عن «التأثير السلبي» المفترض للجوء السوري على المشهد الثقافي الأردني

الأحد 25 كانون الثاني 2015
jordan-cultural-scene-syrian-refugees

من اللطيف -وغير المألوف- أن نرى وزيرة الثقافة الأردنية تنشط في مجال ثقافي ما يبتعد عن  مهرجانات التأبين والتكريم والافتتاح، إذ التقت د. لانا مامكغ مؤخرًا خلال زيارة قامت بها لمحافظة المفرق بالفعاليات الثقافية وممثلي مؤسسات المجتمع المحلي والقيادات الشبابية في المحافظة.

الوزيرة لم تكتفي بذلك، بلصرحت، حسب ما نقلته الصحف عن هذه الزيارة، أن المشهد الثقافي في المملكة تأثر «سلبًا» باللجوء السوري إلى الأردن، وزادت على ذلك أن الإعلام الأردني لم يتطرق حتى الآن إلى هذا التأثر ولم يتحدث عنه.

عممت الوزيرة «التأثير السلبي» لهذا اللجوء على قطاع الثقافة في المملكة كلها لا في المحافظات وحسب، ولا أدري من أين حصلت على هذا التصور، فإذا أردنا أن نلقي الضوء على الثقافة في الأردن في فترات اللجوء في العقد الأخير نجد أن أكبر لجوئين حصلا كانا اللجوء العراقي والسوري، وأن هذين اللجوئين أسهما في رفد الحركة الثقافية في الأردن وفي تحريك المشهدين الفني والثقافي على حد سواء.

في العام 2014 وحده نجد أن اللجوء السوري والربيع العربي جعلا من الأردن الساحة الثقافية العربية المتاحة أمام المثقفين والفنانين العرب، وبالتالي خدم المشهد الثقافي الأردني وانعكس إيجابا على الفنان والمثقف الأردني، ورفد توافد المثقفين العرب إلى الأردن المشهد بصورة واضحة.

إذا أردنا أن نجري مقارنة سريعة للإنتاج الثقافي في الأردن في الأعوام 2010 – 2014 وفقًا للببليوغرافيا الوطنية، والتي تضم الأعمال الثقافية التي يوثقها أصحابها فقط، نجد أن الإنتاج الأدبي في العام 2010، الذي سبق اللجوء السوري، 1533 كتابًا، مقابل 1755 كتابًا العام 2014؛ مما يشير إلى أن النتاج الأدبي لم ينخفض خلال فترة اللجوء السوري، بل على العكس من ذلك.

النتاج الفني لم يكن أقل وفرة في تلك الفترة أيضًا في مجال الفنون السمعية والبصرية والرسم والتصوير. ورغم أن معظم هذه الأعمال لا يسجلها أصحابها في المكتبة الوطنية، إلا أن ما تم تسجيله بالفعل عام 2010 كان 74 مصنفًا، مقابل 128 مصنفًا للعام 2014.

من أين حصلت الوزيرة على إحصاءاتها الخاصة التي تفيد بأن اللجوء السوري أثر سلبًا على المشهد الثقافي الأردني في الوقت الذي بدأنا نتلمس صحوة ما في الحراك الثقافي الفني الأردني؟

ليست الأرقام وحدها التي تتحدث عن تأثر المشهد الثقافي الأردني  باللجوء السوري، بل اختلاط الفنانين السوريين الذين لجأوا إلى الأردن بعد الثورة السورية، وتفاعلهم مع المشهد الثقافي أثر بصورة كبيرة على المشهد الثقافي.

فالموسيقيون والفنانون التشكيليون والشعراء وغيرهم من الفنانين والأدباء أسهموا في إثراء المشهد، والتفاعل معه من خلال الاشتراك مع الفرق الفنية المحلية ونشر أعمالهم من خلال دور نشر أردنية، وعرض أعمالهم في دور العرض وغيرها من أشكال التفاعل.

أما المهرجانات والفعاليات السنوية التي تقام في عمان والمحافظات فقد ظلت قائمة، وفضلًا على ذلك شهد العام الماضي ولادة مهرجانات ثقافية وفنية أخرى حاولت إثراء المشهد العماني والمدن الأخرى، وإن كان على استحياء حين نذكر المحافظات.

وهنا يعيد السؤال نفسه؛ من أين حصلت الوزيرة على إحصاءاتها الخاصة التي تفيد بأن اللجوء السوري أثر سلبًا على المشهد الثقافي الأردني في الوقت الذي فيه بدأنا كمواطنين ومثقفين وفنانين وإعلاميين ومهتمين بالشأن الثقافي نتلمس صحوة ما في الحراك الثقافي الفني الأردني؟

بدلًا من أن تلقي الوزيرة تصريحًا غير مبنيٍ على أرقام واقعية، كان الأجدر بأن تشير إلى المؤسسات الرسمية التي ما تزال أغلبها مقصرة في دعم المشهد الثقافي في المملكة وخصوصا المحافظات، وأن معظم ما تشهده المملكة من فعاليات إما نتيجة جهود فردية أو مؤسسات أهلية ربحية وغير ربحية، في الوقت الذي تنأى معظم المؤسسات الثقافية الرسمية، وخصوصًا وزارة الثقافة، بنفسها عن دعم معظم الفعاليات الثقافية والفنية التي لا تتخذ طابعًا تكريميًا أو تأبينيًا أو وطنيًا.

أما حين نتحدث عن المحافظات والمدن الأردنية الأخرى، فلطالما كانت عمان مركزًا لكل شيء، لا الثقافة وحسب، ولم يعمل اللجوء على زيادة تهميشها أو إقصائها عن المشهد الثقافي، بل هي كانت منذ سنوات مهمشة وغير فاعلة على الخارطة الثقافية، وكل ما قد يكون فعله «الربيع العربي» و«اللجوء السوري» هو رفع وعي سكان المحافظات إلى هذا الواقع، وإلى رغبتهم في الحصول على ما يحصل عليه المركز «عمان».

ربما لم يتطرق الإعلام الأردني للحديث عن «التأثير السلبي للجوء السوري على المشهد الثقافي»، ذلك أنه لا يوجد علّة يشتكي بسببها المشهد من هذا اللجوء، وإنما كان الإعلام مقصرًا بالحديث عن دور وزارة الثقافة التي آثرت أن تكتفي بدور المُكرِّم والمتحفي أو المحتفى به، دون أي دور ريادي آخر لمساندة أو رفد هذا المشهد.

* الصورة أعلاه من موقع Shutterstock.

 لتصلك أبرز المقالات والتقارير اشترك/ي بنشرة حبر البريدية

Our Newsletter القائمة البريدية