المجد لتونس وحدها

الثلاثاء 28 تشرين الأول 2014

بقلم أحمد زكريا

لحظات فارقة في تاريخ تونس بعد مرور 3 سنوات على انتخاب المجلس التأسيسي التونسي، المجلس الذي وضع ملامح الحياة السياسية في بلد خاض ثورة أطاحت بنظام مستبد أجهزَ على نفوس التونسيين قرابة ربع قرن.

ثاني انتخابات في تونس منذ قيام ثورة الياسمين في ديسمبر 2011، في حين مرت مصر خلال المدة نفسها تقريبًا بخمس عمليات انتخابية؛ انتخابات تشريعية في نوفمبر 2011، تزامنت مع انتخاب المجلس التأسيسي التونسي، ثم انتخابات الرئاسة التي جاءت بجماعة الإخوان المسلمين لسدة الحكم، ثم اقتراع  المصريين لدستوريْن في نهايات 2012 وبدايات 2014، ثم انتخابات رئاسية أعادت العسكر إلى السلطة مرة أخرى.

خلال هذه الأحداث المتسارعة في القاهرة، كانت الأحداث في تونس تبدو بطيئة لمن يعيش خارجها. فالثورة أتت بالإخوان في تونس أيضًا، ولم تحدث تغييرات جوهرية على المستوى المعيشي في البلاد كما تمنى التونسيون. وهذا ما قاله لي أصدقاء عدّة عندما زرت تونس في نوفمبر 2013، كما أن أداء الإخوان لم يكن مُرضيــًا لقطاع كبير من التوانسة؛ خاصة بعد فشل السلطات الحاكمة خلال العام المنصرم من إيجاد الجناة في اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وسط أحاديث كثيرة عن تورط الإخوان في ذلك الأمر.

من الناحية الأخرى كان المشهد الدموي في مصر في تصاعد ملحوظ. وقد وصل لذروته في أغسطس 2013 مع مجزرة رابعة العدوية، التي راح ضحيتها ما بين ما لا يقل عن 817 قتيلًا. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنّ حالة ما يمكن تسميتتها بـ «الكراهية السياسية» قد ارتفعت في الشارع المصري بين الأطياف المختلفة من المجتمع، وبدأ تصنيف المواطنين وفقًا لانتماءاتهم السياسية. وبطبيعة الحال، فإن كنت مخالفًا للتيار الرئيسي فأنت إرهابي، أنت إخوان.

خلال الأعوام الثلاثة الماضية، كانت التجاذبات السياسية في تونس واضحة لكنها لم تكن تبدو عنيفة كما في مصر. فالتيارات السياسية لم تلجأ للعنف، والجيش لم يتدخل في السياسة، وكذلك الإخوان في تونس تعلموا جيدًا من درس مصر، فحاولوا كبح جماح طموحهم السياسي على عكس أقرانهم في مصر؛ فحتى لو كانت نواياهم السياسية تتعلّق بالسيطرة والسلطة، فقد ألقوا بالًا للشارع التونسي ولم يضربوا به عُرض الحائط كما فعل الإخوان في مصر عندما ظنوا أن وصولهم للرئاسة سيجعل من الشارع لقمة سائغة في فمهم.

الثورة في تونس، على الأقل، لا تنتكس، بل تسير في طريقها حتى وإن لاقت الكثير من الاعوجاجات.

لم يدرك الإخوان في مصر –أو ربما أدركوا ولم يهتموا- بأن كل مؤسسات الدولة ليست معهم، وأن المؤسسة العسكرية كانت وما تزال لاعبًا محرّكًا في العملية السياسية. ولعل الوضع الحالي يؤكد هذه المسألة؛ فالإعلام بكافة قطاعاته، والشرطة وأفرع الجيش المختلفة والمؤسسات الإدارية والبنوك التابعة للدولة، هي رهن إشارة الجيش إذا ما قرر دعم الرئيس الحالي، فتعمل جميع هذه المؤسسات سويّة لدعم مشروع ضخم مثل قناة السويس الجديدة، وتضخ شهادات الاستثمار في أيام قليلة.

أما تونس، فالجيش الذى نأى بنفسه عن معترك الخلافات السياسية منذ أيام الثورة الأولى؛ إذ لم يشارك في أي مواجهة مع الثوار أو يطلق رصاصة واحدة، كما اهتم بدوره الأساسي وهو حماية الحدود الوطنية ضد أي اعتداء خارجي. وعندما طُلب منه تأمين اللجان الانتخابية، لم يتوان عن الاستجابة لهذا المطلب، لكن مع الأخذ في الحسبان أن حماية الحدود هي الأولوية الأولى للجيش، وهذا ما حدث خلال الأيام الماضية بالفعل عندما نجحت قوات الجيش في قصف أماكن يحتمي بها مسلحون على الحدود مع الجزائر.

خدعة التنمية التي نعيشها منذ ما قبل 2011 ما زالت مستمرة في مصر، لكن ما يعرقلها الآن هو نغمة الإرهاب التي لا زالت تجد مبرراتها بل تتزايد يومًا تلو الأخر؛ فبحسب هذا الخدعة، لم يأت الإرهاب من الإخوان وحدهم، وأنصار بيت المقدس قادرون على زعزعة الاستقرار، وإن فشل هذا وذاك، سيكون طلبة الجامعة المنحرفون هم السبب الرئيسي لزعزعة الاستقرار، وإن لم يكن كذلك، فحماس والأنفاق وتفجيرات سيناء ستكون هي الأزمة الوحيدة في طريق التنمية. لهذا يجب أن نواجه الإرهاب في سيناء عن طريق عزلها وجعلها منطقة تخص عمليات الجيش العسكرية، والقيام بتهجير أهالي سيناء إلى القاهرة مثلًا، وهذا طبعًا لا يعني إهمال شبه جزيرة سيناء، فمن المؤكد أن «التنمية» ستطال سيناء الغالية. الإقصاء هو الحل الأول دومًا.

لا يمكنني إخفاء شعوري بالحزن العميق لما وصل إليه الواقع في مصر، في حين أن نسبة هذا الحزن تقلّ عندما أرى الوضع في تونس يسير إلى الأفضل. ربما ليس أفضل الطرق؛ فعندما تجد رئيس دولة من خلفية عسكرية يصل به الانحدار في مستوى الحديث تجاه شعبه ويقول: «مش احسن ما نبقى زي سوريا والعراق»، بدلًا من أن يقول: نسعى لحياة أكثر ديمقراطية وخلق مناخ إنساني للمواطن المصري.

هنا يجب أن نقول إن الثورة في تونس، على الأقل، لا تنتكس، بل تسير في طريقها حتى وإن لاقت الكثير من الاعوجاجات.

الوضع الإقليمي مُحبط للغاية؛ فسوريا التي لا أستطيع ادعاء فهم ما يحدث فيها، وأخبار الموت المتناثرة كل يوم من هناك، والعراق الذي يعاني منذ أكثر من عشر سنوات، وليبيا وفلسطين واليمن، كل هذه الدول التي نسمع عنها ونشاهد أخبارها التي تفيد باحتمالات تفكيكها ما بين جنوب وشمال في اليمن، وثلاثة أقاليم في ليبيا، وعراق سني وشيعي وكردي، وسوريا طائفية كذلك. كل هذه الأنفاق المظلمة تنيرها تجربة تونس حتى الآن، وليس في وسعي سوى التمني لاكتمال التجربة كما يريدها أبناء تونس، لعله يأتي ذلك اليوم الذي نجد فيه تونس ملاذًا حقيقيًّا لأي عربي يعاني في بلده بدلًا من الهروب إلى أوروبا أو أمريكا.

المجد لثورة تونس وشهدائها.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية