عائلة على جانبي الحدود

أردنيون في سوريا وسوريون في الأردن

تقرير علاء الشمّاع، فيديو محمد حجازي

في قرية سحم الكفارات شمال مدينة إربد، يقطن أبو صالح (48 عامًا) الذي لجأ إلى الأردن من دمشق خوفًا على عائلته من الأحداث في سوريا.

لكن قصة أبي صالح السوري مع الأردن لم تبدأ عندما استقبله أبناء عمومته حين دخل الأراضي الأردنية هربًا من القتل والدمار في سوريا، بل بدأت عندما غادر والده الأردن إلى سوريا في خمسينيات القرن الماضي وحصل على الجنسية السورية واستقر هناك.

عودة أبي صالح

إبراهيم مصطفى محمد صالح الحاج (أبو صالح) أردني الأصل لكنه ولد في مدينة حمص. له ثلاثة إخوان وسبع أخوات، وكان والده الأردني يخدم في الجيش العربي السوري بعد أن حصل على الجنسية السورية عام 1956.

أبو صالح الأردني، كما كان يسمّى في سوريا رغم أنه يحمل الجنسية السورية، ولد في مدينة حمص عام 1966 ثم انتقل للعيش في دمشق. لكن عندما عمّت الحرب أجزاءً واسعة من سوريا، حزم أمتعته ولجأ إلى الأردن بعد أن سبقه معظم أفراد عائلته، إثر اشتداد المعارك وقربها من منطقة الحجر الأسود حيث يقطن، لذلك قرر أن يعود إلى الأردن لكن هذه المرة كلاجئ لا كزائر.

ابن عمه الأردني محمد الحاج (أبو ربيع) قام بتكفيله وأسرته فور وصولهم إلى المخيم، واستضافهم في بيته في قرية سحم الواقعة على الحدود مع سوريا. “هو عاد إلى موطنه الأصلي بين أهله وأقاربه”، بهذه الكلمات وصف محمد الحاج عودة ابن عمه أبي صالح.

شقيقات أردنيات وأشقاء سوريون

لم يكن أبو صالح أول من عاد في عائلته من سوريا إلى الأردن، بل سبقه إلى هناك أخوه الأكبر محمد عام 1986، وتلاه أخوه محمود عام 2000، ومن ثم عاد أخوه عارف في بداية الأزمة السورية، وأخيرًا عاد الوالد أبو محمد عام 2013، بعد إلحاح من عائلته ومقاومة منه.

حين عاد الوالد مصطفى الحاج (أبو محمد)، كانت معظم العائلة -التي يحمل جميع أفرادها الجنسية السورية- قد أصبحت مقيمة في الأردن. فخمس من بناته تزوجن بأردنيين وحصلن على الجنسية الأردنية وأقمن في الأردن، وجميع أولاده سبقوه إلى الأردن في فترات مختلفة. ولم يبقَ من عائلته سوى اثنتين من بناته متزوجتان في سوريا، واحدة في دمشق والثانية في درعا.

الحرب في سوريا جمعت مرة أخرى أبناء القرية الواحدة تحت سقف واحد بعد أكثر من ستين عاما على ضبط الحدود الأردنية السورية، إذ تتشاطر العديد من القرى الحدودية بين الأردن وسوريا عائلات من أصل واحد.

ويبلغ طول الشريط الحدودي بين الأردن وسوريا حوالي 320 كم، وتخترق الحدود مساحات شاسعة من سهل حوران الذي يقطنه المزارعون الذين كانوا يتنقلون من قرية لأخرى.

ويروي بهيج الزعبي من درعا المقيم حاليًا في الأردن أنه قبل تشديد الحدود “كنا نشيل شوالات السكر من الأردن ونبيعها في درعا”، حيث كانت الحدود مفتوحة وكان المتنقلون يمرون من المناطق التي يتواجد بها الجيش دون أي مانع.

الزعبي الذي يسكن اليوم في بلدة الشجرة شمال الأردن فتح محمصًا للقهوة هناك واستقر مع أولاده، فيما تحتل بلدة الشجرة خصوصًا وإربد عمومًا جزءًا من ذاكرة شبابه عندما كان يقطع الحدود لينقل البضائع بين البلدين مشيًا على الأقدام عابرًا مسافة لا تتعدى الأربعة كيلومترات.

بلهجة الحنين إلى الماضي استذكر أبو صالح روايات والده عن المنطقة التي لا يعرف عنها الكثير، حيث كان والده يخبره عن فترة صباه حينما كانت الأرض واحدة لا تفرقها حدود، وكيف كان يخرج من الأردن ويقطع مسافات لا تتعدى مئات الأمتار ليصبح في سوريا ويعمل في الزراعة هناك ويعود، إلى أن استقر في سوريا.

“كنا نزرع الأرض الممتدة في وادي الجولان على الحدود الأردنية-السورية، وبقيت في سوريا”، بهذه الكلمات خبرنا أبو محمد في الفيديو أدناه عن بداية قصة انتقاله.

ذاكرة القرية

طوال حياته كان أبو صالح يزور الأردن ليلتقي أهله وأصدقاءه. كانت أولى الزيارات التي يتذكرها في سبعينيات القرن الماضي التقى خلالها بأولاد عمومته في بيت الجد وأرض والوالد المزروعة بأشجار الزيتون على امتداد ستة دونمات ورثها عن أبيه، لتبقى هذه الأرض الشاهد على أصل أبي صالح.

تكررت زيارات أبي صالح إلى الأردن حتى قرر في عام 1989 الانتقال إليه، وبقي يعيش ويعمل في الأردن لست سنوات، لكنه قرر العودة مرة أخرى إلى سوريا حين لم يستطع الحصول على الجنسية الأردنية، إذ كان على والده إبي محمد التخلي عن الجنسية السورية واستصدار الأردنية حتى يستطيع ابنه إبراهيم التقديم لها. لكن الوالد لم يقبل بذلك، لاستقراره في سوريا آنذاك.

توالت الزيارات إلى أن اضطر أبو صالح إلى القيام بزيارة نهائية في تموز 2012، حينما قرر اللجوء من سوريا إلى الأردن غصبًا عنه، كما قال.

في رحلة سفر شاقة استخدم أبو صالح وعائلته المكونة من أربعة أفراد كل الوسائل المتاحة من سيارته الخاصة إلى المواصلات حتى المشي على الأقدام لعبور الحدود غير الرسمية، ليصل إلى الأردن برفقة العديد من اللاجئين.

بعد تقديم أوراقه وتكفيله من قبل ابن عمه محمد الحاج حصل أبو صالح على بطاقة لجوء من المفوضية السامية لشوؤن اللاجئيين كونه يحمل الجنسية السورية. وعاد إلى قريته الاصلية وسط أقربائه.

ويبلغ عدد السوريين الذين تم تكفيلهم من قبل أردنيين منذ بداية الأزمة السورية إلى الآن قرابة 95 ألف شخص. وبحسب إحصائيات سابقة صادرة عن إدارة مخيم الزعتري، فإن معظم الذين تم تكفيلهم هم من المناطق الحدودية، وتحديدًا من درعا، ما قد يدل على حجم صلات القرابة بين العائلات الأردنية والسورية في المناطق الحدودية، فضلًا عن علاقات النسب بين الطرفين.

لعل المفارقة أن الأزمة السورية كانت عاملًا مساعدًا لعودة العلاقات بين الأسر على جانبي الحدود التي لم تكن معروفة قبل عام 1932 عندما تم ترسيم الحدود بين البلدين.

* فيديو المقدمة يظهر ثلاثة أفراد من عائلة الحاج يطلون على الجولان من أرض جدهم في سحم.

  • محمد الحاج

    مواليد قرية سحم الكفارات شمال الاردن عام 1905، عمل طوال حياته مزارعا ومربيا للمواشي.

    • عارف محمد الحاج“أردني”

      مواليد قرية سحم الكفارات شمال الأردن عام 1933، عمل في الزراعة وتربية المواشي، ثم انتسب إلى القوات المسلحة الأردنية.

    • مصطفى محمد الحاج“سوري”

      مواليد قرية سحم الكفارات شمال الأردن عام 1934، عاش بداية حياته هناك، ثم انتقل إلى سوريا، عمل في الزراعة وحصل على الجنسية السورية، ثم انتسب إلى القوات المسلحة السورية.

      • إبراهيم مصطفى محمد الحاج“سوري”

        أبو صالح، من مواليد مدينة حمص السورية عام 1966، خدم في الجيش السوري لمدة عامين ونصف، ثم انتقل للعمل بالتجارة وأنشأ معملا للبلاط في عام 2008.

    • إبراهيم محمد الحاج“أردني”

      مواليد قرية سحم الكفارات شمال الأردن عام 1939، عمل في الزراعة وتربية المواشي، ثم انتسب إلى القوات المسلحة الأردنية.

    • علي محمد الحاج“أردني”

      مواليد قرية سحم الكفارات شمال الأردن عام 1942، عمل في الزراعة وتربية المواشي، ثم انتسب الى القوات المسلحة الأردنية.