«بسطات العبدلي» في الإعلام: من مسألة تنظيمية إلى صراع هويات

الأحد 09 تشرين الثاني 2014
abdali-feature

ضرّ تناول الإعلام لقضية نقل بسطات العبدلي أو «سوق الجمعة» الجمهور أكثر مما نفعه. ففي الأخبار والتقارير، قُدمت معلومات قليلة وعامة لم تُجب عن تساؤلات القراء بخصوص القضية، وعُرضت مواقف الطرفين فقط وبشكل غير متوازن. وفي مقالات الرأي، ضخّم الإعلام نواحٍ معيّنة وهمّش أخرى، وتبنّى رواية غير موضوعية، وأقحم عناصر لا صلة لها بالقضية بعد أن جيّش وحرّض، وشخصن قضية عامة.

روايتان لحدث واحد

قبل وصول الأزمة إلى ذروتها، نشر الإعلام الرسمي أخبارًا حول نيّة أمانة عمان بنقل بسطات مجمع العبدلي إلى موقع آخر. وذُكر أنّ الأمانة تدرس مواقع بديلة وتلتقي وتتفاوض مع ممثلين لأصحاب البسطات. وفي المقابل، نشرت مواقع إخبارية وصحف معارضة تقارير عن اعتصام نفذه نحو 500 من أصحاب بسطات العبدلي أمام مبنى الأمانة، مطالبين بإلغاء قرار النقل، وسط تواجد مكثف لقوات الدرك أمام مكتب الأمين.

ظلّ الإعلام صامتًا لمدّة شهرين، حيث اختارت خلالهما الأمانة موقعًا جديدًا في منطقة رأس العين. وانتهت المهلة الممنوحة لأصحاب البسطات لترتيب إجراءات انتقالهم للموقع الجديد، دون متابعة إعلامية لتفاصيل القضيّة ومواقف أصحاب الشأن. وبقي الجمهور من سكان عمان مغيبين عن مسألة تنظيمية تعنيهم كما تعني الأمانة وأصحاب البسطات في العبدلي.

لم يلتفت الإعلام إلى القضية إلا بعد اندلاع مواجهات عنيفة بين عدد من أصحاب البسطات وقوات الدرك، امتدت من مجمع العبدلي إلى مدخل حي الطفايلة. وتفاوتت الروايات الإعلامية لأحداث ليلة العاشر من تشرين الأول بين الطرفين؛ الحكومة وأصحاب البسطات.

ركز موقع سرايا على قمع الدرك للمحتجين «باستخدام كثيف للغاز المسيل للدموع، اعتقالات، فرض طوق أمني، هدم الخيم بالجرافات». في حين استندت صحيفة الرأي إلى التصريحات الرسمية للأمن العام حول «توقيف 26 شخصًا بتهم التجمهر غير المشروع وحيازة مواد مفرقعة والقيام بأعمال لم تجزها الحكومة وإصابة رَجُلي درك بعيارات نارية».

اختلف السرد الإعلامي لتسلسل الأحداث؛ وفقًا لموقع عمون فالدرك هم من بدأوا بإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتجمهرين «تحوطًا لأية اعتراضات من قبل أصحاب البسطات وأن» «الدرك أغلق المنطقة لمنع أية تداعيات محتملة عقب ازالة الجرافات للسوق المتعلق بالبسطات». وتغيّر تسلسل الأحداث في صحيفة الغد التي اكتفت برواية «مصدر أمني» غير مُعرّف قال إن بعض المحتجّين «بادروا بإلقاء زجاجات مولوتوف حارقة على قوات الدرك والأمن العام، ما اضطرهم إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع، وإلقاء القبض على عدد من المحتجين».

الإعلام مدفوع بالأصول والمنابت

بعد انتقال المواجهات بين المحتجين وقوات الدرك إلى حي الطفايلة، عُقد في اليوم التالي اجتماع لبحث قضية بسطات العبدلي في جمعية حي الطفايلة، وخلال الاجتماع طالب حاضرون بإقالة أمين عمان عقل بلتاجي لأنه «أهان كرامة الطفايلة» و«لأنه يستهدف الطفايلة» على حدّ تعبيرهم، فيما دعا آخرون المحتجين للتهدئة، والأجهزة الأمنية لتخفيف تواجدها في الحي وإطلاق سراح الموقوفين.

وفي صباح اليوم التالي تلقفت «إذاعة روتانا» خبر الاجتماع وتابعته باتصال هاتفي مع الأمين بلتاجي، واستضافت في الأستوديو لمناقشة القضية صحفيًا غير متخصص في شؤون الأمانة، وإنما تنحدر عائلته من محافظة الطفيلة. وبالفعل قام الضيف الصحفي بالدور المتوقع منه وتحدث باسم «الطفايلة»، وحوّل القضية من قرار تنظيمي إلى صراع شخصي بين الأمين والطفايلة.

مقطع من لقاء إذاعة «روتانا» مع أمين عمان عقل بلتاجي

تداولت عشرات المواقع الإخبارية لقاء إذاعة روتانا الذي حظي باهتمام إعلامي يوازي الاهتمام بقضية بسطات العبدلي؛ والمشكلة لم تكن بتضخيم اللقاء بقدر ما كانت بإجماع المواقع على إساءة نقل الحوار الإذاعي. تشابهت عناوين الخبر، مثل «بلتاجي لأبناء حي الطفايلة: من هم هؤلاء؟!» و«بلتاجي لأبناء حي الطفايلة: من أنتم؟؟؟».

ونشر موقع سرايا صورة مركبة للأمين في لباس الرئيس الليبي معمر القذافي وعليها عبارة «بلتاجي للطفايلة: من أنتم؟»، مرفقة مع مادة هجومية تخاطب الأمين: «هؤلاء الأردني منهم في حي الطفايلة (طفيلي) نسبة للطفيلة أرض العز والكرامة، يسعى لرزقه بكده وجهده، أما أنت يا بلتاجي فـ(طُفَيلِي) كالعلق الذي يتطفل على الأجساد، يمص دماءها ليتغذى دون تعب منه لتحصيل رزقه دون كد أو تعب».

ردت أمانة عمان على النقل المحرّف والمجتزأ لحديث الأمين ببيان عبرت فيه عن «استغرابها وأسفها لتفسير سؤال أمين عمان عقل بلتاجي في غير سياقه الطبيعي وشخصنته». ولقي البيان اهتمامًا إعلاميًا  أقل من خبر اللقاء. لكنه أطال أمد انشغال الإعلام بمسألة لا علاقة لها بقضية بسطات العبدلي.

إنّ إقحام قضايا الهوية في التعليق على قرار تنظيمي لأمانة عمان بدا واضحًا في مقالة جهاد المحيسن في صحيفة الغد، بعنوان «طفايلة وزنوج وبدو وفلاّحون!»، وبدا فيها متأثرًا بخبر اللقاء كما تداولته المواقع، حين كتب: «علاقة الشد والجذب واتهام الناس في هويتها ووجودها من المحرمات التي وقع فيها السيد عقل بلتاجي أمين العاصمة. لذلك لا ينفع في حالة الطفايلة والبدو والفلاحين والزنوج العبث بهذا المُكوّن». وألمح الكاتب إلى الأصل الغزي للأمين، فكتب: «عندما كان العدوان الأخير على غزة هاشم، خرج أصحاب البسطات وغيرهم من حي الطفايلة، في مظاهرات حاشدة تدين العدوان الصهيوني على غزة والغزيين».

وكذلك فعل الكاتب طارق مصاروة في صحيفة الرأي، حين دافع عن قرار الأمانة بـ «استرداد ساحة العبدلي من اكشاك بشعة يديرها عمال وافدون». وأقحم أحداث أيلول عام 1970 في قضية بسطات العبدلي، فكتب: «لقمة الخبز التي تبرر الفوضى والتشوه في بلدنا نعرفها منذ أيام اغتصاب العاصمة ومدننا الكبيرة تحت لافتة «المقاومة» و «قتال الاحتلال»؛ فلم يعد الأمن يجرؤ على المشي في الشارع، وصارت الأحياء الآمنة محتلة بالقواعد التي انتقلت من الأغوار إلى جبل الحسين واللويبدة والوحدات والحسين».

توقفت الاحتجاجات وهدأت الأزمة من دون أن يوضح الإعلام عدد المحتجين على القرار من مجموع أصحاب البسطات، أو حتى العدد الفعلي لأصحاب البسطات التي تضاربت أعدادها بين 1200 و1800 بسطة، عدد من يملكون أكثر من بسطة ومن منهم مسجل لدى الأمانة أو حصل على ترخيص. والأهم ما هي شروط ترخيص البسطات ومن هم المؤهلون للحصول على بسطات، وهل هناك نظام عادل وشفاف يسمح لكل المؤهلين بالتقدم بطلبات ترخيص بسطات، سواء في العبدلي ورأس العين أو غيرها؟

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية