منيف الرّزاز في ذكراه الثلاثين: رسائل من سجن الجفر

الثلاثاء 16 أيلول 2014

«إن اسوأ ما يمكن أن يصيب الشعب في ظل الحكم الدكتاتوري هو فقدانه للموازين الخلقية. فالاقتصاد قد ينمو. ومستوى الحياة  قد يتحسن. والقوة العسكرية قد تتضاعف وتتعاظم. والمدارس قد تتسع. والحالة الصحية قد ترتفع. والسياسة الخارجية قد تنجح. ولكن شيئًا واحدًا لا بد أن يتدهور باستمرار هو المستوى الخلقي».

هذه كلمات المفكر والمناضل منيف الرزاز في كتابه «الحرية ومشكلتها في البلاد المتخلفة» الذي صدر عام ١٩٦٥. بعد أربعة عقود على ذلك الكتاب، ما ‪تزال أفكاره ذات قدرة على تفسير واقع اليوم.

منيف الرزاز، عام 1949تصادف اليوم، ١٦ أيلول، الذكرى الثلاثون لرحيل منيف الرزاز عام ١٩٨٤ بعد خمس سنوات قضاها في الإقامة الجبرية في العراق بعد أن تم تنحيته عن منصب الأمين العام المساعد لحزب البعث عام ١٩٧٩.

في الكتاب السابق ذاته، يقول منيف أيضاً إن«المواطن الواعي، الشاعر بمسؤوليته، ليس له مكان في ظل هذا الحكم. إنه لا بد أن ينتهي به الأمر إلى العزلة أو السجن أو الإهمال أو الموت»، وهذا هو المصير الذي لاحقه في سوريا والأردن والعراق في مراحل من مختلفة من نشاطه السياسي. إذ نفي من الأردن إلى سوريا عام ١٩٥٢ نتيجة انضمامه لحزب البعث، ثم وبعد عودته إلى الأردن اعتقل مع مجموعة من السياسين في حركة الضباط الأحرار عام ١٩٥٧ في معتقل الجفر في معان، واعتقل للمرة الثانية عام ١٩٦٣«على إثر محادثات الوحدة بين مصر وسوريا والعراق».

منيف الرزاز ولد في سوريا وترعرع في الأردن، درس الطب في القاهرة، وكتبَ مؤلفات مهمة منها «فلسفة الحركة القومية العربية» و«أزمة اليسار العربي» و«الحرية ومشكلتها في البلدان المتخلفة» وغيرها الكثير.

في ذكرى رحيله، ننشر مقتطفات من رسائل ما بين منيف الرزاز وزوجته لمعة بسيسو وابنه مؤنس أثناء اعتقاله في سجن الجفر في الأعوام ١٩٥٧ و١٩٥٨ و١٩٦٣. هذه الرسائل منشورة على موقع عائلة الرزاز وننشرها بموافقة عمر الرزاز، نجل منيف.

١٩٥٧/٦/٢٤

لمعتي الحبيبة

(..) كُنت كتبت إليكِ طالبًا عدم إرسال كتب جديدة. وكان السبب أنني لا أتوقع البقاء هنا مدة طويلة فكثير من الزملاء قد خرج إما للإفراج أو للمحاكمة. وأتوقع أن يأتينا الدور عمّا قريب. وإنكم في عمان أقدر منا نحن على الحكم على هذه الإمكانية فإن كنتم ترون أن المزار بعيد فأرسلوا الكتب نتسلى بها. وإلا فلننتظر قليلًا. (..)

 كيف حال مؤنس؟ هل أنهى امتحاناته؟ وهل نجح؟ الأفضل في رأيي أن يذهب إلى مدرسة صيفية للالتحاق بالصف الأول في العام القادم إذا أمكن. (..)

ختامًا لك ولمؤنس قبلاتي وأشواقي. وللجميع سلامي واحترامي وقبلاتي.

منيف

حبيبي مؤنس،

أنا مبسوط من مكتوبك كثير. اكتب لي دائما. خليك شاطر. كيف امتحاناتك ؟ نجحت؟ بدي إياك تنجح أوام مشان تصير كبير أوام.

منيف
____________________________________________________________________________________________________________

١٩٥٧/٧/١٩

(من الجفر إلى سجن العبدلي إلى الجفر)

لمعة الحبيبة،

إذن لقد كانت واحة في صحراء، أو كانت سرابًا، أو حُلمًا. لست أدري. لم تحصل قبل اليوم أبدًا. لم يحصل أن خرج معتقل للتحقيق ورجع إلا إذا حكم عليه. أما بهذا الشكل فلم تحصل أبدًا. لم أكن أقدّر أننا سنسافر وبهذه السرعة. كنت أظن أن رؤيتي لكم ستطول بعض الشيء، على الأقل إلى أن تنتهي المحاكمة إن كان هناك محاكمة. ولو كنت أعلم، لما اقتصرنا على اجتماع نصف ساعة، بل لمددنا الاجتماع ساعة أو اثنتين أو أكثر حتى نشبع من بعضنا. وهل نشبع؟ شيء واحد فرحت له، هو أنني رأيت مؤنس للمرة الثانية وكان ضاحكًا مستبشرًا أنيسًا مؤنسًا، لا كما رأيتُه للمرة الأولى. ماذا في نفس هذا الطفل؟ ماذا في نفسه حتى ينقلب باكيًا حين يراني؟ كم في نفسه من أسى؟ كم في نفسه من حقد يتجلى حين تتاح له الفرصة أن يتجلى؟

حين أبلغونا بالسفر في السابعة من مساء الخميس، لم يخطر في بالي أنني سأرجع إلى الجفر، فالجفر ليس مشكلة بالنسبة لي. ولكن الذي خطر في بالي أول ما خطر أنتم. أنتم الذين بنيتم أملًا، وعشتم على أمل. مؤنس الذي رأى أباه، وقدر أن موعد رجوع أبيه إلى البيت أصبح قريبًا. مؤنس الذي يحاول أن يقنعني بسرعة العودة فيقول أنكم بعتم الراديو القديم واشتريتم راديو جديدًا ووضعتموه في غرفتي، ألا أريد أن أراه؟ خاب أمله. كم خاب أمله. هذا الطفل الذي يحتمل فوق ما يحتمل الأطفال، وأكثر مما يجب أن يحتمل الأطفال. ومع ذلك فلا بأس. وصلت اليوم بعد رؤيتكم. فتجددت قواي. أنا الآن مستعد لمسح ما مضى والبدء من جديد. مشكلتي أنا لا تهمني. الجفر أكثر حرية وأقل ضجراً من العبدلي. ولكن في العبدلي أراكم. وهذا يجعلني أقوى احتمالًا من أي مكان أخر. ولكن هل هذه حقيقة؟ لو أطلت المقام في العبدلي ورأيتكم باستمرار، دون أن أتمكن من الذهاب للدار لضعفت أعصابي. هنا أفضل. هنا أو البيت. إذن أنا غير مرشح للإفراج الآن. لا بأس. إن احتمالي قوي. فطمئنيني بأن احتمالكم قوي.(..)

لمعتي،

كانت نصف ساعة قصيرة جدًا. ولكنها أعطتني قوة في الاحتمال عظيمة. سنعبر. ويومًا ما ستنجلي الأحوال وستعود المياه إلى مجاريها. قبلاتي لك ولمؤنس، سلامي واحترامي للجميع.

منيف

حبيبي مؤنس،

أنا كنت مبسوط كثير لأني شفتك. شفتك صرت كبير وشاطر وبتفهم. أنا رجعت مطرح ما كنت. ما بطول كثير. بجي بعدين مشان تفرجيني على الراديو. خليك شاطر مشان أحبك دائمًا. أيها البطل الصغير.

بابا

ملاحظة: هل وصلتكم الأغراض التي أرسلتها مع أسامة ؟
____________________________________________________________________________________________________________

١٩٥٨/١٠/١٧

منيفي الحبيب

صحوت ليلة البارحة على صوت. كان صوت نزول الأمطار وبشكل غزير ولأول مره طبعًا. وبين النوم والصحو شعرت بقبضه قاسية تعتصر قلبي وبألم غريب ووحشة. ها هي الأمطار تعود وأنت لم تعد. ها هي الفصول تتعاقب وأنت لا تعود! لم ولأي جريمة ارتكبتموها؟ جريمة حق الإنسان بأن يفكر! ومهما يكن الأمر فقد كانت فترة مظلمة قاسية ولكن هل ستنقشع قريبًا هذه الغمة؟ نسمع بأنها ستزول قريبًا وستعود الأمور إلى مجراها الطبيعي ويحدد لذلك وقت قريب وقريب جدًا! بل حدد يوم عشرين الشهر الجاري وعلى ذلك فليس لي أن أكتب هذه الرسالة ولكننا تعودنا أن ننظر لبعيد وأن نتوقع أسوأ الأمور وأهون جداً وأسهل أن تعود إلي رسالتي لنقرأها معاً من أن يمضي اسبوع دون أن اكتب اليك وتنتظر أنت ورود الرسالة دون جدوى! (..)

لك أشواقي وحبي.
لمعة
____________________________________________________________________________________________________________

١٩٥٨/١٠/٢٥

لمعتي الحبيبة

منيف وزوجته لمعة بسيسوهذا هو اليوم الأول من الشهر التاسع عشر، صباح اليوم أكملت عامًا ونصف، وبدأنا نصف عام جديد، نعلم متى يبدأ ولا نعلم متى ينتهي. ولكن سينتهي حتمًا بشكل ما، وسنلتقي ونبدأ حياتنا من جديد، كيف؟ ومتى؟ لست أدري. ولكنني أعلم أن هذا اليوم اّتٍ لا ريب فيه. ولو قيل لي قبل عام ونصف أنني سأسجن هذه المدة لصعقت. من يصبر على سجن يطول هذا الطول دونما سبب يبرر له هذا السجن إلى نفسه؟ ولكننا تأقلمنا وتعودنا، ويكاد الإنسان يشعر أنه ابن سجون منذ زمن طويل. غريبة هذه القدرة في الإنسان على تكييف نفسه حسب أحواله وبيئته مهما قست.

يوم الخميس، قبل يومين، وُزّعت الرسائل، وكنت أتوقع أن أجد منك رسالة، وإذا بي أستلم المجلات ولا رسالة.

 وأنا أعلم أن البريد فوضى أحيانًا ولكنني أظن أنك تكاسلت قليلًا في الأسبوع الماضي، أليس كذلك؟ (..)

الإشاعات ما تزال هنا تروى عن قرب الإفراج عن عدد منا، ولكننا كما أخبرتك سابقًا لا نلدغ  من جحر عشرين مرة. ونلقي بهذه الإشاعات غير آبهين لها ولا مصدقين. فلقد طالما سمعنا وطالما أملنا حتى تمسح جلدنا.

كيف حال مؤنس؟ لقد مر زمن طويل دون أن يكتب لي رسالة، حتى زملائي المعتقلون اشتاقوا لرسالته. فهل يمكن أن تضبطيه مرة ليكتب؟

لك لمعتي حبي وقبلاتي وأشواقي، وللجميع سلامي واحترامي.

منيف
____________________________________________________________________________________________________________

١٩٦٣/٩/٩

حبيبي مؤنس

إياك أن تظن أني لا أكتب إليك. فعلى العكس من ذلك كنت سابقًا أكتب إليك مرة كل بريدين. ولكن منذ حوالي أسبوعين وأنا أكتب لك في كل بريد رسالة. وحتى هذه المرة لست أدري إذا كانت ستصلك هذه الرسالة. ولكنني مع ذلك أكتب لك وسأكتب ثلاث مرات كل أسبوع لك وللماما.

حبيبي مؤنس

ولا تظن أنني أكتب لك فقط لأنك تطلب ذلك مني. فالحق أني اكتب لك لأني أحبك. ولأني أحس حين أكتب لك كأني أحدثك وكأنك معي، وكأني لست بعيدًا عنك. وحين تصلني رسالتك أحس كأني اجتمعت بك، ولكن يظهر أن ليس كل رسائلي تصل إليك. فماذا أعمل؟ (..)

إني لا أريدك أن تحس بالحزن والضيق أبدًا. ونحن الآن نتحمل عنكم. وكل ما نرجوه أن لا يتعرض أولادنا لما نتعرض له نحن. ولذلك أنا سعيد جدًا حين أحس أنك أصبحت رجلًا ومدركًا للمسؤولية وقوي الأعصاب. إني أحب أن يدفعك هذا كله لأن تزيد من مجهودك في الدراسة وفي هوايتك من جهة ولأن تخفف من حزن الذين من حواليك من جهة أخرى.

يومًا ما سوف نلتقي. وسوف تقبلني وأقبلك. وسوف ننسى ما مضى. إني لست أباك فحسب ولكني صديقك كذلك.

سلّم على جدو وعلى إمي وخالتو والجميع. وقبّل الماما وعمر عني. وإليك أشواقي وحبي وقبلاتي.

منيف

حبيبي مؤنس

في الرسائل التي كتبتها لك ولم تصلك كنتُ قد ألححت عليك بأن تأخذ الماما لحضور حفلات فيروز. إياك أن تسمح لها بأن لا تذهب.

منيف
____________________________________________________________________________________________________________

١٩٦٣/١٠/٩

 منيف الحبيب، (..)

لمعة ومؤنس الرزاز، عام 1958رسائلك هذه رائعة نقرأها أنا ومؤنس عدة مرات ونعيد فقرات محببة منها ونعلق عليها بغبطة إذ نشعر بأن نفسيتك كما نحب وصحتك كما نتمنى. وأما عندما أقول لمؤنس أترى كم يحبك أبوك؟ هل يحب أب ابنه كما يحبك أبوك؟ يسرح بنظره ثم يجيب بضيق ولكني أريده هنا عندي، أريد أن أشعر بوجوده ولا أفهم لماذا يجب أن يكون بعيداً! إنه يحتاج إليك.. يحتاج إليك كما لم يشعر بذلك من قبل أبدًا فهو قد بدأ تلك المرحلة التي ينفصل فيها الطفل عن أمه ويتجه بعقله وقلبه لوالده يتخذ منه مثلًا  أعلى وركيزة وصديق. وأنا قد عملت دائمًا ليأتي اليوم الذي يتجه فيه إليك بدون حواجز وبكل انفتاح قلبي ونفسي. فأنا أستطيع أن أكون صديقته ومحل حبه كله ولكني لا أستطيع أن أكون له ما يمكن أن تكونه بكل ما يعني ذلك. وأنا أحاول جهدي أن أملأ الفراغ الذي يتركه غيابك ولا أتركه أبدًا لوحده بعد عودته من المدرسة. وهكذا أصبح معتادًا على بقائي في البيت إلى جانبه إلى درجة أنه احتج احتجاجاً شديداً قبل يومين فقد حدث أن كنا عند طبيب الأسنان مها وأنا وعمر يتمشى معي أينما ذهبت وطلبت مني أن أتغدى عندهم فذهبت معها وتركت له خبراً بأن يلحق بي فلم يفعل لأن كان لديه دروس وعندما عدت للبيت حوالي الخامسة والنصف لم يكن يبدو عليه الراحة، وعندما ذكرته بأن هذه هي المرة الأولى التي يحدث أن يعود فيها ولا يجدني منذ أن ذهبت أنت من البيت أجاب “لو! فإذا حدث ذلك ثانية فأرجو أن تعودي إلى البيت قبل رجوعي أي حوالي الساعة الثالثة والنصف!” طلب معقول! وأنا اشعر معه فيكفيه أنه يتحمل غيابك المستمر! وهذا بالنسبة له لا يمر كما يمر بباقي الأطفال. لا أظن بأن طفلًا آخر يشعر ويحس بغياب والده بهذه القسوة وبتلك الشدة والعمق. (..)

قبلاتنا لك مع حبي وأشواقي.

لمعة
____________________________________________________________________________________________________________

١٩٦٣/١٠/٩

لمعتي

(..) كيف يمكن أن تصبري على مرضك أسبوعين كاملين دون أن تستدعي الدكتور زهير أو دون أن تفحصي الدم؟ ومع أنني أستبعد أن يكون عندك تيفوئيد، إلا أنني لا أجزم بذلك. (..) أرجو أن تكوني قد شفيت تمامًا حين تصل رسالتي هذه إليك. أما إذا لم تكوني قد شفيت بعد فلا بد من استدعاء الدكتور زهير ليرى رأيه في الموضوع. وإياكِ أن تهملي في ذلك. لا تُضيفي إلى متاعبك متاعب جديدة. ولا إلى همومك همًا جديدًا. وعليك أن تقدّري مبلغ ما أحمل من هَم حين أعلم أنني لست بجانبك لأخفف عنك على الأقل إن لم أتمكن من شفائك.

غريب أن تحلمي وأن احلم – كما ذكرت لك في الرسالة السابقة – نفس الحلم تقريباً وفي نفس الوقت. على أنني لا أحلم كثيرًا. وبكل أسف. وأنا اسمع الراديو يومياً بل والتعليق و يمكنني أن اقدر أن هذه الأحلام هي ما يسمى أضغاث أحلام. ونحن نقضي أيامنا كمثل النبات. نأكل ونشرب وننام ونصحو. لا أكثر ولا أقل. دون أن تتاح لنا حياة المسؤولية، حياة الإنسان. وهذا هو المطلوب. فلماذا نخرج؟ (..)

عمر، كما يظهر من رسائلك، يكبر بسرعة. ولقد طربت كثيرا للذي وصفت من علائم نحوه وشعرت باعتزاز وفخر. للجميع قبلاتي وسلامي. ولك حبي وأشواقي.

منيف
____________________________________________________________________________________________________________

١٩٦٣/١١/٢٩

أبي العزيز

 تحيه وأشواق وبعد (..)

أرجو أن ترسل لي بعد الآن رسائلك إلى بيت خالتو لأن بعد بضعه أيام (أربعه أو خمسه) سأكون عندهم والأرجح [أن] ترسل إلى المدرسة لأنه إذا جائتني منك رسائل في أيام الفرص فلن أستلمها إلا بعد افتتاح المدرسة أما ماما فهي لا تزال في البيت وستذهب إلى أريحا بعد أن يتم ترتيب البيت في أريحا (بعد أربعة أيام أو خمسة).

لقد أصبح عمر رجلاً الآن وهو دائماً يتذكر أنت وهديتك التي يظن أنك في الشام لترسل له (باص، ترين، سياره) فأقول له أطلب واحده فقط فيقول: أنا بدي ترين (قطار).

عندما ذهبنا عندكم للمره الثانيه ازدت في شوقي إليكم وأصبحت أحلم في الليل أنكم هنا وأنني أتكلم معك وأقبلك. في السنين الماضيه حرمتني الأقدار أبي سنتين والآن ترى كم ستحرمني الأقدار منه. هل ستحرمني أقبله وأتحدث معه أنت أبي ألا يجوز أن أشبع منك طوال حياتي؟

إن حياتنا مليئه بالمشاكل والمتاعب.

إن الشهر القادم هو إمتحان نصف السنة.

أبي العزيز : كم أنا مشتاق لكم ولكن عمر برقصه وغناءه يروح عني وهو يغني ويرقص أمام جميع الناس وهو لا يستحي. سلامي إلى عمو جمال وعمو أمين وعمو حمدي وعمو أنيس.

مؤنس رزاز
____________________________________________________________________________________________________________

١٩٦٣/١٢/٢٥

حبيبي مؤنس

اليوم اكفهرت عندنا الدنيا وانتشر الغيم. وبدأت موجة برد شديدة نوعًا ما.  فكيف الجو عندكم؟ أرجو أن يكون حسنًا. وأن تتمتعوا به. بشمسه وهوائه. وأن لا تحرموا في هذه الأيام الجميلة، أيام العطلة، من هذه المتعة الرائعة. فإذا اطمأننت أنا هنا إلى أنكم منشرحون ومبسوطون اطمأنت نفسي وانشرحت وانبسطت.

اليوم عيد الميلاد. وقد مررنا على رفاقنا المعيدين اليوم وعيدنا عليهم وحاولنا أن ننشر روح البهجة والسرور في المعتقل. طبعًا لا يمكن أن يشعروا بالسرور تمامًا. فمنهم آباء كانوا يتمنون أن يقضوا العيد مع أبنائهم. ومنهم أزواج كانوا يتمنون أن يقضوا العيد مع زوجاتهم. ومنهم الشباب الذين كانوا يتمنون أن يقضوه بين أهلهم وأصدقائهم. ولكنهم حرموا من هذا كله، دون أي سبب. ودون أن يقترفوا أي جريمة. وإنما يقضون عيدهم هنا دون أن يعرفوا لماذا. ودون أن يعرفوا لمتى.

 البارحة لم أستلم رسالة لا منك ولا من الماما. ولكن أعتقد أني سأستلم رسالتين منكما غدًا. فلأصبر حتى الغد.(..)

سلامي إلى الجميع وخاصة جدو وإمي. وللماما ولعمر ولك قبلاتي واشواقي.

منيف

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية