيها في مقالات تعتمد على إسقاطات تاريخية أكثر مما تعتمد على حقائق راهنة.

التغطية الكمية لا تقترن بنشاط ميداني أو بحثي. فلا يوجد تقارير إخبارية محلية الصنع وإنما تقارير أجنبية منقولة عن وكالات الأنباء الدولية أو مترجمة عن وسائل إعلام غربية.

والتغطية الكمية لا تقترن بنشاط ميداني أو بحثي. فلا يوجد تقارير إخبارية محلية الصنع وإنما تقارير أجنبية منقولة عن وكالات الأنباء الدولية أو مترجمة عن وسائل إعلام غربية. وهي تقارير خالية من شهادات العراقيين في المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم “داعش”.

تقرير محلي وحيد نشرته بالشراكة وسائل إعلام، ليس سوى تغطية لإحدى الجولات الدعائية المعتادة، تنظمها مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة على الحدود الشرقية مع العراق، كما نظمتها من قبل على الحدود الشمالية مع سوريا. لكن تقارير صحف الرأي، الغد والدستور وموقع عمون تميزت بمقابلات مع سائقين أردنيين وعراقيين قادمين من العراق.

مونودراما بطلها “داعش”

يبدو الحدث في تغطية الإعلام الأردني سطحيا وكأن الفاعل الوحيد هو “داعش” منزوعا من السياق العراقي السياسي والأمني. كما يبدو جديدا ومباغتا وكأن وجود “داعش” بدأ فقط منذ اقترابه من الحدود الأردنية، في حين مضى أكثر من عام على سيطرة التنظيم على مناطق في سوريا. وتظهر المبالغة الإعلامية في وصف قدرات “داعش” وانتصاراتها واتساع سيطرتها في العراق، وتصل أحيانا إلى حد الدعاية والإثارة، وحتى المساهمة في زيادة أتباع التنظيم بين من لديهم ميول للسلفية والتطرف.

في التقارير الصحفية ضمن جولة القوات المسلحة تحدث سائق عراقي عن أن “من تسيطر على مناطق غربي العراق حاليا هي جماعات عشائرية وثوار”، ورفض آخر “أن تجير هذه الأعمال للجماعة المسلحة داعش”، وقال ثالث “أن من يسيطر على الطريق مسلحون ينتمون لعشائر سنة” وأن “الحديث عن داعش فرية يستخدمها أنصار الحكومة المركزية في بغداد لتشويه ثورة العشائر”.

شهادات السائقين العراقيين تتفق مع ما قاله النائب السابق للرئيس العراقي، طارق الهاشمي، عن أن “ما يحدث في العراق ربيع لا تحركه داعش“. واتهم الهاشمي “وسائل إعلام غربية بالمبالغة في تصوير حجم التهديد الذي يمثله تنظيم (داعش)”. ومع ذلك يصر الإعلام الأردني على تغييب الأطراف الأخرى في العراق والاكتفاء بـ”داعش”.

وإن سلمنا بالتقديرات الإعلامية لاتساع سيطرة “داعش” وتفوقها عسكريا في المناطق العراقية لا يتوقف الخبر والتحليل عند الطرف المنتصر (داعش)، فهناك أيضا طرف مهزوم (الجيش العراقي) وقد يكون صانعا رئيسيا للحدث وفقا للتحليلات السياسية التي تعزو انتصارات “داعش” إلى ضعف الجيش العراقي أكثر مما هي قوة تنظيم “داعش”.

يقول الحاكم المدني الأميركي بول بريمر في برنامج “من واشنطن” على قناة الجزيرة أن “انهيار الجيش العراقي في الموصل وتكريت يعود إلى أن المالكي طهر جيشه من العناصر التي دربها الأميركان، مثلما فعل ذلك في جهاز المخابرات، وأسس حكومة أكثر طائفية، أما قادة الجيش المنهار فإنهم بلا مؤهلات سوى تأييد المالكي فقط”.

ترويج للتنظيم مقابل زيادة الجمهور

لكن الإعلام و”خبراءه” يفضلون التركيز على المنتصر بطلا يسهل تحويله إلى نجم يستقطب الجمهور، وقد يساهمون في زيادة شعبيته وأتباعه وأهدافه في ترهيب الناس، غالبا بدون قصد. فتنشر صحيفة “السبيل” خبرا عن أن “داعش تعدم وتصلب أحد عناصرها شمالي سوريا” مرفقا بصورة قريبة لجثة مصلوبة يظهر فيها الوجه واضحا ودماء تقطر منه على لافتة معلقة على صدره تبين جريمته وعقابه. وتتغاضى الصحيفة الإسلامية عن حرمة الميت وكرامته الإنسانية، سعيا لإثبات غلو التنظيم المتطرف في تطبيق الشريعة الإسلامية بالمقارنة مع تيار الإخوان المسلمين المعتدل.

وينقل موقع عمان نت عن وكالة الأناضول التركية خبر العرض العسكري الذي نظمه “داعش” في مدينة الرقة، المعقل الرئيس له في سوريا، ووصفته بأنه عرض “ضخم” وأرفقت معه معرضا من الصور التي لا تظهر “ضخامة” العرض التي يتحدث عنها التقرير.

ISISوبالعودة إلى الصور والمقطع الفيديوي الخاص بالعرض نجد أن التصوير لا يتضمن لقطات بعيدة تظهر الحجم الحقيقي للعرض وإنما صور قريبة يظهر فيها فقط دبابتين وشاحنتين وحاملة صاروخ “سكود”، بالإضافة إلى البكبات، ما يتناقض مع تهويل الإعلام للعرض ويظهر عدم دقة التقرير الذي لم يذكر تعداد العربات في العرض ولم يصف أجواء العرض كما ظهرت في الفيديو حيث نرى دبابة يقودها سائق أرعن بطريقة “التخميس”.

وفي حين تتركز التقارير الإخبارية والمقالات التحليلية على استعراض “داعش” العسكري وإعلان ما أسمته “دولة الخلافة الإسلامية”، لم يأخذ خبر “الجيش العراقي يطرد مسلحي داعش من تكريت” حقّه من التغطية الإعلامية.

ويستمر دفق عشرات التقارير والمقالات عن “داعش” والتي تنشرها أسبوعيا مواقع إخبارية، مثل عمان نت. وبهدف زيادة الجمهور يستغل الإعلام المخاوف الأمنية للأردنيين من “داعش”، وبالتالي تزيد مخاوف الناس وتتصدر عناوين “داعش” قائمة التقارير “الأكثر قراءة”، في دائرة مغلقة من التأثير المتبادل بين أجندات الإعلام ورغبات الجمهور.

في أقسام المقالات والتحليلات، مثل “أفكار ومواقف” في صحيفة الغد، يصعد من جديد نجم “خبراء الحركات الإسلامية” وينضم لهم “خبراء” جدد يسقطون ما يعرفونه عن تاريخ “السلفيين” و”الجهاديين” ويتسابقون على صناعة نجم جديد. وينهمكون في التمييز بين “فكر” القاعدة وداعش والنصرة ومجموعات أخرى تتعاقب وتتشابه، ولا تختلف سوى بزيادة تطرفها لتستقطب شبابا أصغر عمرا وأكثر ميلا للعنف.

يتسرع باحثون لاستغلال الطفرة الإعلامية الخاصة بـ”داعش” ونشر دراسات غير مكتملة وغير مقنعة

ويتسرع باحثون لاستغلال الطفرة الإعلامية الخاصة بـ”داعش” ونشر دراسات غير مكتملة وغير مقنعة، مثل دراسة عن أماكن الجهاديين في الأردن، اعتمد فيها الباحث بطل الشيشاني على عينة صغيرة مضللة وغير عشوائية (85 سجينا سلفيا في الأردن) للخروج بنتائج عن “توزع المجاهدين المحكومين جغرافيا” و”تقسيمهم حسب أصولهم.

ومن بين عشرات المقالات التحليلية التي تتناول الحدث من زاوية “داعشية” نجد مقالا أو اثنين يتطرق للجيش العراقي، مثل مقال للكاتب محمد أبورمان في صحيفة الغد الذي يستطلع آراء خبراء عسكريين أردنيين “يجمعون على أن السبب الرئيس يعود إلى قصر عمر الجيش العراقي الجديد، وعدم امتلاكه للخبرة المطلوبة، ووجود حالة غضب سُنيّة مجتمعية تسهّل أي عملية تمرد على المالكي في المحافظات السنية، مع توافر خبرات وكفاءات عسكرية مؤهلة سابقة كانت تعمل في الجيش العراقي”.

رؤية إعلامية مستوردة

تنشط المواقع الإخبارية وأقسام الترجمات في الصحف في ترجمة تقارير ومقالات من وسائل إعلام دول منشغلة بهاجس “الإرهاب”، تنقل للجمهور الأردني القريب من الحدث رؤية من بعيد، أحيانا استشراقية، ومن زاوية المصالح والاهتمامات الأمريكية والاسرائيلية. فنشر قسم “ترجمات” في صحيفة الغد قرابة عشرة مقالات عن “داعش” في الأسبوع الثالث من حزيران فقط. ونشرت مواقع إخبارية مثل ما وصلت إليه من تقارير ومقالات عن “داعش” في الإعلام الأمريكي.

ويتماهى الإعلام المحلي مع أجندات الإعلام الدولي ويغفل، سهوا أو برقابة، عن تداعيات الحدث محليا. فتضيع “مسيرة في معان لدعم داعش” بين ازدحام الأخبار وتتناقض الأنباء عن حجمها، ويمر بيان المطلوبين في معان بلا متابعة أو اهتمام يتلاءم مع ما ورد فيه عن “وجود أشخاص ملثمين يطلقون النار قرب قوات الدرك والمقار الأمنية وبعد المتابعة تبين أنهم أصحاب سوابق من خارج معان يعملون لصالح الأجهزة الأمنية بعد اتفاقية بين الطرفين تنهي أحكامهم ويتقاضون مبالغ مالية مقابل عملهم هذا”.

وعلى هامش نجومية “داعش” في الإعلام كان لسلفيي الأردن، مثل المقدسي وأبوسياف، نصيب من خلال مقابلات نقلها الإعلام المحلي عن إعلام عربي، وهدفت إلى معرفة المزيد عن “داعش” وعلاقته بالتيارات الجهادية الأخرى. في حين أن فرضية “صفقة مع الجهاديين!“، بين الدولة والتيار السلفي الجهادي في الأردن، على إثر الإفراج عن المقدسي وتبرئة محكمة أمن الدولة لأبي قتادة، لم تجد اهتماما إعلاميا.

وينغمس الإعلام المحلي في التفاصيل العسكرية لتنظيم “داعش” إلى درجة عدم التوقف عند قرار الحكومة بـ”رصد تعليقات وتصريحات الأردنيين على الانترنت وغيرها من وسائل النشر والمؤيدة لـ”داعش” وملاحقة أصحابها قانونيا لأنها تدخل في باب النشاط الإرهابي”، وما قد يكون له من تداعيات على حرية التعبير والإعلام.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية