الحكومة تقوّض نظام الحكم

الخميس 14 آب 2014

(نشرت هذه المادّة على مدوّنة هلمّ جراً)

قيام رئيس الحكومة عبدالله النسور بتوجيه رسالة إلى الملك يستأذنه التقدم بمشروع لتعديلين دستورين يشمل أحدهما منح صلاحية تعيين رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة للملك يشكّل جريمة الشروع بتقويض نظام الحكم السياسي في المملكة ويستوجب تحرك النيابة العامة للتحقيق فيها.

إن هذا الفعل، بالإضافة لكونه يشكل توريطاً غير بريء للملك وللملكية في الأردن بأن يجعل القصر مسؤولاً أمام الشعب عن أية اخطاء ترتكبها المؤسسات الأمنية، فهو أيضاً ينزل بمرتبة الملك من كونه الحكم بين جميع سلطات الدولة ليصبح لاعباً، ما له آثار خطيرة على المؤسسة الملكية باعتبارها رمزا لوحدة الامة وكرامتها وعزتها.

أعلم أن النسور قد يكون تفاجأ برسالته إلى الملك في الإعلام وتبناها مثل الخادم المطيع، كما أعلم أن هنالك صبية عابثين من مستشاري الملك في الديوان وغيره هم أصحاب هذا النصح العبثي، لكن رئيس الحكومة يعلم أن المادة الأولى من الدستور عرّفت نظام الحكم بأنه النظام النيابي الملكي الوراثي، كما يعلم أن الأمة وفقا للدستور هي مصدر السلطات وأن الملك رأس الدولة وهو مصون من كل تبعة ومسؤولية وأن أوامره الشفوية أو الخطية لا تعفي الوزراء من مسؤوليتهم، وبالتالي فإن الحكومة هي التي تغطّي مسؤولية الملك أمام مجلس النواب، وتتحمل مسؤولية كافة أعمال السلطة التنفيذية بما في ذلك الحساب والعقاب، فالملك الدستوري لا يخطئ، وبالتالي لا تجوز محاسبته. ولذلك جاءت المادة 40 من الدستور بضرورة ممارسة الملك لصلاحياته من خلال إرادة ملكية يجب أن تكون موقعة من رئيس الوزراء أو الوزير أو الوزراء المختصين، بحيث ينحصر دور الملك بتثبيت توقيعه فوق تواقيع المذكورين.

هذه النصوص لم تأت اعتباطا بل هي نتاج نظريات فقهية ودستورية وتجارب الشعوب لمئات السنين، والهدف منها تطبيق قاعدة قانونية ودستورية ومنطقية هي قاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، وهذا بالنتيجة يشكل حماية للملك حتى من نفسه.

 هذه النصوص لم تأت اعتباطا بل هي نتاج نظريات فقهية ودستورية وتجارب الشعوب لمئات السنين، والهدف منها تطبيق  قاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، وهذا بالنتيجة يشكل حماية للملك حتى من نفسه.

صحيح أن واقع الحال اليوم في الأردن أن الملك هو الذي يعين مدير المخابرات ورئيس هيئة الأركان المشتركة بإرادته المنفردة، وينحصر دور النسور وأمثاله من كبار الموظفين برتب رؤساء حكومات بالتوقيع بلا دور حقيقي باتخاذ القرار. إلا أن استمرار الشكل الدستوري الأصلي على الأقل ضروري للحفاظ على الدستور من العبث وعلى نظام الحكم من التقويض كما يشكل تطبيقا لقاعدة تلازم السلطة والمسؤولية، فلا يوجد نظام في العالم يعفي من منحه الدستور صلاحية الانفراد باتخاذ القرار من مسؤولية أعماله وقراراته.

في السنوات الأخيرة تم إحالة العديد من النشطاء لمحكمة أمن الدولة بتهمة العمل على تقويض نظام الحكم السياسي للمملكة خلافا لاحكام المادة 149 من قانون العقوبات، والتي تعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من “أقدم على أي عمل من شانه تقويض نظام الحكم السياسي في المملكة أو التحريض على مناهضته.”

ما كان يطالب به العديد من هؤلاء النشطاء حقيقة هو تفعيل المبدأ الدستوري أن الشعب هو مصدر السلطات وأن الحكومة هي صاحبة الولاية العامة على جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية وتخضع للمساءلة عن أعمالها امام برلمان منتخب على أساس نظام انتخابي وعملية انتخاب عادلين وقضاء نظامي مدني مستقل يبسط رقابته على الجميع.

إن هذه المطالب في حقيقتها هي نصوص دستورية معطلة تشكل نظام الحكم السياسي في الأردن وبالتالي فإن العديد من هؤلاء النشطاء كانوا عملياً يطالبون باسترداد نظام الحكم.

أما ما يقوم به النسور ومستشاروا الملك اليوم فهو ترجمة حقيقية لتقويض نظام الحكم في الأردن ويستوجب التحقيق بهذه الأفعال وإيقافها حماية للبلد والشعب والدستور والملك!

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية