إعلام الدولة الإسلامية: أبعد من قطع الرؤوس

الخميس 28 آب 2014

(نشرت هذه المادّة على مدوّنة بيروت ٥ أمبير بتاريخ ٢٥ آب ٢٠١٤. المدونة المرخصة تحت المشاع الإبداعي)

مع انتشار فيديو إعدام المصور الأميركي جايمز فولي على يد مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية، دعا رواد مواقع التواصل الإجتماعي إلى “تعتيم” إعلامي ضد أي مادة تخدم “بروباغاندا” تنظيم الدولة الإسلامية (#ISISmediaBlackout). سبق الدعوة طلب من عائلة فولي الى عدم نشر الفيديو أو مشاهدته، فردّ متعاطفون بنشر صورة قديمة لـ”فولي” مذيلة بعبارة “هذه الصورة الوحيدة التي سنشاهدها”، رداً على صور الإعدام.

لم تكن هذه المرة الأولى التي ينشر “داعش” شريطاً مصوراً لعملية إعدام او جلد او قتل جماعي. إلا أنها ربما المرة الأولى التي يؤدي نشر شريط مصور الى إطلاق حملة للتعتيم على هذه المواد.

ترسم “هوليوود” حدود الخيال والأخلاق ومشاهد العنف الإفتراضي على الشاشات. ويرسم تنظيم “داعش” منذ ثلاث سنوات وحتى الآن، السياسة الإعلامية والمعايير الأخلاقية لمئات المؤسسات الإعلامية حول العالم في تغطيتها للأحداث في سوريا والعراق. إذ أصبحت الإعدامات الميدانية وقطع الرؤوس والمجازر الجماعية المصورة أمراً إعتياداً ومادة إعلامية تتنافس وسائل الإعلام الإلكترونية بنشرها.

منذ فترة قصيرة، عبر مواطنون سويديون عن انزعاجهم من تداول شريط مصور على الإنترنت يهدد فيه أحد مناصري داعش سكان السويد وأوروبا. تسائل السويديون حول ماهية إعادة نشر هذا الفيديو وغيره من المواد الآتية من سوريا على المواقع الإلكترونية، وكأن تغطية أنشطة “داعش” فَرضٌ على كل مؤسسة إعلامية حول العالم.

المشاهدة المتكررة لهذه المواد البصرية الدموية على الشبكة، يزيد من تقبلنا لها كأمر واقع و”طبيعي” لا مفر منه. كما أن تلقي سكان سوريا والعراق الصور والمشاهد الدموية زاد من الرعب الذي يعيشونه حتى باتوا يهجرون بيوتهم وقراهم فور ورود أنباء عن هجوم قريب لمسلحي “داعش” على هذه القرية أو تلك.

ممارسات “داعش” ليست أمراً عجيباً او جديداً. وهي ليست حكراً على التطرف الإسلامي. فعمليات الإعدام والقتل العشوائي منتشرة حول العالم في كل حرب، واجتياح، وثورة. قتلت “فرق الموت” (death squad) في أميركا الجنوبية واوروبا الشرقية والبلقان وجنوب شرق آسيا الملايين على أساس العرق أو الدين أو التوجه السياسي. كما هي الحال أيضاً مع آلاف المفقودين في الحرب الأهلية اللبنانية وفي العراق (قبل وبعد إحتلاله عام 2003). إلا أن هذه المجموعات لم تستخم الكاميرا لنشر صور جرائمها، بل على عكس ذلك، حاولت قدر الإمكان إخفاء أي دليل على أعمالها. الجديد في “داعش” أنه يملك إصراراً على نشر مشاهد الإعدام والقتل الجماعي، إضافة الى إستراتيجية إعلام إجتماعي واتصال بشبكة الإنترنت لتحميل هذه المشاهد.

“متلازمة العالم السيء”

كما تشوه هذه المشاهد نظرتنا الى مجمل الواقع العالمي وهو ما يُعرَف بـ”متلازمة العالم السيء” (Mean World Syndrome). واستخدم باحث علوم التواصل المجري-الأميركي “جورج غيربنر” هذا المصطلح خلال دراسته لآثار مشاهدة التلفزيون على المدى الطويل. يصف غيربنر من خلال هذا المصطلح ظاهرة سلوكية تتمثل بقناعة أنه كلما قضينا فترات أطول من “حياتنا” أمام شاشة التلفزيون لتتبع نشرات الأخبار والمشاهد القاسية، زادت قناعتنا أن الواقع الإجتماعي أسوأ مما هو عليه فعلياً وشبيه أكثر لما يُعرَض على الشاشة.

عندما يتلقى المجتمع رسائل عنفية يتخذ الأفراد احتياطات مبنية على الخوف، ما يؤدي الى تقييد حرياتنا وحرية أولادنا بشكل غير إرادي وغير ضروري أيضاً

ويشرح الباحث الأميركي “مار وار” أن “متلازمة العالم السيء” قد تؤدي الى نتائج سلبية. فعندما يتلقى المجتمع رسائل عنفية “يتخذ الأفراد احتياطات مبنية على الخوف، ما يؤدي إلى تقييد حرياتنا وحرية أولادنا بشكل غير إرادي وغير ضروري أيضاً. يقّيد الخوف القيم المدنية والثقة بين المجتمعات، ما يضع عواقب جدية أمام الديمقراطية. ونتيجة لتلك المشاهد، يتخلى الفرد إرادياً عن جزء من حرياته حفاظاً على الأمن والأمان. وأيضاً، تنجح التظيمات المتطرفة في خلق حالة توتر في المجتمعات، فتزيد الانقسامات والخلافات بين المجموعات في أوروبا وأميركا (كما حصل مع ازدياد مشاعر الكراهية تجاه العرب والملسمين بعد هجمات 11 أيلول)، ما لبث أن تحول شعوراً زائداً بالعزلة والانسلاخ عن المحيط.

يعتبر البعض أن التعتيم على أخبار “داعش” أو أي مشاهد عنيفة هو نوع من الرقابة والتقييد للحريات الإعلامية. ولكن ماذا لو كان الهدف من العنف إيصاله الى أكبر عدد ممكن من المشاهدين عبر وسائل الإعلام؟ وفي المقلب الآخر، ماذا لو كان الهدف من إظهار الصور تسليط الضوء على وحشية الحرب؟

نرى في خِضَم الضجيج الإعلامي أن مواد الجماعات المتطرفة هي الأكثر صدقاً والأقرب الى الحقيقة من بين المحتوى المعروض على وسائل الإعلام. في حين تتناسف وسائل الإعلام لجذب الزوار الى مواقعها الإلكترونية عبر العناوين الملغومة وصور الجثث المضرجة بالدماء. بعض الإعلام يريد كل ما يشبه “داعش” في كل المجالات: قطع الرؤوس، العنف، الجنس، الفضيحة، وكلّ ما يعرّي الإنسان مما تبقى له من حرمة وكرامة.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية